منى العياف ـ ما خاب من استشار .. ولكن !

اذا كان «غاندي» قد قال يوماً قولته الشهيرة «كثيرون حول السلطة.. وقليلون حول الوطن»، فظني – وليس كل الظن اثماً – انه لم يقلها خصيصاً للهند، بل ربما كان يقولها للكويت!.
كثيرون حول السلطة، هذا ما نحن عليه الآن، وقليلون حول الوطن، هذا ما أصبحنا وما أمسينا عليه، وياليتهم مع كثرتهم والتفافهم حول السلطة يأخذون ما يريدون، وفي نفس الوقت يتركون للوطن ما يجب ان يبقى له!! لكن المؤسف انهم أبداً لا يفعلون ذلك!.
٭٭٭
حتى في مسألة اختيار من هم حول مراكز القرار في الحكومة، قد لا تكون كفئاً، قد لا تكون قادراً.. قد تكون أقل من المطلوب.. لا بأس.. لكنها قد وصلت اليك.. فما الذي يضيرك ان تنظر حولك وتأتي بمن يساعدك أكثر على ان تكون هذه المهمة على قياسك فعلاً.. ومن يساعدك على ان تكون كفؤاً ومؤهلاً لذلك؟ لكن ألا تكون مؤهلاً ولا كفؤاً.. وفي نفس الوقت تستعين بالمتواضعين علمياً وغير المؤهلين «وبمن أكل عليهم الدهر وشرب»، فلا فكرة مبتكرة ولا نصيحة سديدة.. ولا حماس.. ولا دم جديداً يجري في عروق الحكومة الهرمة، فهذا ليس أقل من تسميته كما يقول اخواننا في مصر «موت وخراب ديار»!!.
٭٭٭
يا اخوان.. قديماً قالوا: «ما خاب من استشار».. فلماذا تخيب أنت؟ لماذا تُخيِّب فيك كل رجاء.. وتبقي الكثيرين حول الحكومة من الذين لا يمكنهم ان يرفعوك اذا سقطت.. او ينصروك اذا احتجت.. او يقفوا اليك اذا عجزت.. لماذا تحيط نفسك بغالبية مدعي الموهبة والكفاءة.. الا تعرف ان هذا الاناء ينضح بما فيه، أهوالاً وأزمات.. أخطاء وتجاوزات.. فضائح وسرقات.. ومشكلات بالجملة!!.
قالها «غاندي»، اذن وربما لا نفهمها.. كثيرون حول السلطة وقليلون حول الوطن، لكن ربما نفهم الحكمة التي قالها أهلنا من زمن طويل، «ما خاب من استشار».. وأعظم وأرقى درجات الحكم الرشيدة هي القائمة على المشورة الصحيحة.. ولو تمعنا في القرآن الكريم لعرفنا ان امرهم يجب ان يكون شورى بينهم؟! أليس كذلك؟!.
٭٭٭
فالاستشارة هي احدى صور الكمال لتنظيم الحياة، وهي أصل من أصول الحكم تساهم في حل مشكلات مستعصية وتلبي احتياجات الناس، من خلال اشراك أصحاب العقول المستنيرة، ذات السمعة الطيبة المشهود لها في مجالات الفكر والعلم والفقه واللغة والتربية.. والذين بمشوراتهم الصحيحة المخلصة تستطيع الأسر والجماعات والمنظمات والدول ان تحل الكثير من قضاياها على اختلاف انواعها، ولأن للشورى تلك القيمة المهمة.. وذلك الأثر الحقيقي على نهوض وتقدم الأمم، فان لها مكانة عظمى في الاسلام ويتجلى في قوله تعالى: {والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم} – الشورى 38 -، {وشاورهم في الأمر} – آل عمران 159 -.
٭٭٭
كذلك إذا نظرنا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فاننا سنجد ان الشورى كانت وفقاً لشروط وقواعد ومقتضيات كثيرة.. سواء فيما تقتضيه أصول الاسلام أو مقتضيات الظروف المحيطة.. فهناك شروط للمستشار، وشروط للمشورة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ان المستشار مؤتمن – رواه الترمذي -.. لذلك فان الاستشارة لا تكون لأي أحد، وأولى شروطها انه يجب ان يكون المستشار «مؤتمناً» ومن صفات المؤتمن في الصدق والاخلاص لكي يتحقق القصد من مفهوم الاستشارة!.
٭٭٭
واذا نظرنا الى المشهد السياسي الكويتي، منذ عشرات السنوات وحتى اليوم.. هل يمكننا ان نرى مستشاراً بهذه المواصفات؟ من هم المستشارون الذين تستشيرهم الحكومة، ما هي امكانياتهم، ما مدى تأهلهم.. ما مدى كفاءتهم.. ما مدى فائدتهم للدولة، بالأخص في القضايا العامة وفي الظروف الحالكة التي نمر بها؟ «فداعش» بجوارنا.. و«النصرة» تهددنا و«القاعدة» من حولنا.. و«طالبان» تعشش في نفوس البعض منا.. والمؤامرات حولنا من الاعداء ومن نعتبرهم الأصدقاء على السواء.. والتنمية شبه متوقفة، وكلهم يبحثون عن مصالحهم فقط.. هل لدينا مستشارون ناصحون وامناء حقاً في كل الظروف والأنواء التي تحيط بنا من كل جانب، والمخاطر التي تحدق بنا وتهدد وجودنا ليس كدولة وانما كدولة وحكم!!.
