لقاء رئيس مجلس الامة الأسبق جاسم الخرافي مع مجلة " الرجل "

يكفي ان يكون اسمك جاسم محمد عبدالمحسن الخرافـي لتكون في الصدارة، لكن رئيس مجلس الأمة السابق تجاوز طموحه صدارة الأسماء الى صدارة المسمّيات، فمنذ تخرجه في كلية مانشستر البريطانية والانتخابات تستهويه أكثر من التعيينات، خاضها في انتخابات قوائم طلابية، فتصدرها، ثم قاد حملة والده الانتخابية، فمارس اللعبة التي استهوته وتمرس فيها، وانتقل بعدها من صفوف المتفرجين الى صفوف اللاعبين، فكان لاعباً اساسياً، وصل إلى عضوية مجلس الأمة في أعوام 1975، 1981، 1985، ثم عُيّن وزيراً للمالية والاقتصاد في 3 مارس 1985 واستمرّ في منصبه إلى 12 يونيو 1990، وعندما عاد الى صفوف النواب في عام 1996 قاده طموحه هذه المرة الى منصة الرئاسة، فخاض المنافسة أمام البرلماني المخضرم أحمد عبد العزيز السعدون، فلم يحالفه الحظ في المرة الأولى، وفي عام 1999، تقدم على منافسه الشرس، ثم تراجع السعدون صاحب الباع الطويل في السياسة في عام 2003، ليصل الخرافي بالتزكية، وفي عام 2006 عادت المنافسة بينهما مجدداً ليتقدم الخرافي، أما في عام 2008 فخاض المنافسة مع منافس جديد هذه المرة هو عبدالله يوسف الرومي، وكانت النتيجة محسومة لمصلحة الخرافي الذي عاد رئيساً بالتزكية فـي عام 2009، فـي آخر مجلس أمة يودع فيه العمل البرلماني، وهو في أوج مجده.
كبير هو جاسم الخرافـي، كبير في اطلالته ، وكبير فـي رحيله.
بعيد عن الأضواء هو حالياً، حيث لا مطرقة ولا نقاط نظام ولا نواب مشاكسون، يقول الرئيس لأحدهم “استرح”، الرئيس هو الذي يستريح الآن.
نجل مؤسس امبراطورية خرافية للمال والأعمال أسّس مدرسة جديدة للسياسة والبرلمان في الكويت، هي مدرسة دبلوماسية الديمقراطية، فحين يهوي بمطرقته على منصّة الرئاسة تتحول قاعة عبدالله السالم الى برد وسلام، من خلال صبّ مياه التفاؤل على لهيب الاحتقان، سلاحه ابتسامة لم يتخلّ عنها في أحلك الظروف، فلسفته التفاؤل الذي يرى فيه سلاحاً للتعامل مع الأزمات التي خرج منها، لأنه يؤمن ايماناً مطلقاً ان لكل عقدة حلاً، وان الازمة مهما اشتدت وضاقت حلقاتها، فمصيرها الانفراج، وكلما رأى الاحتقان في عيون من حوله، استعان بسعة افقه، وكلما ساد التوتر ما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، هبّ إلى نزع فتيل الأزمات، ورأب الصدع بثوب الاحتواء والحكمة، فالخرافي يحتوي غالبية التيارات والكتل البرلمانية لا يفرّق ما بين تيار وآخر، وانما يتعامل مع الجميع وفق منظور الحكمة، ونداء الضمير، مرتدياً ثوب الوحدة الوطنية، وعباءة التآلف الاجتماعي .

الكويت : ريـم الميــع
بدأنا حوارنا مع جاسم الخرافي، قبل نحو 48 ساعة من سفره في اجازته البريطانية المعتادة، ولم تحل انشغالاته دون استقبالنا، لكن الوقت حال دون استكمال حوارنا المزدحم بالأسئلة الكثيرة، كازدحام الأحداث على الساحة السياسية في الكويت، وفور عودته واصلنا الحوار بأسئلة أكثر وأكثر، فالحديث مع بوعبد المحسن لايحدّ منه إلا مطرقة الوقت الذي كان كريماً به ككرم ابتسامته.
