عبدالمحسن جمعة ـ العناد يأخذنا إلى المجهول !

باختصار وكلمات مباشرة فإن أوضاع الكويت المتردية سببها العناد والمكابرة وآفة الاستحواذ اللامتناهية عند الصفوة من السلطة ووجهاء المجتمع وما ينتجه ذلك الثنائي من مراكز قوى تتبادل الأدوار والحكم وتتصارع بلا سقف ولا ضوابط أو أمد معلوم، فمنذ صدور دستور الدولة وهناك نخبة من الأسرة وخارجها من صفوة المجتمع لم تقبل به ومارست كل إمكاناتها لتحجيمه واختراقه ونجحت في ذلك معظم الوقت.
وبعد غزو صدام وتحرير البلد لم ترتض أيضاً هذه المجموعة وحلفاؤها ما حدث في مؤتمر جدة من اتفاق على تطوير المشاركة الشعبية في الحكم والتطبيق الكامل لدستور 1962، كما تكرر المشهد ذاته بعد تعديل الدوائر الانتخابية 2006 وتم استغلال الحركة الشبابية الإصلاحية العفوية “نبيها خمس” لأغراض شخصية تتضح معالمها حالياً.
العناد والمكابرة ورفض التطور الطبيعي في تحقيق مطالب الشعوب في الإصلاح ومحاربة الفساد وكبح رغبات الاستحواذ على ثروة البلد السهلة هي علة الكويت وسبب مرضها، ولنا في الــ25 سنة الأخيرة شواهد على ذلك، فبعد تحرير الكويت والالتزامات الدولية التي ترتبت على السلطة باحترام رغبة المجتمع الدولي بأن تكون الكويت نموذجاً ديمقراطياً مشابهاً للدول التي تزعمت عملية تحريرها، ساكنت السلطة تلك المطالب لزمن محدود حتى انقلبت عليها بشدة  في انتخابات 1996، وأعادت معظم رموز المجلس الوطني بكل الوسائل والإمكانات المتاحة لديها، وبدأت بعدها أطراف فيها بعملية تخريب واسعة عبر المناقصات والمال السياسي، وانطلاق موجة التجنيس الكبرى الثانية التي استمرت من عام 1996حتى عام 2005 والتي قضت تماماً على خصوصية الهوية الكويتية وإمكانية استيعاب ودمج الموجة الأولى الكبرى من المتجنسين والتي كانت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وهذا أحد أسباب التوتر الاجتماعي والعنف اللفظي والجسدي المتنامي في البلد.
واليوم وبعد أحداث مجلس الأمة 2009 وخروج البعض إلى الشارع والمتغيرات التي تحدث في العالم من حولنا تعتقد السلطة أن الأمور استتبت لها بعد أن أصدرت مراسيم الإصلاح والصوت الواحد التي استقبلها الكويتيون بارتياح، ويمكنها أن تستمر بعد ذلك (الآن) بنفس أساليب الحكم السابقة، وتعتبر قوانين الإصلاح مثل محاربة الفساد وكشف الذمة المالية وإصلاح قانون المناقصات العامة ودعم استقلال وإصلاح القضاء مجرد شعارات يمكن أن يتم الآن نسيانها أو تطبيقها “بمزاجية” وهو أمر بالغ الخطورة لأن الوضع يزداد توتراً في الشارع وبين الأقطاب والأجنحة المتنافسة على السلطة والمال دون رادع وهو أخطر حالة يمر بها أي بلد، لذلك فإن الإنقاذ الوطني يبدأ فعلياً فور اقتناع السلطة ومراكز القوى الاجتماعية بأن أسلوب حكم وإدارة الدولة القديم لن يجدي وأن التغيير آت، وعليهم أن يقوموا به قبل أن يتم بأسلوب يدخل البلد في تجربة مريرة أخرى ربما تكون بتحديات وخطورة ومرارة مشابهة لأحداث 1990.
***
ونحن في عام 2014 وبينما نشاهد مباشرة عبر شاشات التلفزيون صفعة ولي أمر طالب كوري لرئيس مجلس وزراء بلده، وتشابك النواب الأوكرانيين بالأيدي داخل البرلمان، وسحب نائب أردني لمسدسه في مجلس الأمة الأردني، في هذا الزمن وتكنولوجيته يسحب مجلس الأمة الكويتي هوية مراسل قناة عالم اليوم الزميل فهد الزامل لأنه صور مشادة في قاعة البرلمان! وعليه فإن علينا أن نتصور أي واقع نعيشه  في برلماننا الذي يتراجع يوماً بعد يوم عن زمانه وحقوق ناخبيه في الاطلاع على جميع تفاصيل أعماله وجلساته، فمنذ عام 2003 كانت جميع كاميرات الفضائيات متواجدة في قاعة عبدالله السالم طوال الجلسة حتى أحداث “نبيها خمس” في عام 2006 التي أخرجت بعدها كل الكاميرات ما عدا كاميرا المجلس التي تصور وتبث بعد عدة ساعات وبعد حذف ما يراه رئيس المجلس، ومنذ ذلك العام بدأت عملية بناء أسوار برلين حول القاعة ومع ذلك كل أحداث المجلس تصل إلى الناس بالتفاصيل والكلمة والحرف وحتى التفاتات النواب! ولذلك نقول إن ما تفعلونه في مجلس الأمة لن يجدي نفعاً ولن يمنع وصول المعلومة إلى كل الناس في عصرنا هذا!