رومني استغل الغضب الإسلامي لمهاجمة سياسة الرئيس الأميركي

رومني استغل الغضب الإسلامي لمهاجمة سياسة الرئيس الأميركي

أوبامــا بريء مـن اضطرابـات الـشـــرق الأوسط

رومني (يسار) يرى أن كل شيء يمكن تحميل مسؤوليته لأوباما
رومني (يسار) يرى أن كل شيء يمكن تحميل مسؤوليته لأوباما

بدت الاضطرابات المندلعة في الشرق الأوسط بمثابة هدية بالنسبة للمرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية ميت رومني، لكن هذا الاخير التقط هذه الهدية بحماسة فظة، وبدأ يكيل التهم للرئيس الأميركي باراك أوباما، باعتباره «هو الذي شجع الميليشيات الاسلامية». ووافق المعلقون المحافظون على ادعاءات رومني، وقال المعلق تشارلز كروثامار، من محطة تلفزيون «فوكس نيوز»، «إن ما نراه الآن على شاشات التلفزة هو انهيار لسياسة اوباما في العالم».

وبالنظر الى مقتل السفير الأميركي في ليبيا، كريستوفر ستيفنز، وتعرض سفارات الولايات المتحدة للهجمات، يبدو من السهل توجيه مثل هذه الاتهامات، لكنها ليست صائبة، بل انها يمكن ان تجعل الأمور تتجه نحو الأسوأ، إذ إن السياسات التي اتبعها أوباما تشير الى ان الولايات المتحدة في وضع افضل بكثير من السابق كي تعالج أعمال العنف المعادية للولايات المتحدة، التي كانت بمثابة لب السياسة في الشرق الاوسط خلال العقد المنصرم.

ويستند نقد المحافظين لأوباما بصورة كبيرة إلى فقدان انتقائي للذاكرة، وخلاصة هذا النقد أن الولايات المتحدة كانت قوية وتحظى بالاحترام في الشرق الاوسط قبل انتخاب أوباما، لكن هذا الرئيس الضعيف حوّل الولايات المتحدة الى دولة ضعيفة، كما كانت عليه خلال حكم الرئيس السابق جيمي كارتر، عندما تم أسر الدبلوماسيين الاميركيين في إيران. ويتذكر الجمهوريون تلك المذلة جيدا، والتي يعتقد البعض انها كانت السبب في خسارة كارتر الانتخابات في المرة الثانية عام .1980

لكن هؤلاء المنتقدين الذين يقولون «أوباما هو كارتر»، يتجاهلون الحقيقة التي تقول إن الغضب الإسلامي والعربي ضد أميركا عاناه كل رئيس أميركي منذ كارتر، سواء كان جمهورياً أو ديمقراطياً على حد سواء. وفي عام 1983 قتل 241 جندياً من القوات الأميركية، عندما تم تفجير ثكنة لقوات المارينز الأميركيين في بيروت (خلال حكم الرئيس رونالد ريغان)، وكان أول هجوم قام به تنظيم القاعدة ضد الولايات المتحدة خلال حكم الرئيس بيل كلينتون، وبعد ذلك جاءت حادثة 11 سبتمبر، إضافة إلى قرار الرئيس جورج بوش الابن غزو العراق، الذي أدى إلى إثارة الغضب ضد الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم الإسلامي.

وصحيح أن أوباما جاء إلى السلطة متمنياً إنهاء هذا الوضع، وألقى خطاباً في القاهرة مناشداً الانطلاق نحو بداية جديدة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، ويدعي منتقدون من الجمهوريين انه قدم اعتذاراً عن أميركا في القاهرة، وأظهر مدى ضعف الولايات المتحدة، «لذلك فإنه يلقى عقاب ذلك من الغوغائيين في القاهرة»، لكن هذا الرأي يبدو سخيفاً.

والحقيقة فإن الغوغائيين الذين هاجموا السفارات الأميركية يظهرون مدى سهولة استثارة غضب هؤلاء الاشخاص غير المتعلمين، والمتطرفين، ولقد شهدنا مثل هذه التحركات من قبل، بعد الفتوى ضد الكاتب سلمان رشدي، ونشر الرسوم الكاريكاتيرية في الدنمارك. وفي كلا الحالتين لم يكن السبب هو ضعف الولايات المتحدة. وإذا كان «هؤلاء الأفراد» قد اغضبتهم السياسة الخارجية للولايات المتحدة، فإن السبب المرجح سيكون مقتل (زعيم تنظيم القاعدة أسامة) بن لادن أو قضية فلسطين اكثر من ضعف أميركا.

