سامي الماجد ـ الشامتون في الشهداء !

العدوان الصهيوني على غزة أسمعنا من بعض المحسوبين على مثقفينا، خطاباً جديداً يعبّر عن موقف سياسي جديد في المنطقة، وتحالف من نوع جديد.

هذه المرة لم يبق في وجوههم ما يريقونه من ماء الحياء، فخطابهم لا يختلف كثيراً عن صهاينة اليهود حقداً وشماتة واستعداء وتحريضاً على دماء رجال المقاومة الشرفاء!

لست أعني بهذا الكلام من يخطّئ فصائل المقاومة في تصعيدها ويرى أن إطلاق الصواريخ على تل أبيب يمنح الصهاينة الذريعة لمزيد من الإجرام والعدوان، فالمسألة محتملة الاجتهاد والاختلاف في وجهات النظر، ما دام لا يمس قاعدة شرعية المقاومة، واعتبار إسرائيل دولة احتلال، لا يغيّر في هذه الحقيقة شيئاً، وأن للفلسطينيين، بل المسلمين جميعاً، في أرض فلسطين حقاً لا يسقط بالتقادم.

إنما أعني أولئك الشامتين الفرحين بإزهاق دماء شهداء المقاومة، الذين يرونهم أقرب إلى الإرهاب والتطرف من صهاينة الاحتلال، ويودون لو أنهم كسرت شوكتهم، وأبيدت فصائلهم. فهؤلاء جاوزوا ما يحتمل الخلاف من دون تخوين، إلى ما لا يحتمل الاختلاف إلا باقتحام حاجز العمالة وخيانة القضية، وركوب طريق الصهينة الذي أول طريقه الانسلاخ من ثوب المقاومة المشروعة.

يحدثنا القرآن كثيراً عن المنافقين، بل بدأ في الحديث عن صفاتهم في الآيات المتضمنة التحذير منهم في مطلع سورة «البقرة» قبل آيات التكليف والأمر والنهي، ثم تتابعت آيات سورة «التوبة» في فضح صفاتهم وأخلاقهم مع المؤمنين، ومواقفهم المخزية عند الشدائد، ومثلها سورة «المنافقون»، ولولا أنهم يوجد منهم في كل عصر، ولا تخلو منهم الأمة، لما استفاضت الآيات في فضحهم والتحذير منهم، والذين يدّعون أن ما تتكلم عنه سورة التوبة مثلاً حدثٌ تاريخي لا يتكرر، لن تجد عنده جواباً مقنعاً عن الحكمة من تكرار الحديث عنهم في القرآن.

وهم اليوم أحقر من أن يحذر منهم ويفضحوا، لولا أن الأمر كما قال تعالى: «وفيكم سمّاعون لهم» ينخدعون لدعاواهم العريضة وأكاذيبهم الملفقة على المقاومة الفلسطينية ظلماً وزوراً، وهاهم اليوم لا تزيدهم نجاحات المقاومة وبسالتها إلا تغيظاً واستفزازاً يكشف مزيداً من عوارهم ونفثات صدورهم.

هم بالأمس ينكرون – وهم محقون – على جماعات الغلو التي تستبيح الدماء المعصومة وتثخن في المسلمين بدعوى الجهاد، متسائلين: لماذا لا تتوجه إلى فلسطين لمقاومة اليهود الغاصبين؟ ثم هم اليوم يستنكرون مقاومة فصائل الجهاد الفلسطينية لهم؟!

المقاومة اليوم حققت انتصاراً نوعياً مفاجئاً، وأصبحت في سابقة من نوعها، تملي شروط الهدنة على الاحتلال، والإعلام الجديد بحمد الله سُخر لهم لينقلوا وقائع العدوان والحرب برؤية أخرى ومصدر جديد غير الرؤية والحكاية الغربية، لم نعتد عليه في إعلامنا العربي، لتصحح لنا أن المقاومة ليس من شروط شرعيتها وجدواها الكفاءة في العدة والعتاد، وإلا لما تحرر بلد من محتل، وهل تحررت الجزائر إلا بعد أن ضحت بمليون شهيد؟

إن مقاييس الهزيمة والانتصار ليست بقدر ما يقتله العدو وما يدمره هكذا مجرداً فحسب، بل يجب أن يقاس ذلك إلى ما يلحق العدو من كلفة مادية وعسكرية ونفسية وسياسية. أكتب هذا، ونحن نرتقب بشائر تشفي صدور قوم مؤمنين، ويذهب غيظ قلوبهم، فاللهم بُشراك بشراك.