فشل خطة التحول الديمقراطي فـــي العراق

أبرز تجلياته تخبّط المالكي والتوتر مع الأكراد والعلاقة مع سورية

فشل خطة التحول الديمقراطي فـــي العراق

 

العراق انتفض على الصيغة السياسية الأميركية.
العراق انتفض على الصيغة السياسية الأميركية.

 

لاتزال الولايات المتحدة تحتفظ بسفارة ضخمة جداً في بغداد، وهي تعادل مدينة الفاتيكان، اضافة الى عدد من الدبلوماسيين يفوق الموجود في دول مثل اليابان، او المانيا او الهند. وهناك نحو ‬17 ألف شخص من المتعاقدين الامنيين الخاصين ومعظمهم قوات امنية مسلحة تقوم بحراسة الدبلوماسيين والمسؤولين الحكوميين الاميركيين الآخرين، ولا يمكن ان نلوم العراقيين اذا كانوا يرون بلدهم لايزال تحت السيطرة الاميركية.

والأمر الأكثر اثارة للقلق أن المشكلات التي نجمت عن الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق لم تنته، بل ان العديد منها تظهر اشارات بأنها تتفاقم ، ويمكن ان تواجه ادارة الرئيس باراك اوباما مشكلات سيئة في ما يتعلق بالعراق خلال عام ‬2013.

المشكلة الاولى: حكومة المالكي عندما قررت ادارة الرئيس جورج بوش غزو العراق كان الهدف المعلن لذلك جلب الديمقراطية الى هذا البلد، لكن هذا الهدف يبدو انه ينطوي على السذاجة، اذ ان العراق يأخذ شكل دولة ديمقراطية، لكنه لا يمارسها بصورة حقيقية.

وتبدو الممارسة السياسية لرئيس الحكومة العراقية نوري المالكي مثيرة للقلق بصورة متزايدة، ليس نظراً الى تزايد الفساد وانما بسبب تآكل الحريات السياسية. ويتعرض الصحافيون الذين يجرؤون على انتقاد الحكومة للمضايقة. وقامت اجهزة الامن التابعة للمالكي باعتقال مئات المسؤولين السابقين بتهمة دعم عودة حزب البعث السابق، وعلى الرغم من ان بعض هذه الاتهامات قد يكون صحيحا إلا ان الحكومة قامت باعتقالات واسعة وعشوائية لهذا السبب.

وتجلى ذلك عندما اتهمت حكومة المالكي نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي بالخيانة، وبالتحديد قيام الرجل بتشكيل كتائب للموت، والمعروف أن الهاشمي احد كبار السياسيين السنة العرب، وهو من قادة كتلة العراقية السياسية، وقد دافع عن براءته بقوة وغادر العراق.

وأشار تقرير وضعه «معهد دراسة الحروب» في الولايات المتحدة، إلى ان المالكي ينفذ حملة منظمة تهدف الى خنق معارضيه السياسيين، واشار التقرير إلى أن «المالكي جعل من الصعب على منافسيه حتى من الشيعة مخالفته في الرأي، في حين انه وضع جميع معارضيه من السنّة في موقف مناسب لممارسة الضغط عليهم واستغلال الانقسامات في صفوفهم».

وهذه الاستراتيجية غير منسجمة مع تطور الديمقراطية الصحيحة، وهي اساليب اعتاد رئيس فنزويلا هوغو شافيز استخدامها لتقويض جوهر الديمقراطية في بلاده، مع المحافظة على الانتخابات والشكليات الاخرى للنظام الديمقراطي، وهذا النوع من النظام الديمقراطي لم يكن هو ما بشر به المسؤولون الاميركيون كهدف لغزو العراق، لكن هذه هي النتيجة على ما يبدو.

المشكلة الثانية: تنامي التوترات بين بغداد والمنطقة الكردية، على الرغم من الانقسام المرير بين مجتمعات العرب الشيعة والسنّة والاكراد، إلا ان واشنطن تصر دائما على ان العراق يظل بحالة جيدة، لكن الامر غير ذلك.

