خبراء: نقـص السـيولة وراء «حـرق الأسعار» في سوق التأمين

شركات تبحث عن موارد للوفاء بالتزاماتها بعد تدني قيم محافظها الاستثمارية

خبراء: نقـص السـيولة وراء «حـرق الأسعار» في سوق التأمين

.

 

شركات التأمين العالقة في الأسهم وتحتاج إلى سيولة ليس أمامها سوى الانتظار.
شركات التأمين العالقة في الأسهم وتحتاج إلى سيولة ليس أمامها سوى الانتظار.

قال مسؤولون وخبراء عاملون في قطاع التأمين والاستثمار، إن شركات التأمين وجدت نفسها أمام خيارات محدودة بعد تدني قيم محافظها الاستثمارية، ففضلت اللجوء إلى سياسات حرق الأسعار في سوق التأمين، لتوفير حاجتها من السيولة النقدية.

وذكروا لـ«الإمارات اليوم» أن الشركات وجدت نفسها في أكثر من وقت مضطرة للبحث عن موارد مالية للوفاء بالتزاماتها تجاه المؤمن عليهم وتكاليفها التشغيلية الجارية، بعد تراجع قيم محافظها الاستثمارية في أسواق الأسهم والعقارات، مشيرين إلى أن هذه الشركات خالفت، في أوقات سابقة، نشاطها الرئيس وهو التأمين وتحولت إلى قنوات استثمارية أخرى من دون توافر خبرة كافية.

وأضافوا أن الحل الوحيد لضبط السوق هو تطبيق القوانين، من دون ترك مجال للتهرب، لافتين إلى أن قرار هيئة التأمين الذي ينص على توزيع الاستثمارات بين القطاعات وعدم تركيزها في مجالات محددة سيسهم بدرجة كبيرة في تصحيح المسار الاستثماري لصناعة التأمين في الدولة.

فورة اقتصادية

استثمارات قطاع التأمين

أظهر تقرير هيئة التأمين حول نشاط القطاع في الدولة لعام ‬2011 أن حجم الأموال المستثمرة من جانب القطاع بلغ ‬25.6 مليار درهم، مقابل ‬27.6 مليار درهم خلال عام ‬2010.

وبحسب بيانات الهيئة، فإن نسبة ‬45.2٪ من الأموال المستثمرة تركزت في الأسهم والسندات، مقارنة بـ‬48.2٪ خلال عام ‬2010، في حين تركزت نسبة ‬34.6٪ من الأموال في الودائع، مقارنة بـ‬32.5٪ في عام ‬2010، واستحوذت الأراضي والعقارات على نسبة ‬19.8٪ مقارنةً بـ‬18.1٪.

وبلغ عدد شركات التأمين العاملة في الدولة ‬61 شركة، منها ‬34 شركة تأمين وطنية، و‬27 شركة تأمين أجنبية. فيما بلغ إجمالي حجم الأقساط المكتتبة لجميع فروع التأمين ‬24 مليار درهم، مقارنة بـ‬22 ملياراً خلال عام ‬2010، بنسبة زيادة ‬9٪.

تفصيلاً، قال الرئيس التنفيذي لشركة «الهلال الأخضر»، للتأمين، حازم الماضي، إنه «إثر الفورة الاقتصادية التي استمرت في المنطقة والعالم حتى عام ‬2008، لجأت شركات التأمين العاملة في السوق المحلية، إلى ضخ أموال كبيرة في السوق الاستثمارية، حتى أنها ابتعدت جراء ذلك من نشاطها الأساسي المتمثل في عمليات التأمين وتطويرها».

وأضاف أن «المعادلة انقلبت رأساً على عقب إثر الأزمة المالية العالمية وتراجع قيمة الأصول التي استثمرت فيها الشركات، وبالتالي وجدت الشركات نفسها أمام ظروف جديدة ظهرت آثارها أخيراً»، لافتاً إلى أن «الشركات لجأت إلى سوق التأمين والمنافسة على الأسعار للحصول على سيولة نقدية لتغطية التزاماتها تجاه المتعاملين وتكاليفها التشغيلية».

وبين أن «طبيعة الاستثمارات أيضاً كان لها دور أساسي في الظروف الجديدة التي خلفها تراجع الأسواق، فبالنسبة للشركات التي كانت محفظتها الاستثمارية مرتبطة بقطاعات يسهل التعامل معها مثل الودائع، فإنها لم تواجه صعوبات في تسييلها، ولم تواجه أزمات من هذا القبيل، على عكس الشركات، التي اعتمدت على الأسهم والعقارات في محافظها، التي وجدت من الصعب تسييل استثماراتها في أوقات هذه، على الرغم من التعافي التدريجي لهذه القطاعات».

وأوضح أن «شركات التأمين وجدت نفسها في أكثر من وقت مضطرة للبحث عن موارد مالية للوفاء بالتزاماتها، ففضلت اللجوء إلى عمليات التأمين وبيع الوثائق بأسعار تنافسية ومتدنية، على تسييل محافظها بأسعار متدنية».

وأكد أهمية إيجاد احتياطات في الشركات للخسائر المتوقعة من الاستثمارات، لتفادي أزمات كهذه، مشيراً إلى أن قرار هيئة التأمين الذي ينص على توزيع الاستثمارات بين القطاعات وعدم تركيزها في مجالات محددة سيسهم بدرجة كبيرة في تصحيح المسار الاستثماري لصناعة التأمين في الدولة.

سيولة نقدية

من جانبه، قال الأمين العام لجمعية الإمارات للتأمين فريد لطفي، إن «هناك حاجة قصوى لدى بعض الشركات للحصول على سيولة نقدية، ولذلك نجد أن أكثر القطاعات التي تشهد تنافساً كبيراً في أسعار الوثائق هما قطاع التأمين على المركبات والتأمين الصحي»، لافتاً إلى أن «بعض الشركات فضلت الإبقاء على استثماراتها وعدم تسييلها في ظل هذه الظروف، وبالتالي وجدت نفسها أمام عدد محدود من الخيارات». وذكر أن هناك «سوء إدارة في بعض الشركات من ناحية الشق الاستثماري، إلى جانب عدم وجود قوانين تضبط الشركات العاملة في السوق»، لافتاً إلى أن هناك فترة تزيد على ثلاث سنوات منذ أن تراجعت الأسواق، مضيفاً أن هذه المدة قد تكون كافية نوعاً ما لإعادة ترتيب الأوراق وتخفيف الضغط على سوق التأمين وحرق أسعار بعض المنتجات، لكن هذا لم يحصل إلى الآن.

وبين أن الحل الوحيد لضبط السوق هو تطبيق القوانين، من دون ترك مجال للشركات للتهرب منها.

عرض كبير

من جهته، قال الرئيس التنفيذي لشركة «يو أي بي» لوساطة التأمين في مركز دبي المالي العالمي جورج قبان: «لوحظ خلال السنوات الأخيرة منافسة قوية على الأسعار في مختلف قطاعات التأمين، بغرض الحصول على حصة سوقية».

وأوضح أن «شركات إعادة التأمين توفر وتسخر من جانبها طاقة استيعابية كبيرة لإعادة تأمين الأخطار في المنطقة والأسواق الناشئة، هذا إلى جانب العدد الكبير لشركات التأمين المباشر العاملة في السوق، لذلك نجد أن العرض أكبر من الطلب، وهذا من الأسباب التي أسهمت في خفض أسعار المنتجات التأمينية».

