مرسي قطع «شهر العسل» المفترض مع «حماس»

مصر طلبت من هنية مصالحة عباس شرطاً لتحسن العلاقات

مرسي قطع «شهر العسل» المفترض مع «حماس»

مصر تولي اهتماماً بالمصالح الوطنية أكبر من العلاقات الإسلامية.
مصر تولي اهتماماً بالمصالح الوطنية أكبر من العلاقات الإسلامية.

يعتقد الكثير من وسائل الإعلام أن الرئيس المصري، محمد مرسي، فشل حتى الآن في احتضان «إخوانه المسلمين» في غزة، ولكن ما أسباب هذا الفشل الذي لازم العلاقة بين الطرفين على الرغم من صلة القرابة السياسية بينهما؟

على حائط المجلس التشريعي في قطاع غزة ترتفع صورة كبيرة للزعيمين الإسلاميين، مرسي، ورئيس الحكومة الفلسطينية المقالة، إسماعيل هنية، حيث تسيطر حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي ينتمي إليها على القطاع، وفي الصورة يرفع الرجلان يديهما معاً، يستشرفان فجراً إقليمياً جديداً على خلفية أهرامات القاهرة. وتبدو الرسالة التي تعكسها تلك الصورة واضحة للغاية، وهي أن مصر الجديدة، تحت حكم «الإخوان المسلمين»، تعترف بـ«حماس»، التي هي في الأصل فرع من حركة الإخوان، حليفاً جديداً يمثل السلطة الشرعية في فلسطين.

إلا أن الابتسامات التي كانت تشرق من وجه «حماس» بعد انتخاب مرسي رئيساً لمصر في يونيو الماضي، تحولت الى نوع من «التكشيرة» منذ آخر زيارة لهنية للعاصمة المصرية، حيث لم يلتئم أبداً اجتماع كان متوقعاً أن يجمعه مع الرئيس المصري. وعاد وفد «حماس» المكون من 20 عضواً بخفي حنين بعد أن كان يأمل في الاتفاق على خطط لربط غزة بشبكة الكهرباء المصرية، وتسريع نقل الوقود الذي تبرعت به قطر، وإقامة منطقة للتجارة الحرة على الحدود المشتركة بينهما. ويرد احد اعضاء وفد هنية عن ذلك بكآبة قائلاً «يقولون انهم عاكفون على دراسة الملفات».

وبدلاً من ذلك فقد بدا الأمر كأن النظام المصري القديم لايزال قائماً، فقد طلب رئيس الوزراء المصري، هشام قنديل، من هنية التصالح مع منافسه الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الذي يهيمن على السلطة الفلسطينية من رام الله بالضفة الغربية، إذا كان يريد أن تتحسن علاقات القطاع مع مصر. وأشار المسؤولون المصريون أيضاً إلى أن آفاق توثيق العلاقات والتقارب بين مصر وهنية تعكرت بسبب فشل «حماس» في كبح جماح المتشددين السلفيين الذين يقاتلون القوات المصرية في سيناء والذين ينطلق بعضهم من قطاع غزة.

ويعكس ذلك أن السلطات المصرية الجديدة تولي اهتماماً بالمصالح الوطنية أكبر من العلاقات الإسلامية، على حد تعبير مسؤول إسرائيلي. ووصف أحد رجال هنية الغاضبين مرسي بأنه «مبارك بلحية» في إشارة الى الرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك، الذي درج على التعاون مع إسرائيل للجم «حماس» و«الإخوان المسلمين» المصريين. بعض «الإخوان المسلمين» في مصر لم ترق لهم معاملة مرسي الباردة لـ«حماس».

وبدأت غزة تشعر بالفعل بتأثير ذلك فيها، فمنذ توليه الحكم في مصر، فعل مرسي أكثر مما فعله مبارك في الحد من تدفق البضائع (بما في ذلك الأسلحة) الى قطاع غزة من خلال الأنفاق التي تربط غزة وسيناء المصرية، التي استطاعت أن تزود القطاع بما يحتاج إليه من مستلزمات خلال الحصار الذي فرضته، ولاتزال تفرضه، إسرائيل على القطاع، بعد أن سيطرت عليه حركة «حماس» عام .2007

ومنذ أن قتل المتطرفون الإسلاميون 16 جندياً مصرياً على الحدود مع غزة في الخامس من أغسطس الماضي أكدت السلطات المصرية أنها أغلقت عشرات من هذه الأنفاق، وأصبح مهربو البضائع عبر سيناء أكثر حذراً خلال نقلهم الأعداد الهائلة من البضائع تحت الأرض، ولو لم تكن اسرائيل قد سمحت بإدخال بضائع أكثر لقطاع غزة منذ انتخاب مرسي، فإن سكان غزة كانوا سيشعرون بوطأة النقص المريع في الإمدادات الغذائية والمستلزمات الأخرى. وعلى الرغم من ذلك ارتفعت أسعار المواد الغذائية بحدة، ويستغرق الأمر ساعات من الانتظار للحصول على الوقود. أيضاً لو لم تكن سيناء، التي أصبحت مرتعاً خصباً للمتطرفين وينعدم فيها القانون، أقل تقلباً مما هي عليه الحال الآن، فربما كان مرسي أكثر وداً لـ«حماس». وهو قد حاول تقديم غصن الزيتون إلى السلفيين لكنهم ردوا بقتل زعماء القبائل الداعين الى المصالحة، وبشن هجمات على الحاميات المصرية في شمال سيناء. كما انهم هاجموا أيضا قاعدة قوات حفظ السلام البالغ عددها 2300 جندي، التي تقودها الولايات المتحدة في سيناء «ورفع علم حركة الجهاد الأسود على أرض القاعدة»، وهاجموا إسرائيل، ما أسفر عن مقتل جندي إسرائيلي في 24 سبتمبر الجاري. مثل هذه الجرأة شجعت الشباب ـ كما يقول شيوخ البدو في سيناء ـ على الانضمام إلى صفوف الجماعات السلفية، ولهذا السبب لجأ مرسي مرة أخرى إلى القوة لردعهم. وفي24 سبتمبر ايضا حكمت محكمة مصرية بالإعدام حتى الموت على 14 من السلفيين لهجومهم العام الماضي على مركز للشرطة في شمال سيناء أدى إلى مقتل العديد من رجال الشرطة.

وتجاهد «حماس» للسيطرة على الجماعات السلفية من جانب حدودها، حيث ألقت القبض واستجوبت العشرات منهم، وفرقت تجمعات سلفية كانت تنوي القيام بتظاهرات ايام الجُمع، الا ان الحركة تخشى من أن تؤدي مثل هذه الحملات ضد السلفيين الى اثارة عدم الرضا في صفوف الحركة نفسها، فالكثير من السلفيين يرتبطون بعلاقات مصاهرة مع كبار مسؤولي «حماس». ودين رجلان أخيراً في وزارة الداخلية في غزة بالتواطؤ في خطف أحد عمال الإغاثة الإيطاليين وشنقه العام الماضي.