سعدية مفرح ـ مثقفو الخليج قبل القصيبي لم يكونوا " خويا " !

«.. وقبل غازي القصيبي كان المثقف الخليجي إما خوي أو منشد، أو مؤذن، فأصبح بعد غازي القصيبي، صانع قرار وشاغل الناس». بهذه العبارة المستفزة اختار الكاتب الأخ الزميل عثمان العمير أن يبين مكانة غازي القصيبي في محيطه الخليجي، أي من خلال إلغاء كل من سبق القصيبي من المثقفين في الخليج؛ في الكويت والبحرين والامارات وقطر وعمان وبالتأكيد في السعودية أيضا.

وردت هذه العبارة في مقدمة كتبها العمير لكتاب القصيبي الذي صدر مؤخرا بعنوان «في عين العاصفة»، وضمن سياق يتحدث فيه رئيس تحرير جريدة الشرق الأوسط الأسبق عن أهمية المقالات التي كان ينشرها القصيبي في تلك الجريدة أثناء الاحتلال العراقي للكويت في زاويته الشهيرة آنذاك «في عين العاصفة»، والتي تحولت أثناء حرب تحرير الكويت الى «بعد هبوب العاصفة»، ثم إلى «على نار هادئة» بعد أن تم التحرير.

لا اعرف على أي اساس وبأي معيار حول العمير كل مثقفي الخليج قبل القصيبي إلى مجرد «خويا» (أي مرافقي أمراء وشيوخ ومتنفذين، لمن لا يعرف هذه المفردة الخليجية) ومنشدين ومؤذنين. هل يتحدث العمير هنا عن منطقة الخليج كلها فعلا؟ هل تجاهل الحراك الثقافي المشهود طوال القرن العشرين، على سبيل التحديد، ونضالات المثقفين الخليجيين على أكثر من صعيد قصدا أو جهلا به؟

لا أظن أن العمير يجهل مثل هذا الحراك الفاعل على المستوى الفردي والجمعي وفي أكثر من بلد، خاصة أن القصيبي نفسه قد كتب عنه في كثير من كتبه ومقالاته، بل ان كثيرا من مقالات كتاب «في عين العاصفة» نفسه تشير إليه، ويبدو القصيبي فيها وهو يفاخر الآخرين، من العرب غير الخليجيين، متكئا في ذلك على موروث ثقافي عربي حقيقي أنتجه مثقفون خليجيون لا يقلون في أهميتهم عن أقرانهم ومجايليهم من المثقفين العرب.

أفهم أن ينظر العمير لصديقه الراحل غازي القصيبي بإعجاب، نشاركه فيه ولكنني لا أفهم أن يلغي باسم هذا الاعجاب أو بسببه مثقفين خليجيين سبقوا القصيبي، وكثير منهم فاقه في الثقافة وفي النضال، أيا كان نوع هذا النضال، في الداخل وفي الخارج. وأعتقد أن من الظلم الشديد لهؤلاء أن ينظر إليهم على أنهم كانوا مجرد «خويا»، أو منشدين أو مؤذنين، مع احترامي لوظيفة المنشد والمؤذن بالتأكيد.

ثم انني لا أفهم بأي قصد وضع العمير «الخويا» في سلة واحدة، نقيضا للثقافة والمثقفين كما يبدو، مع المنشدين والمؤذنين، مع الفارق الكبير في مهمة كل من الثلاثة في الحياة!. ولا أظن أن غازي القصيبي يصلح أن يكون رمزا مضادا بهذا الشكل الحاد والقاطع لمهمة «الخوي» أو المنشد أو المؤذن أيضا. صحيح أنه لم يكن «خوياً» لأحد، لكنه على الأقل كان على الدوام من رجالات البلاط الحاكم في بلده، ثم انه بصفته شاعرا، وهي الصفة التي بدأ بها حياته الإبداعية، وكانت هي الأثيرة بالنسبة له، لم يكن ليبتعد كثيرا عن مهمة المنشد أو المؤذن على طريق التناقض الجامع المانع الذي قصده عثمان العمير في عبارته.

صدر كتاب «في عين العاصفة»، الذي نتمنى أن نعود إلى الكتابة عنه قريبا، بعد رحيل مؤلفه بأربع سنوات تقريبا، وأنا على يقين بأن القصيبي لو كان قد قدر له أن يطلع على مقدمة العمير لاختار أن يحذف منها هو بنفسه هذه العبارة، ليس بسبب الأخطاء النحوية فيها وحسب!، ولكن أيضاً لأنها مجانبة للحقائق التاريخية وتتناقض تماما مع أفكار القصيبي كلها، خصوصا تلك الأفكار الواردة في كتاب «عين العاصفة» نفسه!.