داود البصري ـ الإحتلال الإيراني المقبل للعراق

في تقديرنا, ووفقا لقراءة حصيلة المؤشرات الميدانية المتفاعلة على الساحة العراقية بعد هزيمة المؤسستين, العسكرية والأمنية, للنظام القائم, والتقدم السريع للجماعات العراقية المسلحة, وهيمنتها على مناطق عراقية شاسعة في الشمال والغرب, وتهديدها بالزحف على بغداد وضربها لعمق منطقتها الخضراء, فإن الرعب الواضح والارتباك المثير قد أحاق بالطبقة السياسية التي انبثقت بعد احتلال العراق عام 2003 من عمق الجماعات المعارضة السابقة والمرتبط معظمها, روحيا وتنظيميا ومرجعيا, بالنظام الإيراني. لقد تبين الرعب والارتباك بجلاء من خلال فشل دعوة رئيس الحكومة المنتهية ولايته نوري المالكي على حمل البرلمان, وفي الوقت الضائع, على فرض إعلان حالة الطوارئ لمواجهة الأخطار المقبلة ما يعني سياسيا تفويضه إدارة وممارسة سلطة مطلقة في زمن تريد فيه القوى الطائفية المتنافسة إزاحته بالكامل عن السلطة, واختيار مرشح آخر من التحالف الوطني (الشيعي) لاستكمال الطريق ومحاولة الوصول الى حل توافقي ينهي الأوضاع العراقية الشائكة والمرتبكة. لقد تسببت سياسات نوري المالكي الصدامية, وعقليته المتخشبة الجامدة, وأساليبه الاستبدادية والفاشلة, في إدارة السلطة بحنق ورفض واستنكار تحالفه الطائفي نفسه قبل الآخرين, وهو تحالف عجز عن إركاع وردع المالكي بسبب المواقف الإيرانية المؤيدة له, والجميع في التحالف يخضع في النهاية لرأي السيد الإيراني. كما أن سياسته الفاشلة في إدارة الملفات, العسكرية والأمنية, وسوء اختياره لمستشاريه, وجلهم من الأميين والجهلة, قد تسبب بكارثة وطنية عظمى عاناها العراق, لكنه ظل يطفو على سطح الأحداث, وحقق نصرا انتخابيا في الانتخابات الأخيرة بسبب الدعم الإيراني المفتوح, والواضح, و ممالأته السياسة الإيرانية في المنطقة وتناغمه معها, خصوصا في الملف السوري ومتفرعاته, ويواجه المالكي اليوم خطر السقوط النهائي وتبعاته بسبب مسؤوليته الكاملة عن الانهيار التام في الأوضاع الامنية, و قيادته البلد نحو مشارف الحرب الأهلية الطائفية المروعة, ودعوته لتشكيل ما أسماه “الجيش الرديف”, الذي يعني أساسا تجميع العصابات الطائفية المرتبطة بالنظام الإيراني ك¯”العصائب” و”الكتائب” و”فيلق بدر” الإرهابي, و”لواء سيد الشهداء” و”أبو الفضل العباس”, وتشكيلات عصابية أخرى, للدفاع عنه, وعن نظامه, والإعلان عن سحب تلك العصابات من سورية و إعادتها الى العراق لتمارس إرهابها باعتبارها الذراع الايديولوجية, والطائفية, الضاربة للمالكي بعد أن خذلته المؤسسة العسكرية. طبعا ليس نوري المالكي من يحرك خيوط تلك الجماعات الإرهابية, بل أنه النظام الإيراني من خلال “فيلق القدس” وقائده قاسم سليماني المكلف إدارة الملف العراقي مباشرة, ومن عمق المنطقة الخضراء. الخارطة العملياتية للأحداث تؤكد حالة الرعب الإيرانية من انهيار نظام المالكي, بما يعني محاصرته بالكامل وقطع خيوطه الستراتيجية المتواصلة مع العمق السوري, وتخريب كل جهود البناء التراكمي للتأثيرات الإيرانية في العراق, وهدم الحصون, والمعابد, والقلاع الإيرانية المشيدة في العمق العراقي, وبما يؤكد أن الحرب في العراق تتجاوز البعد الداخلي, وتقفز على حالة إدارة الصراع الداخلي لتتناول ضرب النظام الإيراني في العمق, وتحجيم دوره الإقليمي, و نشوء أوضاع عراقية داخلية شبيهة بالحالة الأفغانية بعد سيطرة “طالبان” على السلطة أواخر تسعينات القرن الماضي. أي أن صانع القرار الإيراني وهو يشمر عن سواعده لدعم حكومة المالكي المنهارة, ويستدعي عناصره واحتياطياته من العراقيين في الشام وغيرها لمساندة المالكي في حربه الخاسرة يعلم جليا أن التدخل العسكري الإيراني المباشر في العمق العراقي ليس سوى مسألة وقت ليس إلا, و إن إحتمالات ونتائج ذلك التدخل قد تبدو رهيبة و حاسمة في تقرير مصير النظام الإيراني ذاته, وهو تدخل حتمي ومؤكد, ولا خيار أمام النظام الإيراني سوى التخلي عن قناع التقية والدخول والالتحام المباشر لحماية وكلائه في العراق, و بما يعني لشتداد وطيس الحرب الأهلية الطائفية, ويعمق حالة الاستنزاف المرهق الذي يعانيه النظام الإيراني بعد أربعة أعوام من الدعم, العسكري والمالي, المستمر للنظام السوري حليفه الستراتيجي في مواجهة الثورة الشعبية هناك. فيالق الخبراء العسكريين الإيرانيين في العراق لن تكون كافية لحفظ رأس نوري المالكي, كما أن الميليشيات الطائفية المقاتلة والمدعومة من الإيرانيين لن تستطيع مواجهة معارضي المالكي وجماعته, ولابد في نهاية المطاف من تدخل عسكري إيراني مباشر من فيالق الحرس الثوري سيكون بمثابة احتلال إيراني سيواجه رفضا شعبيا, عراقيا وإقليميا وحتى دوليا, و بما سيخلق “أفغانستان إيرانية” في العراق ستكون في النهاية مقبرة نهائية لنظام الولي الإيراني الفقيه. احتمالات ونهايات وصور مرعبة ستعيشها شعوب الشرق وهي ترفل في خضم صراعات خرافية ورؤى ميتافيزيقية, وتجليات رهيبة من الدمار الشامل. لقد فتحت أبواب جهنم في العراق على مصاريعها, وستكون رؤية فيالق الحرس الثوري وهي تستعرض بمشية الوزة النازية في شوارع بغداد المحتلة بمثابة صورة من الجحيم العراقي المستعر! أسطورة الخراب العراقي ستشهد كوارث الله وحده يعلم نتائجها الرهيبة, وسيغرق الإيرانيون في بحور الدم العراقية… إنها لحظات فاصلة من تاريخ الشرق الأسطوري.