د. مرضي العياش ـ وقف النظر في الدعوى الجزائية لحين الفصل بعدم دستورية بعض أحكام قانون الجزاء

مذكرة بأسباب الدفع بوقف نظر الدعوى الجزائية لحين الفصل في الطعن المرفوع أمام لجنة فحص الطعون بعدم دستورية نص المادة 25 من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء

ملخص الدفع:

يخلص الطلب في أن المتهمون دفعوا بعدم دستورية نص المادة 25 من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء أمام محكمة أول درجة، وقد رفضت الأخيرة هذا الدفع مقررة عدم جديته، فقام المتهمون بالطعن على حكمها (بعدم الجدية) أمام لجنة فحص الطعون عملا بنص المادة 4 من القانون رقم 14 لسنة 1973 بشأن إنشاء المحكمة الدستورية.

ولما كان الفصل في دستورية نص المادة 25 سالفة الذكر لازما وضروريا للفصل في المنازعة الموضوعية باعتباره النص موضوع الاتهام، وكان ذلك لا يتأتى إلا حين تقضي المحكمة الدستورية بدستوريته أو برفض الطعن من قبل لجنة فحص الطعون، فإننا نطلب من المحكمة الموقرة وقف نظر الدعوى وقفا تعليقيا ‘إجباريا’، إعمالا لنص المادة 90 من المرسوم بقانون رقم 38 لسنة 1980 بإصدار قانون المرافعات المدنية والتجارية، لحين الفصل في الطعن المرفوع أمام لجنة فحص الطعون وذلك للأسباب التالية:

من حيث اعتبار قانون المرافعات المدنية والتجارية الشريعة العامة لجميع القوانين الاجرائية الأخرى وأثر ذلك على الدفع بوقف نظر الدعوى:

من المستقر عليه قانونا وقضاء وفقها أن قانون المرافعات المدنية والتجارية يعتبر الشريعة العامة  لقانون الإجراءات الجزائية فيما لا يتعارض مع النصوص الخاصة بالدعوى العمومية إذا خلا من نص صريح في موضوع ما أو إذا لم يوجد إحالة صريحة منه إلى نصوص قانون المرافعات.

وهذا ما يراه فقيه القانون الجنائي العلامة محمود نجيب حسني حينما قرر أن: ‘ نحن إذ نؤيد هذا الرأي لا نعتقد أنه يهدر استقلال قانون الإجراءات الجنائية إزاء قانون المرافعات المدنية والتجارية’، وأكد على أن علة ذلك هو أسلوب الصياغة التشريعية التي تتسم بالإيجاز وعدم التكرار.( راجع محمود نجيب حسني، شرح قانون الإجراءات الجنائية، ط3، 1995، دار النهضة العربية، ص16،17، 18).

وقد استقرت محكمة النقض المصرية على هذا المبدأ منذ زمن بقولها: ‘ من المقرر أن المحكمة الجنائية لا ترجع إلى قانون المرافعات إلا عند إحالة صريحة أو عند خلو هذا القانون (أي قانون الإجراءات الجنائية) من نص على قاعدة من القواعد الواردة في قانون المرافعات’. (نقض 12 يونيو 1962، مجموعة أحكام محكمة النقض، س13، رقم 138، ص 546، مشار إليه لدى محمود نجيب حسني، المرجع السابق، هامش رقم1، ص17) كما قررت في حكم آخر أن: ‘ الأصل أنه لا يرجع إلى قانون المرافعات – في المواد الجنائية- إلا لتفسير ما غمض من أحكام قانون الإجراءات الجنائية أو لسد ما فيه من نقص’. (نقض 12 يونيو 1962، مجموعة أحكام محكمة النقض، س13، رقم 139، ص 505، مشار إليه لدى محمود نجيب حسني، المرجع السابق، هامش رقم 2، ص17)، (انظر تطبيقات عن ذلك المبدأ: نقض 12 يناير 1948 مجموعة القواعد القانونية ج 7، رقم 494، ص 454.- انظر باقي التطبيقات المشار إليها لدى محمود نجيب حسني، مرجع سابق، هامش3، ص17) .

كما أنه يعد الشريعة العامة لجميع أنواع القوانين الإجرائية في فروع القانون الأخرى المختلفة المنظمة لإجراءات الدعاوى الدستورية أو الإدارية (انظر أحمد أبو الوفا، المرافعات المدنية والتجارية، منشأة المعارف، ط 18، ص 14)، ومنها قانون إنشاء المحكمة الدستورية ولائحتها في شقيهما الإجرائي، وهو ما مؤداه أنه يجب على القاضي، قانونا وعملا بما هو مستقر عليه، الرجوع إلى قانون المرافعات في كل مسألة يشوبها  قصور في القانون الإجرائي الذي يحكم دعواه، فيكون لقانون المرافعات المدنية والتجارية الدور المكمل لسد ثغرات أي قصور، أو ليطبق على كل ما لا يريد المشرع تكراره وهذا هو الأسلوب التشريعي الأمثل في الإيجاز وعدم التكرار واللغو ( راجع عزمي عبدالفتاح، قانون القضاء المدني الكويتي، ط1، 2005، دار النهضة العربية، ص 10)، (راجع أيضا محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص 17 وهوامشها).

رغم أن ما سبق ذكره من المسلمات القانونية إلا أنه يمكن التدليل عليه بالإحالات القانونية المتواترة في النصوص الإجرائية التي تستند على قانون المرافعات المدنية والتجارية أو تحيل إليه.

كالذي ورد في ديباجة قانون إنشاء المحكمة الدستورية رقم 14 لسنة 1973 والذي نص على أنه:’ وبعد الاطلاع على الدستور… وعلى قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 6 لسنة 1960 والقوانين المعدلة له وافق مجلس الأمة على القانون الأتي نصه…’. وما تضمنته ديباجة المرسوم الخاص بإصدار لائحة المحكمة الدستورية من إحالة إلى قانون المرافعات وكذا ما جاء في نص المادة 7 من هذا المرسوم المذكور.

وكذلك ما ورد في قانون الإجراءات  والمحاكمات الجزائية رقم 17 لسنة 1960 من إحالة إلى قانون المرافعات من خلال نص المادة 173 التي قررت على أنه:’ تسري أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية في الأحوال التي يكون فيها القاضي غير صالح لنظر الدعوى، وفي الأحوال التي يجوز فيها رد القاضي وفي الإجراءات التي تتبع في رده.’.

وأخيرا ما نصت عليه المادة 15 من المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1981 بشأن إنشاء دائرة بالمحكمة الكلية لنظر المنازعات الإدارية حيث قررت:’ فيما عدا ما نص عليه هذا القانون يسري على الدعاوى المنصوص عليها فيه والأحكام الصادرة فيها وطرق الطعن في هذه الأحكام القواعد والإجراءات المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية..’. وكثير من النصوص الأخرى في القوانين الإجرائية حتى أصبح هذا المبدأ من المسلمات القانونية التي لا تقبل أي جدل أو نقاش في الفقه أو القضاء.

من حيث قواعد التفسير والقياس:

يلعب القضاء دورا كبيرا في تفسير مضامين النصوص القانونية وفقا لقواعد التفسير المنصوص عليها قانونا والمعمول بها قضاء. ومن المعلوم أن القاضي لا يقف عند حدود النص الحرفية وإلا تعرضت العدالة للضرر، بل يتعدى ذلك ويجتهد لاستنباط الحكم القانوني السليم عن طريق استجلاء المضمون الحقيقي للقاعدة القانونية بعد موازنتها مع النصوص الأخرى. فالتفسير القضائي المعتبر لبعض النصوص القانونية لا يمكن أن يكون بمعزل عن باقي النصوص الأخرى المرتبطة بها ارتباطا قد يؤثر في حقيقة مقصودها، سواء كانت هذه النصوص في ذات القانون أو في قانون آخر مرتبط به.

لذلك لا يمكن الاحتجاج بعدم وجود نص يوجب وقف سير الدعوى عند رفع الطعن أمام لجنة فحص الطعون في قانون إنشاء المحكمة الدستورية أو لائحته، والتوقف عند هذا الحد، دون الرجوع إلى قانون المرافعات المدنية والتجارية الذي يعتبر بمثابة القانون ‘ الأم’ المكمل والشريعة العامة لكل التشريعات الإجرائية لاستكمال أي قصور قانوني قد يراه القاضي.

فمن قواعد التفسير الاستنتاج عن طريق القياس بمفهوم الموافقة وهو إعطاء حكم الذي تقرره قاعدة قانونية تحكم حالة معينة لحالة أخرى لم يرد بشأنها نص تشريعي، وهذا النوع من القياس ورد بصريح تفسير المادة الأولى بالمذكرة الإيضاحية للقانون المدني التي قررت:’ ترسم المادة الأولى بفقرتها الأولى نطاق سريان النصوص التشريعية فتقضي بسريان نصوص التشريع على جميع المسائل التي ينسحب عليها حكمه، سواء استخلص هذا الحكم من منطوق النص أو من مفهومه الذي يتم الكشف عن حقيقته بطرق التفسير المختلفة..’.. كما قررت وهذا هو الأهم:’ وجدير بالذكر أن كلمة التشريع هنا تصدق على جميع أنواع التشريع سواء أكان تشريعا دستوريا أو تشريعا صادرا من السلطة التشريعية أو تشريعا فرعيا..’. وقد كان هذا إيضاحا وتفسيرا للفقرة 1 من  المادة 1 من القانون المدني التي نصت على أنه: ‘ تسري النصوص التشريعية على المسائل التي تتناولها هذه النصوص بمنطوقها أو بمفهومها…’.

