د. سعد بن طفلة ـ فشل أوباما بمواجهة داعش

المتتبع للقراءات الخاصة بإعلان الرئيس أوباما ستراتيجيته لمواجهة داعش يدرك أن إجماعا تشكل على فشل هذه الستراتيجية غامضة المعالم والأهداف.
مراقبون يرون أن الرئيس أوباما اضطر مكرهاً لإعلان تلك “الستراتيجية” (مجازا) بعدما أظهر إرهابيو داعش فيديو جز رأسي رهينتين أميركيتين مما أثار الرأي العام الأميركي مطالبا رئيسه بمعاقبة هؤلاء القتلة، وليست هناك قناعة لدى منظري القرار الأميركي بأن للرئيس أهدافا ستراتيجية واضحة مما أعلن في خطابه.
أرسل الرئيس الأميركي وزير خارجيته جون كيري ليجوب عواصم الحلفاء بالمنطقة محاولا إقناعهم هذه المرة بأن الرئيس جاد في القضاء على داعش، ولكن يبدو أن ذلك بلا جدوى. حلفاء الولايات المتحدة، عربا وأتراكا وأوروبيين بل حتى إسرائيليين، مترددون في الوقوف المطلق مع الولايات المتحدة بقيادة أوباما، والسبب في ذلك هو تردد أوباما نفسه وانعدام الرؤية لديه بتصوره لأوضاع سوريا والعراق بعد القضاء على داعش.
حلفاء أوباما من العرب يرون أن سياسات التردد واللامبالاة تجاه النظام السوري الذي بطش بشعبه طيلة السنوات الأربع الماضية هي التي خلقت حاضنة من اليأس لداعش وغيرها من الحركات السنية المتطرفة، كما أن الدعم الأميركي لسياسات المالكي الطائفية والسكوت على مجازره ضد مناوئيه على مدى السنوات الثماني الماضية ساهمت بفعالية في خلق حواضن القهر الطائفي لمتطرفي داعش وغيرها من الحركات السنية، ناهيك عن أن اوباما لم يشر في ستراتيجيته إلى ما سيكون عليه الموقف تجاه نظام بشار الذي أدت مجازره الدامية لخلق الحالة الداعشية بشكل مباشر وآخر غير مباشر. ويتساءل حلفاء أميركا كيف أن ضرب داعش داخل سوريا لن يتم دون تنسيق مع نظام بشار وإن عن طريق طهران التي تنسق مع واشنطن في حربها على “الإرهاب” منذ الحملة على طالبان عام 2001، فالتجارب السابقة تؤكد أن طهران ترفع شعارات معاداة واشنطن ولكنها تنسق معها بالخفاء لمصالحها منذ “صفقة الكونترا” ومرورا بالحرب على طالبان وضد داعش معاً هذه الأيام.
لم يشر أوباما في ستراتيجيته لما سيكون عليه حال الحدود العراقية-السورية التي أصبحت أثرا بعد عين، ولا للحالة العراقية التي يحاول إيهام نفسه بأنها تجاوزت المحاصصة الطائفية بتبديل كراسي الحكم والحكومة ببغداد وبقاء الوضع على ما هو عليه، كما لم يشر أوباما إلى الدور الإيراني الأهم في العراق كواقع حال وخصوصا بعد انهيار الجيش في الموصل وغيرها ولعب إيران والميليشيات الموالية لها دور المقاتل على الأرض في مواجهة داعش. ونقولها بكل أسف، إن السياسات التي مارستها حكومة المالكي على مدى السنوات الثماني الماضية سبب رئيسي في ما آلت إليه الأوضاع في غرب العراق وتمهيد أساسي لتقسيم العراق لثلاثة كيانات طائفية وعرقية: سنة بالغرب وشيعة بالجنوب والوسط وكرد بالشمال الشرقي، وهنا مكمن الكابوس التركي، الحليف المسلم الوحيد للولايات المتحدة بمنظومة الناتو. الحليف التركي يتوجس خيفة من تردد أوباما بعد “قص الحبل فيهم”، كما نقول باللهجة الخليجية، العام الماضي بتحديده ساعة الصفر لضرب نظام بشار بعد استخدامه الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، فوضعوا قواتهم بالدرجة القصوى واستعدوا للتعامل مع تبعات ضربة أميركية لدمشق لم تأت، فكانت تبعات غيابها أسوأ على الشعب السوري من حدوثها، إذ كسرت معنويات الثوار وأعادت الروح للنظام وأطلقت يده بالإيغال بالقتل والتدمير بالطيران والبراميل المتفجرة. كما تتوجس تركيا خيفة من التسليح الغربي للكرد ،لأن واقع الشرق التركي هش ومتقلب وسيزداد هشاشة لو أعلن الكرد دولتهم بشمال العراق وهي الدولة التي لم يعد ينقصها سوى إعلانها. ولتركيا أزمة آنية مباشرة مع داعش حيث تحتجز أكثر من خمسين رهينة تركي من العاملين بالموصل ساعة سيطرتهم عليها قبل شهور، وتخشى أن يكون مصيرهم مثل مصير رهائن أميركا لو شاركت في حرب مفتوحة ضد داعش، ناهيك عن أن تورطها ضد داعش يعني بالتبعية التخفيف عن نظام بشار.
حتى حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيون مترددون في الدعم المطلق لأوباما، فبريطانيا تتحجج برفض البرلمان المشاركة في حرب مفتوحة مع استعدادها للمساعدة اللوجستية، وفرنسا التي كانت قد جهزت طيرانها الحربي على المدرجات العام الماضي للمشاركة في ضرب نظام الأسد غير واثقة بسياسات أوباما المترددة.
أثناء إلقاء أوباما خطاب ” ستراتيجيته” ضد داعش الأسبوع الماضي، عرج على سجل سياساته الاقتصادية المحلية وعدّد النجاحات التي أنجزها لصالح الشعب الأميركي في الداخل. خروج أوباما عن الهدف من إلقاء الخطاب استغربه بعض المتابعين، لكن متابعين آخرين ترجموه ضمن سياسات تخبط الإدارة الأميركية في هذه المرحلة تجاه تطورات المنطقة التي سمتها التردد والغموض، ولعل من المفيد أن يترجم مستشارو أوباما له هذا البيت من الشعر الذي ربما يختزل أسباب فشل “استراتيجيته” ضد داعش:

إن كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا .