خلود عبدالله الخميس ـ أولويات الـ ” حفنة ” !

Khulood Abdullah alkhames  - خلود عبدالله الخميس

ترتيب الأولويات مؤشر ثقافة وأسلوب تفكير الشعب، لذلك سأتناول بعضها هنا بتحليل بسيط طبقاً للشخصية الكويتية، لعدم اتساع المساحة لتحليل كامل وعميق ولي عودة لاحقاً.

النتائج والنسب كما تناولتها وسائل الإعلام: (1) إسكان 21%، (2) صحة 17%، (3) التعليم 13%، (4) القروض 6.5%، (5) المرأة 5.6%، (6) التنمية 5.3%، (7) زيادة الرواتب 4.9%، (8) الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد 3.8%، (9) الازدحام المروري 3.5%.

أما العينة المشاركة في الاستطلاع فهي (10551) ناخباً من (439715) يحق لهم الاقتراع من الجنسين. وتشكل العينة 2.4% من عدد الناخبين.

الأمن وتحقيق الاستقرار، توفير فرص عمل للمواطنين، المطالبات السياسية تلك ليست من الأولويات العشر للشعب الكويتي، أليست نتيجة غريبة قليلاً؟! أما الأمن فهذه نتيجة تؤكد أن المطالبات الشعبية عبر التظاهر لم تخل بالأمن الوطني، ولم تسبب أي هلع في صفوف «السكان الآمنين» كما كان يروج له لتشويهه، والأهم هو تأكيد بأن الكويتيين مازالت لديهم الأخلاقيات الأصيلة التي نشأوا عليها «الأدب العام والحفاظ على الأمن وممتلكات الوطن الخاصة والعامة» أسعدني أن الأمن مستتب في قلوب وأذهان تلك العينة وهذه بشارة.

أما عدم الاهتمام بالحصول على عمل والإصلاحات السياسية، فأول تعليق خطر علي وأنا أقرأ ترتيبهما «إحنا شعب وانتم شعب»!

كذلك في تراجع ترتيب أولوية القروض (4) والفساد (8) بينما أزمة المرور التي يتندر الناس حولها يومياً آخر الأولويات! يا للهول!

بالتأكيد أي مختص في الإحصاء سيعلم أن النتائج ليست هي رأي الشعب الكويتي، بل رأي عشرة آلاف ناخب، وهناك شريحة مهمة جداً عريضة دون 21 لا تدلي بصوتها وهي كبيرة في المجتمع وأولوياتها لم تقَس، لذلك تأتي الأولويات نتيجة لاجتهاد استطلاع محدود لا يعكس حقيقة مطالب «غالبية» الشعب، بل نسبة (2.4%) من الفئة الناخبة.

وهذا يطرح تساؤلا آخر: لماذا استخدم محدد (الناخب) ولم يستخدم (المواطن) لتتسع دائرة الرأي العام وتكون أقرب للواقع؟ هل يرى مجلس الأمة أن الناخب أهم من المواطن؟! البرلمان ممثل الشعب كله لا الناخبين فقط.

أما اعتبار السكن أعلى أولويات الناخبين فيبين أن كل تسريبات ويكيليكس لأحاديث السفيرة الأمريكية السابقة في الكويت بأنها دولة مؤقتة لم تؤتِ أكلها، فالكويتي يريد أن «يستوطن» في أرضه بالاستثمار بمسكن خاص مع علمه التام أنه سيلتزم في سبيله بقروض ثلاثة على الأقل لمدة عقدين من الزمن، أي هناك ولاء للأرض لم يستطع الفساد اقتلاعه، ولا الظلم في توزيع الثروة ردعه، ولا تقسيم الشعب وتخوين طبقة كبيرة منه خلعه، وهذه نتيجة إيجابية.

الغريب أن المواطن يقدم السكن على الصحة، وهذا مؤشر الاهتمام بالظاهر على الباطن، يمكنكم القراءة في علم النفس قليلاً لتتبع الفكرة هذه، ولمعرفة خبايا أولويات واهتمامات العقلية الكويتية.

أما التعليم فعجب أنه جاء بالمرتبة الثالثة، لأن ثقافة سلوك المجتمع تشير إلى أن التعليم آخر ما يهتم به المواطن وذلك لاعتبارات واقعية بأن «الطبقة والفئة والطائفة والقبيلة والعائلة والعلاقات مع الأسرة الحاكمة..»، وغيرهم من الأسباب غير المتعلقة «كثيراً» بالمستوى التعليمي، أن اولئك معفَون من «هذا الشرط» لبلوغ الغرض من التحصيل العلمي والشهادات الأكاديمية وهو العمل المتميز، المنصب الموافق للتخصص، التطور في السلم الوظيفي، وهنا أتكلم عن العمل الحكومي لأن السلطة التنفيذية هي المتحكمة بأضخم بندين في موازنة البلاد، الرواتب، ومناقصات الدولة، وهما الصنبوران اللذان تستخدمهما الحكومة للترهيب والترغيب في شراء واستمالة وكسب الولاءات وصارت منهجية في إدارة البلاد، وأسمِها ما شئت، ولكنهم رمزوا لها بمثل التلويح بالعصا بيد وبالجزرة باليد الأخرى، وهذا ينطبق على العموم إلا عند من رحم ربي!

عندما يقول الرجل الثاني في الدولة رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم «مشاكلنا كثيرة ومطالبنا أكثر، لكن المنطق يفرض علينا أن نكون واقعيين، فطموحاتنا الحقيقية تفوق قدرات الجهاز التنفيذي بمراحل»، فنتوقع نحن الشعب من ثاني صاحب قرار أن يكون خير ممثل لنا أمام السلطة التنفيذية لينتزع منها حقوقنا تدريجياً وطبقاً للمنهج الواقعي الذي يؤمن به ونتفق مع بعضه، مثل العمل ضمن القدرات والمراحل، ولكن يجب أن نضع نصب تجربتنا في التدرج في الإنجاز، أن الجهاز الإداري للدولة يمتلك الإمكانات للعمل بمشاريع متعددة وكبرى بالتوازي، بينما الجهاز التشريعي لا يملك القدرة، وليس الآلية، على القيام بدوره الرقابي عليها بالتوازي لأسباب كلنا يعرفها، نلخصها في النزاعات السياسية الشخصية، وأظنها سبب المدرسة الواقعية التي يتبناها الغانم.

وأخيراً، العينة عشرة آلاف لا منطق يقول إنها ممثلة للشعب الكويتي، وليته كان استفتاءً شعبياً للمواطنين وإن كان مكلفاً ويتطلب جهوداً بشرية وتقنية، إلا أنه سيكون خير مؤشر لخارطة طريق واقعية، مستدل عليها بحقائق وصدق، وستحقق نتائج مقاربة لها.

في معرض قراءتي لمشروع الاستطلاع السابق، تذكرت عندما كنتُ أقدم عرض استطلاع رأي أيضاً لشخصية تنفيذية «مهمة» لقياس أمر شعبي، كيف كان متوافقاً ومعجباً بالأطروحات العلمية في وسيلة الاستفتاء وترتيباته، وفي آخر الاجتماع وأنا أغلق اللابتوب ختم بكلمة نسفت كل العمل «حاولي ما تجيبين طاري التنمية وتوكلي على الله»!

«علتنا باطنية»!