منى العياف ـ الكويت اليوم .. تباع “قطعة قطعة” وبالقانون !

«محد قطف الثمار غير ربع الغرفة»!!.
هذه التغريدة البليغة والمعبرة ليست لأحد خصوم رئيس «السنن اللاحميدة».. ولا أحد من النواب المختلفين معه والمعارضين لسياساته وأساليبه.. وانما هي تغريدة لمواطن كويتي كتبها رداً على بيان بث أمس الأول من رئيس المجلس في الاحتفال بمرور 52 عاماً على وضع دستور الكويت.. قال فيها: «الكويتيون يقطفون ثمار حكم الشورى»!!.
٭٭٭
«محد قطف الثمار غير ربع الغرفة».. تغريدة مواطن كويتي مقهور وربما يشعر بالظلم واليأس من صلاح الأمور في ظل منظومة التحالف بين التجار والسلطة التنفيذية.. والتي ان كانت تعني شيئاً فهي تعني «التكويش» على كل شيء.. لا استثناء لأحد.. ولا لشيء.. لا لمنصب ولا لمناقصة.. ولا لفرصة عطاء يمكن ان تلوح على أي أفق الا للمعازيب.. و«المطبلين» و«الفداوية» و«الشبيحة» التحالف.. الذي يقهر النفوس.. ولا راد له الا قضاء الله.. أو صوت الناس!.
«المغرد» المقهور.. يقصد بربع الغرفة «غرفة التجارة» بالطبع.. هذا لا يخفي على أحد.. وقد حاولت ان أنحي التغريدة عن ذهني.. وألا أفكر فيها.. لكنها أبت واستعصت.. ربما لو كانت من السياسيين والنواب المعارضين لأمكنني ان أفعل، لكنها كانت «لمغرد».. مواطن كويتي.. كان هذا تقييمه لما جرى للكويت عشية احتفالها بتأسيس دستورها، الذي يقولون انهم يحتفون به وهم «ينتهكونه» كل لحظة ويعتدون عليه أشد اعتداء!!.
٭٭٭
ما الذي يعنيه الدستور للكويتيين؟ يعني مثلما يعني لشعوب العالم كافة الحق في الحياة في الحرية والديموقراطية وتداول السلطة.. الحق في الديموقراطية كان هو البوابة التي يحقق منها المواطن حقوقه في العيش بكرامة وبرفاهية متمتعاً بخدمات جيدة في التعليم والصحة والسكن.. وكل ما يحتاج اليه الفرد في حياته.. لكن الذي حدث ان الديموقراطية كانت بوابة لأشياء أخرى.. كانت بوابة الكبار من أصحاب المال والأعمال لتحقيق مآربهم وكل ما تهفو اليه النفوس.. ومن دون ان يتوقفوا أو يشبعوا!!.
ولأننا أصبحنا في عصر القهر والظلم وتردي الخدمات.. بل «ديكتاتورية الأقلية الحاكمة في السلطتين التنفيذية والتشريعية، المنفصلة عن الواقع الحالي، بكل مآسيه.. فان الناس أصبحت تتنفس على شاشات وسائل التواصل الاجتماعي!!.
حتى من لا يغردون، أو يتواصلون عبر الفيس بوك.. لو نظرت الى وجوههم ستجد وجوهاً مكفهرة.. «مالها خلق».. تبي «فشة خلق» من كثر «الضيق»!!.
٭٭٭
للأسف جملة هذا المغرد البسيط أصبحت تتردد بين جميع فئات الشعب الكويتي، وتعكس واقعاً مريراً.. واقعاً لا يخطئه عقل أو وعي أو عين.. واقع ان لدينا «حفنة» من التجار ممن يمتهنون مهنة السياسة ويحترفونها ويشتغلونها لمصالحهم الخاصة.. ومما يؤسف له أكثر ان الدولة أصبحت طوع بنانهم فالمناقصات الحكومية، والمناصب والمزايا كلها من نصيبهم، وهذا ما ظللنا نحذر من حدوثه منذ ان بدأ عقد هذا التحالف يضرب في الكويت، وسبق ان كتبنا مراراً من ان ارتباط النظام برجال الأعمال ستكون له عواقب جسيمة سبق ان عددنها ودعونا الله ان يجنبنا شرورها!!.
٭٭٭
لقد شهدنا أخيرا الكثير من الثورات العربية.. كانت نقطة انطلاقها طغيان وهيمنة رجال الأعمال على المشهد وعلى القرار السياسي.. ومن أسف ان هذا المشهد وتلك الهيمنة من جانب هؤلاء أصبحت عنوناً للمرحلة الحالية.. أصبح هذا هو الواقع في الكويت وتسبب في هذا خلل آخر أكثر فداحة وخطورة تمثل في غياب الرقابة الشعبية.. فاذا كنا في الماضي نطمئن الى رقابة الشعب عبر مجلس الأمة على السياسات، التي يمكن ان تؤثر على مقدرات البلاد.. فاليوم حدث العكس.. اختل الميزان.. باختلال مجلس الأمة.. وغياب دوره الرقابي.. والأفدح من هذا ان المعارضة بشقيها المعارضة الهادئة والمعارضة «الصاخبة» كلتاهما غائبتان ومغيبتان عن المشهد.. ومن هنا فأن «الرؤية منعدمة» والمشهد «ضبابي»!!.
