عبداللطيف العميري ـ امي الغالية

يوم الأربعاء التاسع عشر من شهر رجب 1434 الموافق التاسع والعشرين من شهر مايو 2013 يوم لن أنساه ما حييت انه يوم وفاة أمي الغالية فاطمة التناك، في هذا اليوم اغلق عني باب من أبواب الجنة كنت أرتع فيه بالأجر والثواب، امي فاطمة كانت عظيمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، جمعت صفات رائعة نادرا ما تجدها في امرأة من هذا الزمان فهي من نساء الكويت الاوليات التي عاشت فترة ما قبل النفط بكل قسوتها، فأمي فاطمة كانت مربية من طراز رفيع، رغم انها كانت امية لا تقرأ ولا تكتب، كانت تعمل كل شيء وحدها، كانت تربي الاولاد وتطبخ وتغسل وتنظف عندما كانت وسيلة الغسيل الذهاب الى البحر وكانت تخدم الزوج وتهتم برعاية خالتها ام زوجها جدتي منيرة -رحمها الله- التي كانت ضريرة لا تبصر، وكانت تعمل كل شيء وحدها في ذلك الوقت الذي لا يوجد خدم ولا أدوات حديثة للطبخ والتنظيف والغسيل، كذلك لا يوجد حليب اطفال فبنيت لحوم أكتافنا من حلوّ لبنها انا واخوتي العشرة، بل ضربت أروع الأمثلة في الصبر والاحتساب عندما فقدت في حياتها أربعة من الأولاد رحمهم الله، مع ذلك صبرت وربت وأحسنت وأخرجت ولله الحمد رجالا ونساء يشهد لهم من يعرفهم.

لقد كانت امي فاطمة تتواصل مع الجميع وتسأل عن الكل، استطاعت بطيبتها وعفويتها ان تجمع الاخوان والعائلة، فكان بيتنا عامرا بوجودها رحمة الله عليها.

كانت تقوم بأعمال قد تكون خيالا عند بعض الناس فكانت توصلني الى المدرسة مشيا على الاقدام في حر الصيف وتنتظرني عند الخروج من المدرسة ثم ترجعني إلى البيت وعباءتها على رأسها وبوشيتها على وجهها، من يفعل ذلك الآن؟! لقد كانت أمي فاطمة تصنع الطعام بنفسها حتى قارب عمرها على الثمانين عاما وكانت لا تقبل بأن تأكل من الخدم او الطباخ، فمن يفعل ذلك في هذا الوقت؟! كانت لا تعد طعام الغداء حتى تشاور والدي رحمه الله حتى وفاته فهل توجد امرأة مثلها؟!

كانت امي فاطمة لها دعوة تكررها دائما وتقول «يا رب من جيلي الى قبيري» يا رب ما أعذب أحدا، ولا أكلف على أحد، يا رب لا امرض فأدخل المستشفى، فكنت أقول لها يا يمة لازم المريض يراجع المستشفى حتى يعالج فترد علي بعفوية ونقاء: كيف أدخل المستشفى وبعد ذلك سأضطر الى خلع ملابسي وكشف رأسي؟! فأعطاها الله على نيتها الصادقة الصافية فتوفيت رحمة الله عليها في دارها ولم ترقد ليلة واحدة في مستشفى طوال حياتها، توفيت وملفعها على رأسها لم يخلع منها الا عند غسلها وتكفينها وهي قد بلغت الثمانين عاما.

لقد ضربت رحمة الله عليها اروع الامثلة في العفة والستر والحياء قلما تجده في هذا الوقت.

ان مقالا صغيرا يستحيل علي ان اوفي فيه مناقب وجميل الصفات في تلك الأم الرائعة ولكن حسبنا ما ذكرناه لعلنا نستفيد ونعتبر من سيرتها الجميلة العطرة رحمة الله عليها، هذه امي فاطمة توفيت فشعرت بأن الدنيا قد اظلمت برحيلها شعرت بأنه لا يوجد شيء بعد ذلك يعدل قيمتها شعرت بأن هذه الدنيا أصبحت ضيقة رغم سعتها وكبرها.

رحم الله امي فاطمة رحمة واسعة، اللهم ارفع درجتها في المهديين واخلفها في عقبها في الغابرين واغفر لنا ولها اجمعين وأفسح لها في قبرها ونوّر لها فيه، اللهم آمين