يقول الخرافي:
ولدت في عام 1940 أي في فترة التحولات الاقتصادية والسياسية الكبرى في الكويت والوطن العربي، كيف انعكس على تكوين شخصيتك المدّ القومي والناصري، و ترجم لاحقاً الى الواقعية العملية التي اتسمت بها شخصيتك؟
اعتقد أنني انتمي لجيل محظوظ عاش مرحلتي ما قبل النفط وبعده، وعاصرت التحولات السياسية الكبرى في الكويت وعالمنا العربي، فتفح وجداني على التجربة الناصرية والمدّ القومي ونشأت في مناخ سياسي ينضح بالانتماء القومي العربي وهو ما نفتقده الآن.
بالطبع تأثرت شخصيتي بالمرحلتين وبالأجواء السياسية المحيطة، فقد تعلمت من فترة ما قبل النفط كيفية الحفاظ على النعمة، وعلمتني فترة ما بعد النفط كيف نحمد الله على عظيم نعمائه وعظيم عطائه، أما الحقبة الناصرية والمدّ القومي بما لها وما عليها، فقد زرعت في نفوسنا الانتماء القومي والتعرف الشديد إلى الوحدة العربية.
كيف بدأ وعيك السياسي؟ وكيف اتجهت من خلاله للعمل السياسي؟
من الطبيعي أن تكون البداية في العمل النقابي الطلابي، فهو مصدر الخبرات الأولية للتعاطي مع السياسة والشأن العام، وكان ذلك خلال فترة دراستي في مانشستر، وكنت أُشارك في الانتخابات الطلابية والأنشطة السياسية التي تُعقد في إطارها. ثم أشرفت على حملة والدي في انتخابات مجلس الأمة عام 1971 وكانت تلك خطوة مهمة في فهمي وممارستي للعمل السياسي، وقد تعلّمت من والدي الكثير من الأمور المهمة، وعلى رأسها أن الاختلاف في الرأي والمنافسة يجب أن يبقى في حدوده الضيقة، ولا يؤثر في العلاقات الاجتماعية والإنسانية، بعد ذلك وكما تعرف خُضت الانتخابات عام 1975، وحالفني النجاح بتوفيق من الله، وفي الانتخابات التي خُضتها لاحقاً.
قبل أن تخوض انتخابات 75، ماذا كنت تعمل؟ وما شكل حملتك الإعلامية؟ وكيف سارت المنافسة بينك وبين المرشحين ؟
قبل انتخابات 75 كنت ومنذ عودتي من الدراسة أعمل في القطاع الخاص، وكانت الحملات الانتخابية الإعلامية في فترة السبعينات بسيطة، فالإعلام لم يكن يلعب دوراً كبيراً في ذلك الوقت في الدعاية الانتخابية، وكانت الدوائر صغيرة وكنا نحن المرشحين، نعتمد على التواصل المباشر مع الناخبين واللقاءات في المقرات الانتخابية والدواوين. والحقيقة كانت المنافسة في البداية لا تخلو من الصعوبات، إلا أنني بفضل الله والحرص على استقلاليتي تمكنت من الحصول على ثقة الناخبين .
لماذا اخترت السياسة واختار شقيقك المرحوم ناصر الاقتصاد؟
لا أستطيع أن أقول إنني اخترت السياسة ولا إن شقيقي المغفور له بإذن الله ناصر اختار الاقتصاد، فلم أكن بعيداً عن الاقتصاد، ولم يكن هو بعيداً عن السياسة، فقد كنا نعمل أنا والمرحوم أخي ناصر وأخي فوزي لدى والدنا رحمه الله في العمل الحُرّ. والمسألة برمتها لا تعدو كونها توزيعاً للعمل بيننا، انتهى بي إلى العمل العام وخدمة وطني وأبناء ديرتي، ووضع شقيقي في موقع آخر يخدم فيه بلده ايضاً، ولكن في الشق الاقتصادي والتنموي.
كيف رأيت البرلمان عند دخوله للمرة الأولى؟
لا أخفي عليك عند دخولي للبرلمان عضواً في المرة الأولى، شعرت بهيبة هذه المؤسسة، واستشعرت أهميتها الكبيرة في حياتنا باعتبارها مكوناً أساسياً في مسيرتنا الديمقراطية، وكنت على قناعة دائماً بأن الديمقراطية هي خيار الكويتيين منذ نشأة الكويت، وعلى مجلس الأمة وسائر السلطات أن يؤدوا مهامهم بما يؤكد سلامة هذا الخيار وصدقيته.