٭٭٭
قبل أربعة أعوام، سبق لي ان دافعت عن «غرفة التجارة والصناعة»، وكان السبب في ذلك أنني لم أكن أريد ان يصدر للغرفة قانون خاص بها دون ان يكون لعناصرها وممثليها الحق في أبداء رأيهم وطرح تصوراتهم، كنت اعتبر مثل هذا الاجراء مجافياً للمنطق والصواب.. كما انني أعرف كثيراً عن ان للغرفة مواقف جادة في الدفاع عن مجلس الأمة، والانتصار للديموقراطية البرلمانية، ومن هنا كتبت منتصرة لها في معركة القانون، أما اليوم فان ما يحدث من «أقطاب التجارة» في الكويت مختلف تماماً عن دور الغرفة في الماضي!!.
٭٭٭
ووقوفنا في مواجهة التجار اليوم ليس وقوفاً أمام فئة التجار بالمفهوم الذي يعرفه الناس عنهم، ولكنه وقوف ضد تجار السياسة الذين أمتهنوا «السياسة» من أجل زيادة أرصدتهم المالية واستحواذهم على ممتلكات ومقدرات الدولة!!.
أننا ونحن نشهد الثورات تجتاح العالم على مثل هذا الفساد نستذكر هنا ان هذا العالم الديموقراطي اليوم لديه قوانين صارمة تمنع «المصالح المتضاربة»!.
ومن هنا.. فإن غياب مثل هذا القانون وغياب هذا المبدأ في الكويت يقودنا الى كارثة.. والحقيقة انه من غير المقبول اليوم يكون رئيس الوزراء أو رئيس مجلس الأمة من رجال الأعمال.. هذا يقود الى «تضارب مصالح» لا مراء فيه.. ولا يمكن تبريره، وان كان هناك من يؤيد وهناك من يعارض والمؤيدون لفكرة الجمع بين المنصبين يدعون ان رجل الأعمال قادر على الفصل ما بين مصالح شركاته ومصالح الدولة والمواطنين.. وهذا الكلام «مأخوذ خيره».. على الأقل في تجاربنا الواقعية التي شهدناها في دولنا العربية.. فما يحدث في واقع الأمر، هو ان رجل الأعمال حينما يتولى موقعاً فانه يوظفه توظيفاً كاملاً لخدمة مصالحه الخاصة، ويستغله في الحصول على التسهيلات التي يحصل عليها من الدولة، لزيادة ملياراته التي يكدسها في البنوك الخارجية!!.
٭٭٭
يحدث هذا في ظل تأكد رجل الأعمال هذا من غياب الرقابة والمحاسبة.. من غياب القوانين الرادعة.. التي تحاسبه وتتعقب ثرواته.. والأسوأ من هذا غياب المعارضة الشريفة التي تستطيع ان تفضح هؤلاء اللصوص والمستغلين!.
يحضرني هنا تقرير أذكر ان صحيفة الشرق الأوسط اللندنية الصادرة في 2013/8/21 نشرته تحت عنوان: (مرزوق الغانم: تاجر يمسك «مطرقة السياسة»).. علقت فيه الصحيفة على جملته التي تقول: «لا تخف من التاجر الشريف الذي يدخل المجلس، بل أخشى ممن يدخل المجلس لكي يصبح تاجراً، وهؤلاء كثر».. ولكن الأسئلة التي تطرح نفسها بقوة هنا هي: لماذا يدفع التاجر كل هذه الملايين للوصول الى البرلمان؟ هل الهدف هو خدمة الكويت والكويتيين؟! ولماذا تزداد ثروات البعض على مدى فترة انتخابه ووجوده في المجالس النيابية؟ هل هذا من باب الصدفة، وهل تتيح هذه المناصب السياسية «كوتا» لأصحابها.. من توزيعات مناصب الدولة.. فتكون لهم نسبة في تعيين الوكلاء والكلاء المساعدين والمدراء العموم من بين الأصدقاء والخلان.. وهل هذا له دخل في ازدياد الثروات لهذا المتنفذ الغني؟!.
٭٭٭
أسئلة كثيرة مطروحة تستحق التأمل والتفكير نمتلك يقيناً اجابات كثيرة عليها، سأخصص لها عدداً من مقالاتي القادمة لنعرف كيف اننا اليوم في ظل تراجع الحريات وسيطرة رجال المال والأعمال على دور النشر والاعلام واختفاء المعارضة الشريفة التي تحاسب، وعدم تطبيق قوانين الفساد، ووجود المسؤولين التجار على سدة المسؤولية السياسية، كيف ان الكويت اليوم تباع قطعة قطعة وبالقانون.. وللحديث أكيد بقية!!.
٭٭٭
مبروك للكويت ولصندوقها..
أبارك للكويت انتخاب المستشار نواف المهمل، أحد الخبراء القانونيين بالصندوق الكويتي رئيساً للمنظمة الدولية للقانون.
ونعتبر هذا الاختيار تشريفاً وتكريماً كبيراً لدولة الكويت قبل ان يكون لصاحبه المهندس «نواف»، الذي لا شك انه يستحق وجوده في هذا المنصب الرفيع، على رأس منظمة دولية مرموقة، تأسست في عام 1983، وتضم 27 دولة ومقرها روما، وتلعب دوراً بارزاً في تقديم العون القانوني للدول النامية.
.. والعبرة لمن يتعظ!!.