وبلا أدنى جدال أن المقصود بلفظة ‘المفهوم’ هو الاستنباط بطريق القياس. وهو ما عملت به المحاكم على جميع أنواعها ومستوياتها، وهذا ما ينسحب على دعوانا الماثلة بطلب وقف نظر الدعوى لحين الفصل في الطعن المقدم لدى لجنة فحص الطعون لتوافر العلة في حالتي: الإحالة إلى المحكمة الدستورية والطعن المرفوع أمام اللجنة الذي قد ينتج عنه إحالة إلى المحكمة الدستورية، ففي كلتا الحالتين نحن بصدد شبهة دستورية، وفي كلتا الحالتين نحتاج للفصل في مسألة أولية قد يترتب عليها  تغير في ظروف الدعوى الجزائية تغيرا كليا.(انظر حسن كيرة، المدخل الى القانون، بدون طبعة، 1993، منشأة المعارف، الاسكندرية، ص 405). (انظر أيضا إبراهيم أبوالليل، أصول القانون، الجزء الأول، نظرية القانون، ط1، 2006، ص 400).

من حيث انطباق نص المادة 90 من قانون المرافعات المدنية والتجارية على الدعوى الماثلة:

يتضح من مطالعة قانون المحكمة الدستورية أنه لم يعالج مسألة صلاحية محكمة الموضوع في وقف سير الدعوى العمومية المنظورة أمامها في حال رفع طعن أمام لجنة فحص الطعون مرتبط بدستورية بعض النصوص المتعلقة بالدعوى. إلا أنه ووفقا لما تقدم في السببين السالفين رقمي (1) و (2) يجب على المحكمة اللجوء إلى قانون المرافعات المدنية والتجارية لتُستكمل به المسألة، وتحديدا نص المادة 90 منه الذي يقرر أنه: ‘ تأمر المحكمة بوقف الدعوى إذا رأت تعليق الحكم في موضوعها على الفصل في مسألة أخرى يتوقف عليها الحكم. وبمجرد زوال سبب الوقف يكون لأي من الخصوم تعجيل الدعوى.’.

وعلة وجود هذا النص متوافرة في دعوانا الماثلة، وهي أن الاستمرار في نظر الدعوى يحتاج ابتداء إلى الفصل في مسالة أولية أخرى يتوقف عليها الحكم تخرج عن اختصاص محكمة الموضوع لذلك يجب أن توقف سير الدعوى إلى حين الفصل في تلك المسالة الأولية تفاديا لضرر قد ينتج عنه تناقض في صدور الأحكام وربما عدم إمكان تدارك ذلك الضرر المادي والمعنوي الذي قد يصيب المتهمين، وهذا النص (أي نص المادة 90) ينطبق، قانونا، بلا شك دعوانا المنظورة أمام محكمتكم الموقرة، حيث مجرد ((رفع)) الطعن ((فعلا))على حكم أول درجة بخصوص عدم دستورية نص المادة 25 سالفة الذكر أمام لجنة فحص الطعون وجعله ((تحت تصرفها)) يمثل بلا أدنى شك مسألة أولية لا يستقيم الفصل في الدعوى الجزائية دون الفصل في جديته.

وهذا ما يتوافق مع صحيح القانون. (انظر عادل الطبطبائي، النظام الدستوري في الكويت، ط2، 1994، ص 926). فلا يخفى على المحكمة الموقرة تلك الآثار الوخيمة التي سوف تترتب على دعوانا المنظورة في حال تم تقييد حرية المتهمين أو إدانتهم بأي شكل من الأشكال لا قدر الله، ومن ثم تقضي المحكمة الدستورية بعدم دستورية النص المطعون عليه.