من أهم الشخصيات التي تأثرت بها على الصعيد السياسي؟
تأثرت بشخصيات ورموز وطنية كبيرة، وقامات كويتية عالية كل على حسب موقعه، أذكر منهم والدي رحمه الله الذي تعلمت منه الكثير وسموّ الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الذي تأثرت به من الناحية الاقتصادية، حيث أنشأ الكثير من المؤسّسات والهيئات الاقتصادية الكبرى وسموّ الراحل الشيخ سعد العبدالله الذي تميّز بحنكته في إدارة الشؤون السياسية، وسموّ الأمير الحالي الشيخ صباح الأحمد، أطال الله في عمره، عميد الدبلوماسية العربية، والأخ محمد العدساني رئيس مجلس الأمة السابق، لحياده في إدارة المجلس، والزميل الراحل سامي المنيس بوصفه نموذجاً للبرلماني الجاد والملتزم والمنتج والمحب للكويت وأهلها.
لنتوقف عند شخصية والدك محمد عبد المحسن الخرافي، ما الأثر الذي خلفه؟
لقد كان والدي رحمه الله شخصية مميّزة، تعلمت من مدرسته الكثير الكثير، تعلمت منه الصبر، والبساطة ، والابتسامة، والصدق، والرغبة الدائمة للعطاء، والحرص على روح الأخوة، والهيبة والوقار، والتواضع، وحب الأسرة والحرص على تماسكها. وتعلمت منه رحمه الله الانتماء والتفاني في خدمة الوطن، فقد كان ركناً من أركان الاقتصاد الخاص، إلا أنه لم يتوان عن خدمة بلده في أي مجال.
ما دور والدتك؟ وماذا تحمل معك من ذكريات عنها؟ وما تأثير أسرتها الكريمة على حياتك، خصوصاً وأنا أرى صورة خالك معلقة على جدار مكتبك، جنباً الى جنب مع صورة المغفور له والدك ؟
فقدنا والدتنا رحمها الله ونحن صغار، ولكنني مازلت أحتفظ بصورتها في مخيّلتي رغم مرور السنوات، فهي أهم وأبرز عناصر تماسك الأسرة بحنانها وعطفها. وارتبطت والدتي رحمها الله بعلاقات مميّزة مع شقيقيها مرزوق ومصطفى بودي، وكان لدورها في العناية بهما والسهر عليهما أثر مهم في تعزيز علاقتنا بهما وبذريتهما من بعدهما.
ما دور حرمكم السيدة سبيكة الجاسر في حياتك السياسية ؟
أم عبد المحسن لها دور رئيس في كل نجاح حققته، وهي أم مقتدرة ومدرسة في إدارة الأسرة وتربية الأولاد، كما لعبت دور الداعم طوال مسيرتي السياسية، فضلاً عن دورها الكبير في الحياة الاجتماعية، خصوصاً بعد حصول المرأة على حق التصويت.
وبعيداً عن السياسة ألم يكن قرار الزواج المبكر نسبياً؟
فيما يتعلق بالزواج في سن مبكرة، أعتقد أنها القسمة والنصيب، وأحمد الله أنني حصلت على ما أريد، سيدة فاضلة وأم حنون.
ولماذا حصل الاحتفال خارج الكويت؟
لأننا تزوجنا في فصل الصيف، وجميع الأهل والأقارب والأصدقاء كانوا في لبنان في ذلك الوقت.
ما حصيلة هذا الزواج من الأبناء؟ وماذا حرصت عليه عند تربيتهم؟ ومن تجد فيه امتداداً سياسياً واقتصادياً لك؟
لديّ من الأبناء ستة وابنة واحدة، ربيتهم جميعاً على المبادئ والقيم والعادات والتقاليد التي تربيت عليها، وحرصت على أن أزرع في نفوسهم التواضع وحب الناس والتكاتف فيما بينهم، واحترام الجميع والعناية بوالدتهم. جميع أولادي يعملون بالعمل الحر، ولا أذكر أنني ميّزت يوما بينهم في المعاملة، واعتبرهم جميعا ذخراً وسنداً لي ولوالدتهم وأسرتهم ووطنهم.
