د. محمد المقاطع ـ خصخصة التعاونيات .. انتهاك للدستور

أفكار غريبة لا تعرف من هو مصدرها، وكيف تم تسويقها؟ ولماذا تحمست الحكومة، أو لنقل وزير فيها للأخذ بها والإعلان عن تبنيها؟ تلك بعض التساؤلات التي لا بد من طرحها مع الحديث (غير المنطقي) لخصخصة الجمعيات التعاونية التي هي في الأساس مشروعات خاصة يملكها الأهالي أفرادا من خلال منطقتهم السكنية، وهي فكرة في منبعها نشأت من الفكر التعاوني (أي التضامني) بين أهالي المنطقة السكنية لتوفير أسواق توفر لهم احتياجاتهم الحياتية الأساسية وتكون قريبة من منازلهم، ولما كانت هذه المشروعات متوقع أن تكون دخولها محدودة وبناؤها يحتاج الى تعاضد أهالي المنطقة السكنية، فقد نشأت فكرة الـ Co-Op أو التعاونيات، وهي مشروعات مملوكة للأفراد والأهالي ويكون الحق في المساهمة فيها دائما مفتوحا بقيمة اسمية ثابتة، فهي في منشئها وتكوينها ومسيرتها وملكيتها مشروعات خاصة، ولأن الدولة في دول الاقتصاد المختلط تدعم هذه المشروعات فقد وفرت لها أراضي مجانية أو بإيجارات اسمية لتوفير عوامل نجاحها بما يرفع عن الدولة القيام بهذا النشاط لتلبية احتياجات المواطنين المعيشية، وفي ظل هذا الترتيب أصدرت بعض الدول تشريعات أو لوائح لتنظيم هذا النشاط وضمان سلاسة مساره.

هذا هو الوضع القانوني لكيان الجمعيات التعاونية الذي عليه الحال في الكويت، وهو نشاط بدأ في فترة مبكرة تزامنت مع نشأة المناطق السكنية خارج السور في النصف الثاني من الخمسينات، وقد تكرست مع مرحلة وضع الدستور وأرسى أسسها في العديد من المواد والأحكام الدستورية، خصوصا المواد 18، 19، 20، 21 من الدستور التي تشجع الملكية الخاصة وتمنع الدولة من التحكم بها أو مصادرتها أو الاعتداء عليها، ولكنها تدفع الدولة لتشجيعها ووضع الضمانات والتسهيلات اللازمة لدعمها. ومن المضحك والمبكي أن تطرح الحكومة أو وزير فيها فكرة «تتناقض مع الدستور» لتخصخص ما هو أصلا «ملكية للأفراد» ولتحاول أو تجهض نشاطا اقتصاديا أهليا بكيان قانوني راسخ بـ «فكرة في مهب الريح»، بأطروحات ومبررات مضحكة (لعدم القدرة على محاسبة المخطئ أو المسيء) وهذا هو التخبط الحقيقي الذي يمكن أن تنساق له الحكومة أو أحد وزرائها.

إن شبهات دستورية وقانونية وسياسية، وربما مالية، تحوم حول فكرة «خصخصة الجمعيات التعاونية»، فنقل ملكية الأفراد رغما عنها بإعادة بيعها لتمليكها لآخرين فيها مخالفات عديدة للدستور ولا يجوز القيام بها، وقانونيا فإن الفكر التعاوني القائم على الملكية المتماثلة بين الأفراد، نظام قانوني يعزز النشاط الخاص ويسهل الملكية الخاصة، أما سياسيا فإن ذلك يعني أن الحكومة لا تفقه في فن السياسات العامة لتمس نشاطا خفف عنها مسؤوليات حياتية بصورة متوازنة ومستقرة لتدهور هذا النشاط بقرار «ساذج ومرتجل»، وهو ربما يفسر على أنه سعي ما يقود للشبهات المالية التي قد يكون هدفها التنفيع لمصلحة أطراف متضررة من التعاونيات التي هي مشروعات خاصة وناجحة. باختصار يا حكومة أوقفوا «مهزلة ما يسمى خصخصة التعاونيات».