وأضاف أنه إلى جانب العرض الكبير في السوق (شركات تأمين مباشر، وشركات إعادة تأمين توفر طاقة كبيرة لها)، نجد أن حاجة شركات التأمين للحصول على السيولة النقدية ولجوئها إلى عمليات التأمين يعد عاملاً مهماً أيضاً في تراجع أسعار وثائق في السوق، بعد أن وجدت جزءاً من الشركات نفسها أمام أزمة تدني قيمة محافظها الاستثمارية ومخاطر تسييلها».

 

قرار خاطئ

من جهته، أكد المدير المالي الأول في شركة ضمان للاستثمار وليد الخطيب، أهمية تحمل من ارتكب خطأ في الماضي تبعات قراراته الخاطئة.

وقال إن «مشكلة نقص السيولة في بعض شركات التأمين، بسبب عدم قدرتها على تسييل محفظتها من الأسهم، جاء نتيجة خطأ ارتكبته هذه الشركات في البداية، وهو الانسياق لدخول أسواق الأسهم من دون دراسة المخاطر التي قد تترتب على ذلك»، موضحاً أن «هذه الشركات خالفت نشاطها الرئيس، وهو التأمين، وتحولت إلى جهة استثمارية بعد دخول أسواق الأسهم من دون توافر الخبرة الكافية، وتالياً فهي ارتكبت خطأ يجب عليها تحمل تباعاته».

وأضاف أن «توافر السيولة في الماضي لدى شركات التأمين جعلها تبالغ في دخول أسواق الأسهم، مرتكبة خطأ في تركيبة المحفظة الاستثمارية، إذ لم تراعِ تغيرات السوق وتقلبات الأسهم، وهي مخاطرة معروفة من البداية»، مؤكداً أن «هذه الشركات استغلت أموال حملة الوثائق للمضاربة (غير المدروسة) في أسواق الأسهم، ثم واجهت مشكلة لتدبير السيولة التي تغطي تعويضات التأمين بعد تراجع أسعار الأسهم وعدم قدرتها على تسييل ما لديها من أسهم بعد التراجع الحاد في أسعارها».

ونصح الخطيب هذه الشركات بعدم التسرع في بيع ما لديها من أسهم، والانتظار إلى حين تحسن الأسواق والمتوقع أن يحدث قريباً، مشدداً على أن «البيع حالياً لن يحل المشكلة، لاسيما بعد أن انخفضت قيمتها السوقية». وأكد أنه يمكن للشركات إعادة هيكلة محفظتها الاستثمارية عبر التسييل التدريجي للأسهم التي في حوزتها، لكن على مدى زمني طويل، واللجوء للأصول المضمونة العائد، مثل العقارات أو الصكوك والسندات ذات العائد المحدد».

طريقة الدخول

في السياق نفسه، قال الرئيس التنفيذي لشركة غلف مينا للاستثمار، هيثم عرابي، إن «دخول شركات التأمين للاستثمار في أسواق الأسهم لا يعد خطأ في حد ذاته، لكن المهم طريقة وتوقيت الدخول، لاسيما تركيبة المحفظة الاستثمارية، وتوقيت الحاجة للسيولة، والقدرة على تحمل المخاطرة»، موضحاً أنه «على الرغم من أن خسائر هذه الشركات جاءت بسبب ظروف خارجة عن إرادتها (الأزمة العالمية)، إلا أنه لا يمكن إنكار حقيقة أن تلك الشركات ارتكبت خطأ في البداية، وهو اتخاذ القرارات الاستثمارية بواسطة أشخاص غير مؤهلين، وليسوا على وعي كافٍ بمخاطر أسواق الأسهم».

وأكد عرابي أن «شركات التأمين العالقة في الأسهم، التي تحتاج إلى السيولة ليس أمامها سوى الانتظار، لأن البيع لن يفيد في ظل تراجع أسعار الأسهم»، مشيراً إلى ضرورة لجوء هذه الشركات إلى جهات متخصصة في الاستثمار، بحيث يمكنها اتخاذ القرارات الصائبة للبيع أو الشراء، لإخراج هذه الشركات من ورطتها المالية».