لديك ابنة وحيدة، ما دورها في حياتك وما دورك في حياتها؟ وبماذا أوصيت زوجها؟
هي كونها وحيدة غالية كاسمها، ولها دور بارز ومميّز في حياتي، وحياة والدتها وإخوانها، ودوري في حياتها دور الوالد المُحبّ، وقد أوصيتها عند زواجها بزوجها خيراً، وأن تتذكر دائماً كل ما تربّت عليه من قيم ومبادئ، وأن تكون خير سفيرة لأسرتنا في بيت زوجها، كما أوصيت زوجها بأن يحافظ عليها ويصونها فقد وهبناه غالية العائلة.
مع ذلك، عرف عن جاسم الخرافي انه غير متحمس لقضايا المرأة، خصوصاً بعد تصويتك لمرسوم المرأة بعدم الموافقة في عام 1999، ما موقفك من قضايا المرأة عموماً؟
على العكس، أنا من المتحمّسين للمرأة من منطلق إيمان كامل بقدراتها وكفاءتها التي أثبتتها في كل مجال خاضته، وطوال حياتي السياسية كنت من أشدّ الداعمين للكثير من القوانين التي تعزز دورها، ولم أعترض على حقوق المرأة إلا فيما يخص حق الانتخاب، وهذا نابع من حرصي عليها، نظراً لطبيعة الانتخابات وأسلوبها اللذين يعتمدان في جزء كبير منهما على الأمور الشخصية. ولكن بعد إقرار حقوق المرأة السياسية وحصولها على حق الانتخاب كانت لديّ الجرأة لتصحيح موقفي، وذلك خلال الاحتفال بيوم المرأة العالمي الذي كان تحت رعايتي، لما رأيته من المرأة الكويتية من كفاءة ومقدرة في أول مجلس بعد حصولها على كامل حقوقها السياسية من ممارسة وتمثيل برلماني.
بعد باع طويل في العمل السياسي، ما الرسالة التي تودّ قولها للشباب العربي في ظل الأجواء السياسية الحالية؟
أقول للشباب العربي وللجميع إن الأوطان أمانة في أعناقنا جميعاً، ويجب تغليب مصالح الوطن العُليا، والترفع عن المصالح الشخصية الضيقة، وعدم الانفعال والاندفاع في متاهات الأفكار الإيديولوجية، والتفاهم والحوار بالأسلوب الديمقراطي الهادئ والتركيز على العمل الجاد، والالتزام بالدستور والقانون، واحترام الرأي الآخر، والإسراع في تنفيذ الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وأنصح الشباب بالمزيد من التحصيل العلمي واكتساب الخبرات.
تعدّ ظاهرة الديوانيات في الكويت برلمانات مصغرة، فكيف نصف ديوانية رئيس البرلمان ؟
الشعب الكويتي جُبل على حرية الرأي وحرية التعبير، منذ نشأة الكويت، وقبل أن تعرف المؤسسات السياسية بشكلها الحالي. والديوانية تتخطى كونها مجلساً اجتماعياً يعزز الروابط الاجتماعية ويُعزز وشائج اللحمة المجتمعية إلى منتدى ثقافي وسياسي يناقش قضايا البلد ومشكلاتها، فالديوانيات موروث ثقافي راسخ في التاريخ الكويتي، وأنا بطبعي أحرص دائماً على التواصل مع الناس، سواء باستقبالهم في ديواني أو بزيارة ديوانياتهم لأنها من أهم جسور التواصل.
ما أهم محطة في حياتك؟
عادة ما يستفيد الإنسان من كل مرحلة من مراحل عمره، ولذلك من الصعوبة أن أصف مرحلة بأنها الأهم، فقد استفدت من كل المراحل عن طريق تعزيز الإيجابيات وتلافي السلبيات، بداية من مرحلة الدراسة وبناء الشخصية الأكاديمية، ثم مرحلة العمل الحر والاستقلالية، ثم مرحلة تولي حقيبة وزارة المالية ومشكلة سوق المناخ واختيار آليات معالجتها، كما قلت فمراحل حياتي دروس وخبرات تراكمت عبر سنين، والأهم فيها من الناحية العملية حصولي على ثقة ابناء الشعب الكويتي طوال فترة ترشحي بانتخابات مجالس الامة منذ عام 1975، كما حصلت على ثقة زملائي أعضاء مجلس الأمة لرئاسة المجلس 5 مرات في مجالس 1999، 2003 ، 2006 ، 2008 ، 2009 ، منها مرتين بالتزكية.