وقد اندلعت مشاحنات عدة خلال سنوات عدة، وأدت النزاعات حول عوائد النفط وحدود المنطقة الكردية وسلطة عقد الاتفاقات الاقتصادية مع الشركات العالمية الى نشوب نزاعات سياسية متكررة بين السلطات المحلية وحكومة المالكي، وبصور ة مشابهة ادت النزاعات حول مناطق متعددة مثيرة للجدل خصوصاً في ما يتعلق بوضع مدينة كركوك الغنية بالنفط، الى تبادل الاتهامات، واظهر قادة الاكراد غضبهم الشديد على حكومة بغداد لعدم قيامها باستفتاء شعبي من اجل حل مشكلة كركوك.

وتصاعد التوتر خلال خريف عام ‬2012، وأدى قيام المالكي بتشكيل قيادة عسكرية في شمال العراق في سبتمبر لتغطية المناطق مثار النزاع الى اثارة غضب حكومة الاقليم الكردي، واعتبر قادة الاكراد ان هذه القيادة تشكل تهديداً مباشراً للمنطقة، وهم ينظرون الى مبررات حكومة بغداد في ذلك، بعين الشك والريبة.

وتفاقمت الامور في نوفمبر الماضي لدى اندلاع اشتباك بين القوات الكردية والقوات الحكومية، الامر الذي دفع حكومة كردستان الى تعزيز قواتها المعروفة بالبشمركة، وقال قادتها انهم مستعدون للدفاع عن المنطقة، وشعرت إدارة أوباما بالقلق الشديد ازاء هذه التطورات، الأمر الذي دفعها الى ارسال جنرال اميركي للتوسط بين الطرفين، وعلى الرغم من حل الازمة الآنية بين الطرفين ومنع اندلاع الاشتباك، إلا ان النزاعات الاخرى بين الطرفين لاتزال على حالها.

المشكلة الثالثة: موقف العراق ازاء إيران وسورية، يتجلى مصدر احباط واشنطن في سياسات المالكي ازاء الازمتين السورية والايرانية، التي تعمل على المعارضة الكاملة لسياسة الولايات المتحدة. وكان عديد من الخبراء قد اشاروا قبل سنوات عدة الى ان ايران ستمارس نفوذاً كبيراً على العراق، وعلى الخليج العربي بصورة عامة، بعد قيام الولايات المتحدة بإسقاط الرئيس العراقي السابق صدام حسين.

وشعر قادة ايران بسعادة غامرة ليس لسقوط زعيم العراق الذي طالما شعروا بالكره الشديد نحوه، وانما لان الولايات المتحدة عملت على ازالة العراق كقوة توازن ايران في المنطقة، وفي واقع الامر لم يشعر احد بالاستغراب لقيام علاقات ودية بين حكومة بغداد الشيعية وإيران وهذا ما تجلى خلال زيارة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد عام ‬2008.

والامر المثير لخيبة امل صانعي السياسة الاميركية، رفض حكومة المالكي الاجراءات المفروضة ضد النظام في دمشق، ولكن مثل هذا الموقف يجب ألا يثير استغر اب احد، اذ ان الصراع في سورية لن يثير مشكلة لاجئين في العراق فحسب، وانما لان الاطاحة بنظام الاسد يمكن ان يؤدي الى قيام نظام في دمشق يسيطر عليه السنّة، وبناء عليه، فإن قادة بغداد لا يرغبون في مثل ذلك.

ولابد من القول ان المشكلات الثلاث التي تواجه السياسة الخارجية للولايات المتحدة يمكن ان تزداد سوءاً في ‬2013، وترغب الولايات المتحدة في وجود عراق موحد وديمقراطي يعمل على دعم اهدافها، لكن ادارة اوباما ترى أنه يتعين عليها التعامل مع نظام يزداد فسادا وديكتاتورية في العراق.