من حيث اعتبار الوقف ‘وقفا تعليقيا إجباريا’ بنص القانون:

يعتبر الوقف المنصوص عليه في المادة 90 من قانون المرافعات المدنية والتجارية ‘ وقفا تعليقيا إجباريا’ ينطبق على جميع أنواع المحاكم أيا كانت درجاتها. وهذا النوع من أنواع الوقف لا يعتبر وقفا اختياريا بل إجباريا يفرض على المحكمة بنص القانون ويجب عليها أن تأمر به من تلقاء نفسها لأن المسألة المراد الفصل فيها مرتبط ارتباطا وثيقا بالدعوى المنظورة ولكنها خارجة عن اختصاص محكمة الموضوع، لذا كان الوقف إلزاميا ولا تملك المحكمة حياله أي سلطة تقديرية. (انظر عزمي عبدالفتاح، الوسيط في قانون المرافعات الكويتي، ط 2، 2010/2011، مؤسسة دار الكتب، ص 525، 526).

ويترتب عدم على وقف الدعوى نتيجة في غاية الأهمية مؤداها: أن أي إجراء يتم يكون باطلا لحين زوال سبب الوقف. حيث لا يزول سبب الوقف إلا برفض الطعن من قبل لجنة فحص الطعون للطعن المقدم أو بصدور حكم المحكمة الدستورية. (انظر عزمي عبدالفتاح، قانون القضاء المدني الكويتي، ط 1، 2005، دار النهضة العربية، ص 616 وما بعدها).

من حيث اعتبار الدفع بوقف نظر الدعوى من المسائل الأولية:

ربما لم تأخذ مسألة وقف الدعوى أمام محكمة الموضوع حقها من البحث بصرف النظر عن النتيجة، لأنه لم يتم التوسع في طلب الوقف قانونا، وترتب على ذلك عدم التوسع قضاء في الرد على هذا الطلب، ذلك أن التسبيب القضائي غالبا ما يكون بقدر الطلب. ولربما لم يتح للمحاكم الموضوعية الوقت الكافي للفصل في هذا الدفع بشكل دقيق حيث تنظره في الغالب في غرفة المداولة، وكأن هاجس اللدد في الخصومة وتعطيل الفصل في الدعاوى هو من جعل المحاكم تخشى من وقف الدعاوى لمجرد وجود طعن مرفوع أمام لجنة فحص الطعون.

وقد يكون مدى اعتبار أن الدفع بعدم الدستورية مسألة أولية من عدمه هو من أربك تلك المحاكم، ولربما يكون هذا أهم الأسباب التي جعلت المحاكم الموضوعية ترفض وقف الدعوى، ولنا في ذلك شيء من التفصيل.

سبق أن بينا أن هذا النوع من الوقف هو وقف قانوني لا تملك تجاهه محكمة الموضوع أي سلطة تقديرية، فمتى ما ثبت أن هناك مسألة أولية خارجة عن ولاية محكمة الموضوع وجب عليها، قانونا، وقف الدعوى إلى أن يزول سبب الوقف، وإلا كانت الإجراءات التي تتخذ أثناء الوقف باطلة (راجع بند رقم 4).

كما سبق أن برهنا على انطباق نص المادة 90 من قانون المرافعات على الدفع بوقف نظر الدعوى وفقا لصحيح القانون تصريحا وتفسيرا (راجع البنود 1،2،3).

أما من حيث مدى اعتبار المسألة أولية توجب الوقف من عدمه فيجب أن نفرق بين الدفع المبدى أمام محكمة أول درجة وبين الطعن المرفوع لدى لجنة فحص الطعون في غضون نظر الدعوى أمام محكمة ثاني درجة. أي يجب أن تبقى النظرة ‘للدفع بعدم دستورية نص المادة 25’ أمام محكمة أول درجة والذي قررت رفضه مختلفة تماما عن ‘رفع الطعن (فعلا) إلى لجنة فحص الطعون’ بسبب رفض محكمة أول درجة للدفع سالف الذكر.

قد تكون المسألة دقيقة نوعا ما. بمعنى آخر إذا كان المضي في الدعوى وعدم وقفها مبرر (جدلا) لمحكمة أول درجة (رغم عدم إقرارنا بذلك) لأنها قضت بعدم جدية الدفع بعدم دستورية نص المادة 25 سالفة الذكر، فالأمر مختلف تماما أمام محكمة الاستئناف باعتبارها اتصلت بالدعوى المنظورة في وقت وجود طعن مرفوع (فعلا) أمام لجنة فحص الطعون التي (حتما) ستقضي به سلبا أو إيجابا.