من حيث الجوهر لم يختلف جاسم الخرافي في أي منصب ومكان، فهو حيادي لا ينحاز إلى طرف على حساب آخر، ويقف على مسافة واحدة من الجميع وأهم أهدافه هو تحقيق التنمية والاستقرار، ولم تتغيّر مبادئي يوماً ولكن تغيّر أسلوب العمل ومكانه حسب مقتضيات المكان.
وهل تفكر في العودة للعمل السياسي؟
لقد اتخذت قرار عدم خوض الانتخابات بعد تفكير عميق واقتناع ولا رجعة عنه، وذلك لإعطاء الفرصة للأجيال القادمة، ولكن ذلك لا يعني أن أبتعد عن العمل الوطني وسأبقى موجوداً أؤدي دوري، وأُؤكد لك أن العطاء مستمر من خلال التواصل مع الزملاء أعضاء مجلس الأمة أو الحكومة أو منظمات المجتمع المدني، وهذا القرار يعطي الفرصة للقيام بواجباتي تجاه أسرتي، وطبعاً لن أتأخر عن إبداء الرأي والمشورة عندما يتطلب الموقف ذلك، فأنا كما ذكرت لك موجود وأمارس دوري الوطني.
هل ترى نفسك فـي أحد أبنائك؟ وهل لديهم ميول سياسية؟
نعم أرى في أبنائي الكثير مما كنت أطمح إليه، وتتوافر لهم بحمد الله الإمكانات وظروف أفضل مما كان متاحاً في أيامنا، ومتفائل بأنهم سوف يحققون الكثير، وبعض أبنائي لهم ميول سياسية.
تركت العمل السياسي في قمة مجدك، ولا تفكر في العودة إليه، فهل أنت مع فكرة الاعتزال السياسي؟
المناصب لا تدوم لأحد والحكيم من لا يتمسك بالمنصب، وتركي للعمل السياسي لا يعني الاعتزال، وقد صرّحت في أكثر من موضع ومناسبة، بأنني سأكون في خدمة العمل الوطني وخدمة بلدي، فالكويت “تستاهل”، ولذلك فإنني لن أتوانى عن تقديم خلاصة خبرتي بالرأي والمشورة متى طلب مني ذلك.
في المقابل هل ستوكل الى أحد ابنائك بإكمال مسيرتك، مثلما أكملت مسيرة والدك، وهل يمكن تسمية ذلك توريثاً؟
أكملت مسيرة والدي بقرار شخصي وبناءً على رغبتي وبتشجيع صادق من أبناء بلدي، وليس بقرار من والدي، وعليه فلن أطلب من أبنائي ممارسة السياسة والقرار لهم ولإمكاناتهم، فالممارسة السياسية وتقلد المناصب القيادية لا تورّث، والقرار فيها شعبي في المقام الأول.
كيف هي حياتك بعد تجربة رئاسة مجلس الأمة؟ وما أبرز اهتماماتك الحالية؟
بعد تجربة رئاسة مجلس الأمة أشعر بالرضا والاطمئنان، حيث قمت بواجبي تجاه وطني، وأديت عملي بالأمانة والصدق، واهتماماتي الحالية برعاية الأحفاد والأبناء والأسرة، والقراءة، ومتابعة أحوال البلاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، والتواصل مع الأصدقاء، ولكنني في كل الأحوال موجود لخدمة وطني، وسأعمل دائماً كل ما في وسعي في سبيل مصلحته واستقراره، فأنا ابن هذا الوطن وسأظل مرتبطاً به ما حييت.
كيف تقضي وقتك بعيداً عن السياسة والتجارة؟
أنا أحب الزراعة والبحر فلهما مكانة في نفسي، وأقضي جزءاً مهماً من وقتي في الزراعة، لأنها تبعث على البهجة والأمل ، وكذلك البحر وصيد السمك، وإن كان ذلك قد قل نتيجة كبر السن، غير أني كذلك أتابع التطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الكويت وفي الخارج، لكني كنت حريصاً دائماً على الفصل بين السياسة والتجارة، لتجنب تضارب المصالح.