وفي حقيقة الأمر، فإن سياسة أوباما لم تنه الغضب الإسلامي من الولايات المتحدة، ومن المهم جداً الآن مقارنة وضع الولايات المتحدة بما كان عليه إبان غزو العراق، ويذكر مقتل السفير كريستوفر ستيفنز في ليبيا بالهجوم على بعثة الامم المتحدة في بغداد عام ،2003 التي ادت الى مقتل العديد من الدبلوماسيين التابعين للامم المتحدة. وكان الوضع الامني في كل من بغداد وبنغازي سيئاً إذا لم نقل انه غير موجود اصلاً. وربما كانت «القاعدة» هي المتورطة في كلا الحالتين، لكن في العراق، كان هناك الآلاف من الجنود الأميركيين على الارض، الذين كانوا أهدافاً سهلة خلال الفوضى التي حدثت في ما بعد، كما أنه لم يكن هناك حكومة شرعية في العراق تتحمل مسؤولية الحفاظ على الأمن.

وبالمقارنة، فإن رفض أوباما انخراط الجيش الاميركي ضد قوات (الزعيم الليبي الراحل معمر) القذافي بصورة مباشرة يعني أن الجنود الأميركيين لا يشكلون الآن أهدافاً في ليبيا، والأمر الاكثر أهمية هو أن مسألة الحفاظ على الامن منوطة بالحكومة الليبية وليس بالسفير الأميركي.

وفي ليبيا سمحت إدارة أوباما للثوار المحليين بقيادة القتال، مدعومين من قبل القوى الجوية لكل من فرنسا وبريطانيا، في حين أن الولايات المتحدة قدمت دعماً لوجستياً وحيوياً. ووصف مساعد لأوباما لم يكشف عن هويته هذه السياسة بأنها «القيادة من الخلف»، وهي العبارة التي جذبت الكثير من استهجان الجمهوريين، لكن «القيادة من الخلف» أفضل من «القيادة بالذقن»، التي كانت سياسة الرئيس بوش الابن.

وكان التدخل في ليبيا ناجحاً جداً لدرجة انه لم يجذب انتقادات جمهورية مباشرة، انما كانت هناك شكاوى اكثر بكثير على استجابة أوباما في الثورة المصرية، واشتكى بعض الجمهوريين انه في ظل الرئيس أوباما ألقت الولايات المتحدة بأحد حلفائها القدماء (الرئيس المصري السابق) حسني مبارك «تحت الحافلة»، لترى بسرعة انه تم استبداله بآخر من الاسلاميين المعادين للغرب. لكن كان بإمكان مبارك الحفاظ على السلطة عن طريق القمع الوحشي للمحتجين في ساحة التحرير، وهل يعتقد احد على نحو جدي ان أميركا ستحظى بشعبية واحترام أكبر في الشرق الاوسط اذا شجعت على ارتكاب مجزرة لمتظاهرين يطالبون بالديمقراطية في مصر؟

وفي حقيقة الأمر، فإن الحزب الجمهوري منقسم على نحو عميق بشأن الربيع العربي، وثمة جناح انعزالي مرتبط برون بول، يريد من أميركا أن تسحب جنودا من المنطقة، وتقطع كل المساعدات، وثمة جناح للمحافظين الجدد مرتبط بالسيناتور جون ماكين، أيد الاطاحة بمبارك، ويريد الآن من اميركا ان تدعم هجوماً على المنشآت النووية الإيرانية، وتقديم مساعدة عسكرية للثوار السوريين، وهناك جناح واقعي «يندب انهيار» نظام مبارك، لكنه متعاطف مع حذر أوباما في ما يتعلق بالأعمال العسكرية.

وفي الوقت الحالي، قام رومني بمغازلة جميع هذه الآراء، إذ انه في أزمة الفساد يلجأ ببساطة الى توجيه اتهامات ضبابية مفادها ان كل شيء يمكن تحميل مسؤوليته لأوباما، حتى لو كان ذلك تكتيكا انتخابياً، فإن هذا يعتبر أمراً مثيراً للتساؤل، وباعتباري محللاً للأحداث في الشرق الاوسط فإنني أرى ذلك سخيفاً ومثيراً للضحك.