ومجرد وجود طعن (مرفوع فعلا) أمام اللجنة وفقا للأوضاع المقررة قانونا يعتبر بحد ذاته مسألة من المسائل الأولية (وفقا للمادة 90 سالفة البيان) التي سوف يتوقف عليها حكم الاستئناف، لأن لجنة فحص الطعون ستنظره وتقضي به سواء بالموافقة أو الرفض، وحكم الاستئناف يتوقف على حكم لجنة فحص الطعون وسوف يتأثر به إيجابا أو سلبا. فإن قبلت اللجنة الطعن أحالته إلى المحكمة الدستورية مثقلا بشبهة الدستورية، وإن رفضته زالت أسباب الوقف.

فإن كان هذا الدفع ليس من المسائل الأولية (جدلا) لأن محكمة أول درجة ارتأت عدم جديته، إلا أنه وبمجرد تقديم الطعن (فعلا) على حكم أول درجة لدى لجنة فحص الطعون وفقا لنص المادة 4 من قانون إنشاء المحكمة الدستورية سالف البيان، بهذا الخصوص كاف بحد ذاته ليجعل من هذا الطعن مسألة أولية يمكن للمتهمين الدفع بها لوقف سير الدعوى لحين الفصل بهذا الطعن، بل أن موضوع هذا الدفع يعتبر من أولى الأولويات لما له من أثار بالغة على ظروف الدعوى لأنه يتضمن مدى دستورية النص مناط التجريم.

والقول بغير ذلك يعني أنه ليس لهذه اللجنة (المشكلة من رئيس المحكمة الدستورية وعضوية أقدم مستشارين) أي داع! وهذا يعني أن أحكام اللجنة ليست ذا قيمة مادامت محكمة الموضوع تستطيع السير في الدعوى دون الاعتداد بقضائها وهي صاحبة الاختصاص والخبرة في المسائل الدستورية أكثر من غيرها من المحاكم لخصوصية تشكيلها (مادة 8 من لائحة المحكمة الدستورية)! (انظر تركي المطيري، الجوانب الإجرائية في الدعوى الدستورية، ط1، 2012، ص 291 وما بعدها).

من حيث مقتضيات حسن سير العدالة:

هذه الجزئية بالذات لن أطيل فيها، فالمحكمة الموقرة هي الأحرص عليها، فهذا هو دورها الأصيل ‘تقديم خدمة العدالة’. ومن هذا المنطلق نحن على يقين من أنه لا يخفى على المحكمة الموقرة تلك الأضرار البالغة التي سوف يتعرض لها المتهمون في حال استمرار المحاكمة ورفض طلب الوقف (القانوني)، لاسيما وأن الطعن على دستورية نص المادة 25 سالفة الذكر (تحت تصرف) لجنة فحص الطعون، وربما تقضي بإحالته إلى المحكمة الدستورية. (مادة 1، 6 من قانون المحكمة الدستورية).

التساؤلات التي تطرح: من يقطع بعدم القضاء بعدم دستورية النص الذي سوف تتأثر دعوانا به بسبب ما لأحكام المحكمة الدستورية من شأن عام ينسحب على جميع المحاكم بمختلف أنواعها ودرجاتها؟!. وما الضير في وقف نظر الدعوى لحين الفصل في طلب عدم الدستورية؟! بل أيهما أقرب لحسن سير العدالة: المضي في دعوى قد تسقطها المحكمة الدستورية، في وقت لا يمكن فيه تدارك الأضرار التي قد تصيب المتهمين بل والعدالة برمتها، أم يُوقف نظر الدعوى لحين الفصل في الدستورية؟!

حاصل القول:

لقد حاولت يا سعادة المستشار مناقشة وتفنيد كل الآراء التي تقف كحجر عثرة أمام دفعنا بوقف نظر الدعوى وقفا إجباريا قانونيا عملا بنص المادة 90 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، حيث سيترتب على عدم الوقف بطلان إجراءات المحاكمة قانونا لتوافر أسبابه وعدم زوالها ..

هذا وما سبق أبديناه من دفع وتسبيب لا يعد طعنا على حكم أول درجة الذي قضى بعدم جدية الدفع بعدم الدستورية، لأن هذا ليس من اختصاص محكمتكم الموقرة بل من اختصاص لجنة فحص الطعون دون غيرها ( طعن 22 يونيو 2002،5/2002، مجموعة الأحكام الدستورية، المجلد الثالث، ص 492).

الطلبات:

أصليا: وقف نظر الدعوى وقفا وجوبيا بنص القانون (م.90 مرافعات) لحين الفصل في دستورية نص المادة 25 سالفة الذكر باعتبارها موضع الاتهام.
احتياطيا: تأجيل الدعوى لحين الفصل في دستورية النص المذكور.

تم بعون الله،،،

 

@DrMordhiAlayash