ما الذي اختلف فـي تفاصيل يومك، قبل رئاسة مجلس الأمة وأثناءها،وبعدها؟
قبل مرحلة مجلس الأمة كنت منخرطاً في العمل الحر وارتبطت قراراتي برؤيتي للمستقبل، وواصلت العمل العام في مرحلتي الوزارة والرئاسة اخدم بلدي بجد وإخلاص، وإن كان تولي الحقيبة الوزارية ربطني بالبيروقراطية الحكومية التي لم أكن معتاداً عليها. والآن بعد أن اعتزلت العمل السياسي عدت مرة أخرى إلى العمل الحر، أما فيما يتعلق بتفاصيل يومي، فيكون على حسب ارتباطاتي وانشغالاتي الخاصة، إلا أنني لديّ قدرة بفضل الله على الاستفادة من وقتي وتنظيمه بصورة مفيدة.
ما أكثر مرحلة استمتعت بها في حياتك؟
الحمد الله أشعر بالرضا، وبأنني قمت بواجبي تجاه الكويت في كل الاتجاهات، ولقد حققت معظم ما كنت أتمناه، وأشعر بالسعادة في عيون أسرتي وأبنائي وأصدقائي وهم كُثر، وأقضي أسعد أوقاتي مع أحفادي، وأرى في عيونهم الأمل والمستقبل المشرق للكويت إن شاء الله، وحب أهل الكويت نعمة أحمدُ الله عليها.
فرّق الموت بينك وبين شقيقك ناصر الخرافي على نحو مفاجئ، ثم فجعت بوفاة حفيدك، هل يمكن القول انها من أكثر اللحظات ألماً في حياتك؟
الأعمار بيد الله والموت سُنّة ربّ العالمين، ولفقدان العزيز ألم في النفس وحزن كبير، ولكننا في النهاية لا نملك للفقيد إلا الدعاء بالرحمة والمغفرة. ولكنني أرى أن فقدان العزيز مهما كانت مكانته لا تقارن بفقدان الوطن، ولذلك فإن أكثر مرحلة تألمت فيها كانت محنة الغزو العراقي الغاشم واحتلال الكويت، فالشعور بالغربة بعيداً عن الوطن، شعور لا يعرف مرارته إلا من جربه.
ما أبرز نقاط قوتك؟ ومن أين تستمدها؟
الاعتماد على الله، والثقة بالنفس ثم الاجتهاد، والموضوعية والبعد عن التحيّز، والتواصل مع الناس كما أنني بطبعي متفائل دائماً.
كوادر منفصلة :

قاعة عبدالله السالم في مكتب الخرافـي مدمّرة ومعمّرة:
فـي بشاعة الغزو وإصرار الكويتيين في مواجهته دروس وعبر.
في الطريق الى مكتب جاسم الخرافي لوحة مؤثرة تحوي لقطتين لقاعة عبدالله السالم بعد حريقها، اثناء الغزو، وبعد اصلاحها يقول الخرافي عنها انها “مؤثرة فعلاً، لأنها تكشف بشاعة الغزو، أما الصورة التي بعد الغزو، فتؤكد إصرار الكويتيين على بناء بلدهم واعتزازهم بشرعيتهم ونظامهم الديمقراطي، وهذه الصور يجب أن نستمد منها العبر والدروس ونحسب حساب ما يواجهنا دائماً من مخاطر وتحديات، ونحرص على وحدتنا الوطنية التي كانت سياجنا وحصننا خلال تلك المرحلة الصعبة التي عاشتها الكويت، فالغزو الصدّامي كان علامة سوداء في تاريخ العرب، وحدثاً إجرامياً هزّ الثقة العربية، كما أضعف العلاقات العربية العربية، وكان تحدّي إعادة الإعمار تحدياً كبيراً ومرحلة لا تقلّ صعوبة بعد الخراب والدمار الذي ألحقه الغزو بالكويت وشعبها، وقد واجه الكويتيون هذا التحدي بعزيمة ونجحوا في مواجهته بفضل من الله وعونه”.
جاسم الخرافي طيلة أزمة مسند الامارة:
كنت متفائلاً ان الكويت ستصل إلى برّ الأمان
سيذكر التاريخ لجاسم الخرافي انه رئيس مجلس الأمة الذي حكم الكويت في فترة انتقال الحكم من الأمير الوالد الى سمو الأمير، فكيف يوثق تلك المرحلة؟
أجاب: أنا لم أحكم الكويت خلال فترة ما اصطلح على تسميته بأزمة مسند الإمارة، ومن حكم الكويت خلال تلك الفترة مؤسساتها الدستورية وحكمة قادتها وأصحاب الرأي من أهل الكويت، وكنت فيها أمارس دوري ومسؤوليتي رئيساً لمجلس الأمة يتعيّن عليه أن يُؤدي مسؤوليته، وفقاً للشرعية الدستورية، وبما توافر لديّ من إمكانات ومشاورات للوصول إلى حلّ لتلك الأزمة. لقد تمسّكت بالدستور وبالإجراءات الدستورية وفي الإطار المؤسسي الديمقراطي وقُمت بواجبي، واضعاً نصب عينيّ رضى الله سبحانه وتعالى، ومصلحة الكويت، وراحة الضمير. لقد كانت مرحلة دقيقة دون شك، وكانت هناك صعوبات، ورغم تلك الصعوبات كنت مرتاح الضمير، وكنت متفائلاً بأن الكويت ستصل إلى برّ الأمان بحفظ الله ورعايته.