كيف يختار هؤلاء؟ هل يختارون بمعايير الوطنية، أم الواسطة؟ هل يختارون بمعايير الكفاءة أم الشخصانية؟.
٭٭٭
يقيناً فانني أرى ان مقولة «غاندي»: «كثيرون حول السلطة وقليلون حول الوطن»، صائبة في الكويت وعلينا ألا ندفن رؤوسنا في الرمال ونتجاهل هذه الحقيقة الخطيرة التي تهددنا.. انها الكارثة التي تهددنا فعلاً.. ان هذا الجيش من المستشارين كله يلتف حول الحكومة.. لكنه لا يلتف حول الوطن، وكأن الكل يعتبر الوطن صفقة.. يريد ان يحصل على حقه منها وليذهب الوطن الى الجحيم!!.
هذا عن «المستشارين» في أعلى المواقع في الحكومة، فماذا عن مستشاري المهن الثانية وأقصد بذلك المجلس الأعلى للتخطيط، الذي يعين فيه 32 عضواً والذين يفترض ان يكونوا من ذوي الكفاءة والخبرة ومشهود لهم تاريخياً بأنهم عقول مستنيرة ولكن (في فمي ماء) مع احترامي الشديد للكثير من الأشخاص في المجلس الحالي، الا انني أعرف ان (الواسطة) تفوح من اسمائهم وفي المقابل البلد كما هي لا تتقدم، والأموال تهدر والوقت يمضي ونحن (محلك راوح)!!.
٭٭٭
السؤال الذي يطرح نفسه الآن.. هل بالفعل ان من ائتمناهم على ان يقدموا المشورة الصحيحة لمجلس الوزراء جديرون حقاً بتقديم هذه المشورة؟! وهل المعايير التي تم تعيينهم بمقتضاها صحيحة، ام انها ايضاً تمت حسب (الواسطة)؟!.
أذكر ان عدداً من الصحف نشرت قبل ما يقرب من 10 شهور خبراً مفاده ان المجلس الأعلى للتخطيط انتفض ووجه رسائل شديدة للحكومة عند عرضها الميزانية العامة للدولة، حيث رأوا أن الميزانية أتت مستعجلة وانها لا توافق خطة التنمية وقد تم (سلقها) بحيث لم توقف الهدر المعتاد وكانت من بين ملاحظاتهم ايضاً ما يتعلق بـ(المصروفات المتعلقة بالمهمات الرسمية ومكافآت كبار القياديين في الدولة)!!.
٭٭٭
لقد فرحنا واستبشرنا لكن السؤال هل تم اتخاذ أي اجراء او عمل شيء تجاه هذه الملاحظات؟ في الواقع لا.. لم يحدث شيء والحكومة مستمرة في غيها والأعضاء في مجلس التخطيط الموقر مازالوا موجودين في مواقعهم واماكنهم، ولم يسجلوا أي موقف مبدئي رافض لهكذا ميزانية، وهكذا هدر، والمهزلة لا تزال مستمرة، فهل يعقل ان تكون المشورة بهذا الشكل وبدون فعالية تذكر؟!.
يا اخوان.. هناك دولة تدار وهناك وجود لدولة.. ومواطنون ومصالح.. ومخاوف ومستقبل أجيال، فالى متى يستمر هذا التخبط والى متى سيستمر هذا المسلسل من الاهمال؟! والى متى تغيب المشورة الحقيقية من صانع القرار؟!.
٭٭٭
هذا هو الحال عندنا، لكن الحال في الشقيقة مصر يختلف الآن، فقد أصدر رئيسها عبدالفتاح السيسي قراراً جمهورياً بتشكيل مجلس استشاري من كبار علماء وخبراء مصر يتبع مباشرة رئيس الجمهورية، سيكونون له بمثابة (خزانات تفكير) للنهوض بمصر في كل المجالات والعمل على الخروج من حالة الركود بما يحقق طموحات الشعب.
واللافت للنظر ان أغلب اعضاء المجلس الاستشاري علماء مثل الدكتور احمد زويل (حائز جائزة نوبل 99)، ود.مجدي يعقوب (رائد جراحة القلب العالمي)، والدكتور نبيل فؤاد (استاذ الفيزياء في المانيا)، والدكتور فيكتور رزق الله(رئيس غرفة المهندسين بألمانيا نائب جامعة هانوفر سابقاً)، والدكتورة ميرفت أبوبكر (خبيرة تربوية دولية)، والمهندس هاني عازر (كبير المهندسين في محطات أوروبا – برلين)، والمهندس هاني النقراشي (عضو الفريق البحثي لمركز الفضاء)، والدكتور فاروق الباز (الخبير بوكالة ناسا) وغيرهم كثيرون بما يربو على 16 عالماً وعالمة، وهم من سيأخذون على عاتقهم وضع تصور استراتيجي للدولة المصرية في كافة المجالات، لذلك نبارك للقيادة المصرية هذا القرار، والذي يتوافق تماماً مع مقولتنا المحلية (ما خاب من استشار)، ولكنه يختلف تماماً مع سياستنا الداخلية الحالية؟!.
.. والعبرة لمن يتعظ!!.