علي الظفيري ـ العناد

وظيفته عالية، هذا مؤكد، لكن لا أحد يعرف على وجه التحديد ما هي درجته الوظيفية، تُنسج الحكايات من حوله، وهي كثيرة، بعضهم يقول إنه على درجة مساوية للوزراء، البعض يسخر من هذه الرواية، هذا الرجل أعلى من رتبة رئيس الوزراء، إنه أعلى من كل الموظفين في هذا البلد، وكل بلد، هذا الرجل لا يأتي فوقه إلا الحاكم، إنه الأمين على قلب سيده وقراره، ولا يمكن أن يكون أقل من الآخرين، مهما علت مناصبهم، وزاد شأنهم، لا يرضى السيد بذلك، ولا شاغل هذه الوظيفة التي هي على درجة عالية من الأهمية والحساسية، المهم، أن الجميع يقر للرجل دوره وأهميته ومكانته، ولا ينازعه في ذلك أحد.
قد يكون هذا الرجل حاصلا على أعلى الشهادات العلمية، وصاحب خبرة لا يضاهيه فيها أحد، وربما يكون بلا أي شهادة علمية، وبلا سابق تجربة، كل هذا بلا معنى، وغير مهم على الإطلاق، ما يصنعه في عمله هو السيرة الذاتية بذاتها، والتي يجب أن يقتدى بها، فهذه صنعة تحدث للمرة الأولى، والأخيرة في الوقت نفسه، وهي غير قابلة للتكرار، ولا ينفع معها التغيير والتبديل والإعارة، وهو أمر لا يشبه كل الأمور، يولد مع ولادة أي حاكم، وينتهي معه، ليبدأ مع الحاكم الذي يليه، وهكذا دواليك.
صاحبنا، الذي لا يعرفه الناس، ولا وظيفته أو مزاياه وآليات تبوئه لموقعه، مهمته الوحيدة إدارة ملف العناد في رأس الحاكم، رعايته، وتعزيزه، وتطويره، وتأكيده، وتحويله إلى مؤسسة ومنهج، وهو لا علاقة له بشيء في هذه الدنيا، سوى معرفة ما يجب أن يكون، ومعارضته ورفضه وتبرير معاداته وعدم تطبيقه. على سبيل المثال، يحتاج الناس إلى مساكن، وتراب يبنون عليهم بيوتهم، فيبدأ صاحبنا مهمة حرمان الناس من هذا الحق، تحت ألف مبرر ومبرر، القضية في غاية السهولة، وحلولها متاحة ولا تحتاج إلى عبقرية، وكل ما يفعله صاحبنا تحويلها إلى «أزمة إسكانية» لا نهاية لها، رغم توفر الميزانيات، وسهولة التنفيذ، وربحية الاستثمار أيضا في هذا الأمر، إلا أن العناد سيد الموقف، لا حل لهذه المعضلة، اتركوها مثل كرة ثلج تكبر يوما بعد يوم، طالما أن الناس تريد حلا، فالحل هو التعليق.
المشاريع معطلة، ومصالح الناس متوقفة بشكل لا تخطئه العين، البنية التحتية في أسوأ الأحوال، والشوارع، والمساكن، والمستشفيات، ولا وظائف للأبناء أو مقاعد في الجامعات، أصبحت الحياة لا تطاق في ظل هذه الظروف، ثم يأتي صاحبنا، الأمين العام لهيئة العناد والتحدي في قصر الحكم، فيشير على سيده بالتبرع الخارجي، بمبلغ كذا، ثم مبلغ كذا، يليه مبالغ كذلك وكذا، آلاف المليارات تمر من أمام أعين الناس إلى خارج البلاد، هذه إلى نظام حقير، وتلك إلى رجل أعمال يدير السياسة والحياة مثلما يفعل بشركة مساهمة، وغيرها لا يعرف إلى أين تذهب، المهم، أن الأموال تخرج يوميا من أمام حاجات الناس وضعفهم وفقرهم إلى غير رجعة، ولا شيء يعود بالنفع عليهم، إطلاقا، إلا أن صاحبنا، رئيس المجلس الأعلى للعناد في الدولة، قرر أن يعاكس رغبات الناس وآمالهم، ومعاقبتهم دون ذنب اقترفوه، يستطيع الرجل أن يفعل ذلك بالسر، لكنه يأبى إلا أن يعرف القاصي والداني بما يجري، وأن يحترق قلب كل رجل وامرأة وصغير وكبير على هذا الحال، إنها الحكمة التي لا يعرف سرها أحد سواه.
يعرف الناس أن الدولة لم تحمِ نفسها يوما، ولن تفعل ذلك وفق نمط الأداء الحالي، لكن سيد العناد، يقرر صدم الناس بأخبار الصفقات العسكرية، كل يوم عشرات الطائرات والدبابات والمدرعات والصواريخ، والتي لا يعرف أحد من سيستخدمها أو يحارب فيها، المهم في الموضوع، أن المستشفى معلق، والسكن مجمد، والوظيفة غائبة، ورغبات سيد الناس مجابة ومطاعة، هذا ما قرره لنا شيخ مشايخ العناد في بلادنا العربية، وهذا ما نحن عليه.
جوّع كلبك يتبعك، هذه العبارة أول درس تلقاه صاحبنا في حياته من سيده، وآخر درس.