يوميات نائب فـي الأرياف:
يفضل جاسم الخرافي في اجازته البريطانية الابتعاد عن العاصمة والانكفاء على الريف الهادئ وتحديداً الى قرية وندلشام في مقاطعة ساري غربي لندن، ويقضي معظم وقته في حديقة منزله الريفي مع الأحفاد، في فترة ما بعد الظهر فبرنامجه مشاوير بالسيارة في قلب الريف الانجليزي، وجولات على القرى الصغيرة والمشاتل التي تنتشر بكثرة في المنطقة، حيث يختار بنفسه أدوات الزراعة والبذور، ليلاً ينكبّ على القراءة التي شغلته عنها السياسة.
نادراً ما يزور الخرافي العاصمة لندن لتلبية بعض الدعوات، لكنه يستقبل الكثير من اصدقائه الموجودين فيها في منزله الريفي.
سمو الأمير عاطفي إلى ابعد الحدود، ولديه أسلوب وقدرة على توصيل أفكاره بأقصر الطرق.
سألت جاسم الخرافي عن الصداقة الشخصية التي تربطه بسمو الأمير، وطلبت منه أن يصفه لنا بعيداً عن السياسة فأجاب: هي ليست صداقة شخصية، ولكنها محبة واعتزاز واحترام وتقدير لسموّه، فصاحب السموّ الأمير شخصية رأيت فيها التواضع الجمّ والجرأة البعيدة عن التهور، والتوظيف الأمثل للخبرة العريضة التي اكتسبها عبر 40 عاماً من العمل الدبلوماسي، وسمّوه عاطفي إلى ابعد الحدود، ولديه أسلوب وقدرة على توصيل أفكاره في أقصر الطرق. حاكم تواصل مع شعبه ولم يعش بمعزل عنه، فأحسّ بهم وأحسّوا به، وتعايش مع أفراحهم وأتراحهم، فالتفوا حوله.
اعترف بأنه يعترف بالحسد ويخشاه، لأنه “مذكور في القرآن”
لكن الفكرة لاتتملكني فـ … “لن يصيبنا إلا ماكتب الله لنا”
دار نقاش عن الحسد على هامش الحديث مع الخرافي، قلت له من الامور اللافتة استقبال احفادك لك في المطار، وثمة من كان يقول: الا يخشى جاسم الخرافي الحسد؟ خصوصا أن لك تصريح شهير مفاده اننا نقوم بتصدير الحسد!
فقال: نعم أعترف بالحسد وأخشاه، فهو مذكور في القرآن، ولكنني في الوقت ذاته لديّ إيمان قاطع أن ما أصابني ما كان ليخطئني، وما أخطأني ما كان ليصيبني، فأنا أؤمن بقضاء الله وقدره، والله خير الحافظين، ولذلك أعيش حياتي بصورة طبيعية ولا أجعل الفكرة تتملكني، فلن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.
سيارة مصفّحة وطائرة خاصة؟
عروض زائلة من عروض الدنيا

خلال ترؤس جاسم الخرافي لمجلس الامة كانت ثمة أمور لافتة: أولها اعادته للسيارة المخصصة له، ثانيها امتناعه عن السفر بالطائرة الخاصة أو استخدام قاعة كبار الزوار المخصصة له رئيساً لمجلس الامة، لماذا تعمد ذلك ؟
يقول الخرافي: على العكس لم اتعمّد ذلك وأتعامل على طبيعتي وسلوكياتي تتماشى وتتوافق مع قناعاتي، فهذه المزايا عرض زائل من عروض الدنيا لا تدوم، كما أن المناصب لا تدوم لأحد.

المصدر: مجلة الرجل