مركز إتجاهات للدراسات يحلل خطاب سمو الأمير في العشر الأواخر

أجرى مركز “اتجاهات” للدراسات والبحوث الذي يرأسه خالد المضاحكة تحليل خطاب سمو أمير البلاد صباح الأحمد الصباح حفظه الله بمناسبة العشر الأواخر من رمضان، وفقا لأسلوب تحليل المحتوى content analysis، ، في إطار المنهج الوصفي التحليلي، حيث تم التحليل الكمي والكيفي لفقرات الخطاب البالغ عددها 18 فقرة، بحيث تعكس كل فقرة فكرة سواء كانت مستقلة أو تابعة، بإجمالي 808 كلمة، وهو ما يهدف بدرجة أساسية إلى التعرف على القضايا الداخلية والقيم السياسية والاهتمامات الخارجية لسمو الأمير خلال المرحلة الراهنة.

القضايا والقيم

ركز الخطاب على فئتين أساسيتين: فئة الموضوع، ويقصد بها القضية التي تعبر عنها المفردة، سواء كانت كلمة أو عبارة أو جملة. إن فئة القضايا كما هو واضح من أسمها تعني القضية الملموسة، مثل تعزيز الوحدة الوطنية وتطوير المسئولية المجتمعية في بناء الوطن ودور الممارسات السياسية الخاطئة في إعاقة التنمية وإرساء دولة المؤسسات والدستور وترسيخ احترام القانون وتدعيم ركائز الأمن والاستقرار في البلاد والاستثمار التعليمي في البشر والترحم على أرواح بناة الوطن وضرورة الاهتمام بقضايا العالم الإسلامي (الشهداء والضحايا المسلمين المشاركين في فعاليات الثورة السورية واستهداف مسلمي بورما من جانب المتطرفين البوذيين). أما الفئة الأخرى فهي فئة القيم، وتضم هذه الفئة المعاني المجردة سواء كانت مرغوبة مثل البناء والوفاء والإخلاص والاستثمار والوحدة والعطاء والعون والإغاثة أو قيم غير مرغوبة (مرفوضة) مثل بث الفتنة أو العبث بالوحدة أو تمزيق النسيج الاجتماعي.

الممارسات الإيمانية

تطرق خطاب سمو الأمير حفظه الله سواء في بدايته أو نهايته إلى التهنئة لكل أفراد الشعب الكويتي بمناسبة العشر الأواخر من رمضان، وأشار إلى الممارسات الإيمانية التي تحدث خلال الشهر الفضيل من صوم وصلاة ودعاة، حيث تتزايد الطاعات وتتضاعف الحسنات، فضلا عن سمو النفوس من الأحقاد والضغائن، والحرص على صلة الرحم مهما بلغت درجات القرابة بعدا.

الوحدة الوطنية

استحوذ الهم الوطني على الاهتمام الأبرز لسمو الأمير في خطابه، بنسبة 16.6% من إجمالي محاور الخطاب، على نحو ما تعبر عنه الكلمات التالية مثل “بناء وطننا” و”الوطن” و”الوفاء للوطن” و”تنمية الوطن” و”الوطن أمانة في أعناقنا” و”تعزيز الروح الوطنية” و”يتقوا الله في وطنهم” و”أمن الوطن وسلامته أمر هو فوق كل اعتبار” و”بناة الوطن” و”خدماتهما للوطن” و”وحدتنا الوطنية”. فالأمير يعتبر الوحدة الوطنية هي أحد المحددات الرئيسية الحاكمة لتطور الدولة وتماسك المجتمع. ومن هنا يدعو في خطابه إلى “تعزيز الائتلاف والترابط” و”توحيد الكلمة” و”توثيق عرى المحبة والتواد” و”نبذ الفتن والفرقة والاختلاف بين أبناء المجتمع” و”حماية الوطن العزيز والحفاظ عليه” و”التكاتف والتلاحم والوقوف في وجه كل من يحاول إثارة النعراث وتهديد الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي للوطن”.

ويهدف سموه من كل تلك العبارات الوفاق الوطني والحفاظ على اللحمة الاجتماعية لمواطنيها. فقد يحتدم الخلاف السياسي بين أبناء الكويت وتختلف التوجهات حول القضايا التي تهم المجتمع ولكن المهم دائما أن يكون الخلاف، مهما اتسعت هوته وزادت حدته، وافقا على أرضية وطنية، وقائما على ثوابت لا ينبغي التفريط فيها أو التنازل عنها، ويتم احتواء التيارات المتعددة تحت مظلة المصلحة العليا للوطن.

