حسام السكري ـ يعيش حسني مبارك .. ويموت خالد صالح

فى أعقاب الرحيل المفاجئ للفنان خالد صالح، تداول الفيسبوكيون والمتوترون مقطعا للفيديو يعود إلى سبتمبر عام 2011، ظهر فيه الفنان الراحل وهو يعبر للمذيعة منى الشاذلي عن انزعاجه من مشهد الرئيس الأسبق مبارك في بدايات محاكمته، عندما ظهر بعينين مغمضتين خلف نظارة حالكة السواد.

كان خالد حانقا وهو يردد «يا راجل.. نايم؟!!.. مغمض في الزنزانة ونايم؟!.. مستكتر علي إنى اشوف حقى في عنيك؟!»

للأسف لم أعرف بهذا اللقاء قبل رحيله. ولو كنت شاهدته لاتصلت به لأطمئنه. الرئيس الأسبق ليس نائما. لم يكن ولن يكون. لا أقول هذا مدفوعا بعاطفة. فمن يتابع علاقة وسائل إعلامنا بالمحاكمة، سيتبين له أن الرجل وفريق دفاعه عيونهم مفتوحة ويعرفون ما يفعلون، منذ اللحظات الأولى.

تغطية المحاكمات في بلاد العالم الديمقراطى تحكمها معايير هدفها توفير أفضل المناخ لتناول عادل لمجرياتها. تختلف التفاصيل في ذلك بين الدول، ولكن يبقى الاتفاق على مبادئ تطبق بصرامة بمجرد الإعلان عن متهم في قضية ما، منها على سبيل المثال منع الترويج لمعاناة المتهم أو الإشادة به، أو حتى الإشارة للمصاعب التى سببتها القضية له أو لأسرته.

في حالتنا، تعدى الأمر مسألة التعاطف مع المتهم، إلى الإفاضة في التأكيد على بطولاته، والمناداة الصريحة بحصوله على البراءة، في بعض برامج التوك شو.

أضف إلى ذلك ما نراه من ترحيب واضح وسعى دؤوب لنشر وترويج أحاديث محاميه السيد فريد الديب، واستضافته في لقاءات تليفزيونية مطولة، يروج فيها لحجج الدفاع (في غياب حجج الادعاء). ومن الطبيعي أن يعجز المذيع (حتى لو كان راغبا) عن الرد. فهو ليس مؤهلا لممارسة مهنة غير مهنته وليس من حقه أن يتحول إلى قاض وممثل ادعاء في برنامج تليفزيوني. كل هذا يأخذ الأمر خارج أي سياق عادل للتعامل مع القضية ويؤثر بلا شك على المحاكمة والرأي العام وسير العدالة.

في بريطانيا مثلا يعتبر هذا انتهاكا للقانون وتجاوزا لقواعد التغطية الإعلامية، وهي جريمة قد تكون عقوبتها غرامة لا حد لسقفها، وعقوبات سجن للإعلاميين المسؤولين، قد تصل إلى سنتين.

هل يعني هذا تجاهل قضية بهذا الحجم؟ بالطبع لا.

فالإعلام يمكنه طوال فترة المحاكمة، تغطية كل ما يجري من وقائع داخل ساحة العدالة. وله أن يعرض ما يقدم من قرائن أو وقائع أو أدلة من قبل الدفاع أو الادعاء، ما لم هناك أمر قضائي بحظر النشر أو الإذاعة. ومن واجبه، إضافة إلى ذلك، شرح مجريات القضية وتفسير الإجراءات التى قد لا يفهمها الناس.

ما عدا ذلك هو بلا شك كفر إعلامي وأخلاقي ومهني صريح.

يعيش مبارك ويموت خالد صالح قبل أن يطمئن إلى أن مبارك وفريقه لم يناموا لحظة. فمن يغط في سبات عميق، هو مجتمع لا يستنكر انحراف مسار إعلامه، ودولة تتقاعس آلياتها عن مراعاة وتطبيق أبسط قواعد العدالة.

في الوقت نفسه يتثاءب الجمهور مللا، في انتظار مجلس إعلام وطني، نأمل في أن ينظم المشهد بقواعد تدعم العدالة والمساواة والحق في المعرفة، وألا يتحول إلى أداة جديدة لتوجيه الإعلاميين، أوعقاب الخارجين على الاصطفاف.