لذا، فإن هناك توصية برزت في خطاب سمو الأمير، وهي ليست وليدة اليوم، بل يطرحها منذ سنوات وتتعلق بإجهاض كل محاولات النيل من التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية، وتعزيز درجة الاندماج بين فئات الوطن وطوائفه، بحيث يشعر الجميع بأن هناك مرصدا وطنيا يحمي سياج المجتمع ويتصدى للحملات المشبوهة ضده وبمنع اثر العدوى الطائفية أو المذهبية أو القبلية من الوصول إليه.

الرؤية الإعلامية

سلط سمو الأمير في خطابه الضوء على دور المسئولية الإعلامية في الحفاظ على اللحمة المجتمعية، حيث أشار قائلا “إذا كانت حرية الكلمة والرأي من جميع منابعها التقليدية والحديثة مكفولة فإن ذلك لا يعني استخدامها بشكل سيئ يبث الفتنة ويمس ثوابت وحدتنا الوطنية ويمزق نسيجها الصلب الذي بناه الأباء والأجداد”. كما دعا سموه في الخطاب وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية “الحفاظ على وحدة الصف وتعزيز الروح الوطنية ومراعاة مصلحة الكويت العليا لدى تناولها القضايا المحلية والإقليمية والدولية ويتقوا الله في وطنهم”.

المسئولية المجتمعية

وفقا لرؤية سمو الأمير، فإن الأوطان تبنى على السواعد المجتمعية، بدون فوارق تمييزية بين حكومة ومعارضة، أسرة حاكمة ومجتمعات محكومة، أفراد ومؤسسات، وهو ما يتحقق عبر التمسك بروح الامل واستعادة التفاؤل واستنهاض الهمم والعزم على دفع مسيرة التنمية والعمل الدؤوب. وقد عبر سموه عن تقاطع المسئوليات في خطابه بالقول “صنع مستقبل وطننا والحفاظ عليه مسئوليتنا جميعا”. إن هذا التصور يوضح معنى بليغ برز في بعض مفردات الخطاب الأميري، في مناسبات مختلفة، وهو “الشراكة في البناء”، حيث يدعو مختلف فئات المجتمع وخاصة الشرائح الشبابية على تحمل المسئولية في بنائه وتطويره، فمسئولية البناء هي مسئولية جماعية بالأساس وليست مهمة فردية، كما أن التعاون المستهدف من عملية بناء وتطوير الوطن، يستلزم إعلاء مصلحة الوطن العليا لتكون فوق المصلحة الخاصة الدنيا.

التأثيرات الإعاقية

كما سلط الخطاب في أحد فقرات خطابه الضوء حول أثر السلوكيات السياسية السلبية التي مارسها البعض، في علاقة السلطة التشريعية بالسلطة التنفيذية، مما أدى إلى عدم الاستقرار المؤسسي الذي قاد بدوره إلى التراجع الاقتصادي والتخبط الاستثماري والتأثر السلبي التنموي، على نحو ما عبر عنه قائلا “إن هذه الممارسات أعاقت تنفيذ الإصلاح والتطوير المنشود وشتت الجهود وصرفت الأنظار عن التركيز في توجيه الطاقات لبناء الوطن وتنميته مما أدى إلى قلق وإحباط المواطنين”.

المركزية القانونية

أشار سمو الامير في خطابه إلى أهمية إرساء دولة الدستور والمؤسسات باعتبارهما مؤشرين اساسيين على الحالة الديمقراطية في البلاد. أضف إلى ذلك أن أهمية احترام القانون وتطبيقه على الجميع بلا استثناء، واستقلال القضاء هو الضمان الوحيد لتأكيد دولة القانون وهو ما دعاه إلى القول “لن نمكن لكائن من كان بالمساس او العبث في وحدتنا الوطنية أو نسيجنا الاجتماعي وعلى الجميع احترام القوانين التي أرتضيناها لأنفسنا وشرعناها لحفظ الحقوق وبيان الواجبات”.

 

الاستثمارات التعليمية

برز الاهتمام بالعنصر البشرى، في خطاب سمو الامير حيث يرى أن الاستثمار الحقيقي ليس في الاقتصاد وإنما في البشر من خلال التعليم. وهنا يقصد سموه أن تطوير برامج التعليم يجب أن يأخذ مفهومه نحو العلوم الجديدة وأساليب التدريس الصحيحة ومناهج البحث الحديثة، لأن التعليم هو البوابة الاساسية للنهضة. وقد عبر سموه عن هذا المعنى في الخطاب قائلا “أبناؤنا هم أغلى ما نملك من ثروة وافضل استثمار وعلينا تنمية قدراتهم ومهاراتهم وثقل مواهبهم وتحفيزهم على المزيد من العطاء والمشاركة في تنمية الوطن فهم صناع المستقبل وأساس أي تنمية”. وأضاف “علينا تقويم مؤسساتنا التعليمية بتطوير نظامنا التعليمي ليتماشى مع متطلبات هذا العصر، وأملنا كبير في أن تتحول الطاقات البشرية التي يزخر بها مجتمعنا إلى طاقات ذات إنجاز حضاري تستفيد من مناهل العلم والتحصيل العلمي لبناء عقول قادرة على العطاء والإبداع”.

وهنا، فإن الكويت بحاجة ماسة لاكتشاف الأجيال الجديدة التي تتمتع بالمواهب المتميزة والقدرات الفذة والعقليات النابغة والإمكانيات النادرة، والتي تتمثل في عدة مستويات، وبمسئوليات مختلفة. فهي مسئولية فردية لكل وطني قادر على الإسهام بأي مقدار في اكتشاف براعم المستقبل. وهي مسئولية جماعية للمؤسسات والهيئات المعنية بالفكر والعلم والمعرفة. وهي مسئولية حكم بالنسبة للحكومات المتعاقبة التي تؤثر قراراتها وتوجهاتها على وضع الأجيال الجديدة. وهي مسئولية بالنسبة لأهل المعارضة المفترض أن يكونوا بحكم مهمتهم الأصلية معنيين بطرح البدائل وتقديم التصورات لعالم الغد لا مجرد التعليق على ما يحدث في عالم اليوم.

المكانة الجيلية

برز في نهاية الخطاب ترحم سمو الأمير على ارواح بناة الوطن وهما الراحل الكبير الشيخ جابر الأحمد الصباح والراحل الشيخ سعد العبد الله الصباح. فوفقاً لرؤية سموه، تعد فكرة التجنيد على حب الوطن، هي الشغل الشاغل خلال الفترة المقبلة. وتجسيد مكانة القادة المؤسسين والمحوريين لدى الأجيال الجديدة، التي لم تشهد ميلاد الكويت، منذ ما يقرب من خمسة عقود.

 

التوجهات الإغاثية

تمثل “الدائرة الإسلامية” واحدة من ابرز التحرك السياسي الكويتي الخارجي منذ تبوأ سموه منصب وزير الخارجية لعقود طويلة مرورا بتوليه رئاسة الحكومة لسنوات وصولا إلى شغله موقع مسند الإمارة. وفي هذا السياق، إن المتأمل في السياسة الخارجية الكويتية وعلاقاتها البينية مع دول العالم سوف يكتشف أن هناك توجها واضحا في إغاثة الشعوب المنكوبة وتنمية الدول الصديقة وإبراز دعم الكويت لقضايا العالم الإسلامي العادلة. وقد تضمن الخطاب إشارات لما يمر به الشعب السوري من محنة وما يعانيه من صعاب، مما يتطلب العون والمساعدة، وهو ما فعلته الكويت. فضلا عن الإشارة لما يتعرض له المسلمون في إقليم آراكان في بورما من عمليات تطهير عرقي غير إنسانية على يد المتطرفين البوذيين، الأمر الذي يتطلب الوقوف بجانبهم.

خلاصة القول إن خطاب سمو الأمير بمناسبة العشر الاواخر من رمضان هو طلقة فكرية للتمهيد لأرضية مشتركة للبحث في موضوعات، داخلية وخارجية، إقليمية ودولية، ولكن يجمعها رابط أساسي وقاسم مشترك، هو أنها تصب في خانة المستقبل الذي نتطلع إليه، والمجتمع الذي نريده، والغد الذي نترقبه للأجيال التي تطلب الحياة المستقرة والأمن الدائم، في ظل مناخ إقليمي مضطرب، ويأتي ذلك في إطار رؤية عصرية لبناء كويت الدولة.

 

جدول يوضح الأفكار الرئيسية التي تضمنها

خطاب سمو الأمير بمناسبة العشر الأواخر من رمضان

الموضوع

تهنئة الشعب الكويتي بالعشر الأواخر من رمضان

تقوية ركائز الوحدة الوطنية في الكويت

دور المؤسسات الإعلامية في تعزيز الوحدة المجتمعية

تقاسم المسئوليات الاجتماعية في بناء الأوطان

أثر الممارسات السياسية السلبية في تأخر التنمية

تأثيرات التعليم في الاستثمار البشري

إرساء دولة الدستور والمؤسسات

ترسيخ احترام القانون في المجتمع الكويتي

تعزيز دعائم أمن واستقرار الوطن

إغاثة الشعب السوري في محنته

مواجهة اضطهاد الإقلية المسلمة في بورما

الترحم على أرواح بناة الوطن

المجموع