بهروز بهبودي ـ الإيرانيون تحرروا من “الظلم” وتورطوا بـ “الجهل”

قبل 34 عاماً في مثل هذا الشهر تأسس نظام في إيران على أساس شعارات مثل “لا شرقية ولا غربية” و”الاستقلال والحرية” وطرحَ طموحات مثل تصدير “الثورة الإسلامية” إلى أنحاء مختلفة من العالم. لكنه لم يجلب خلال هذه السنوات إلا الذلة والدمار والضياع، ولم ينجح في إيجاد الأرضية اللازمة للتطور المادي والمعنوي للإيرانيين، ولم يحقق إنجازا في السياسة الخارجية من خلال تقديم مشروع جديد للحكم يتمكن من خلاله من استقطاب الشعوب “الشقيقة” لتصدير ثورته مثل ما يدعي.
الجمهورية الإسلامية فشلت خلال السنوات الماضية في التأقلم مع النظم المتطورة العصرية وبناء علاقات مع الغرب بسبب التشدد وطريقة حكمها المؤدلج وأداء المرشد علي خامنئي، وبينما كانت تسير نحو التطور الصناعي فإنها تحولت إلى سوق لاستهلاك السلع المتدنية الصينية والتكنولوجية غير المتطورة الروسية.
أما تاريخ العلاقات بين إيران وروسيا فيحتوي على صفحات سوداء، حيث حاولت الأخيرة خلال فترات مختلفة دعم الاستبداد في إيران كما في أنحاء أخرى في الشرق الأوسط، ومن هذه الصفحات التي تتوجب التأمل كثيرا هي إبرام معاهدتي “تركمان تشاي” و”كلستان” وتورط الضباط الروس في قصف المجلس الوطني الإيراني خلال حكم القاجاريين، وكذلك بيع السلاح لإيران والعراق بشكل متزامن خلال حرب الثماني سنوات، وكذلك استغلال الوضع القائم في ظل العقوبات الدولية لفرض صفقات غير عادلة على البلد، وكأنما تحاول روسيا تحقيق أملها بالزحف للوصول إلى المياه الحرة عبر إيران.
أما مستقبل العلاقات بين إيران وروسيا فيتجلى أكثر إذا ما أمعنا النظر في علاقات الأخيرة مع الأنظمة المستبدة في المنطقة.
فما تعاني منه سوريا الآن من قتل ودمار شمل عشرات الآلاف من القتلى وتشريد الملايين من المواطنين هو نتيجة لدعم روسيا وإيران لنظام بشار الأسد. والدعم السخي الذي تقدمه موسكو لنظام الأسد منذ أكثر من سنتين يساعده في البقاء على رأس نظامه الجهنمي، إلى أن تعثر موسكو على بديل يخلفه، وقد أدت روسيا نفس الدور في تعاملها مع نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين.
وفي إيران تستغل روسيا دائما الموقع الدولي الهش لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتتظاهر بأنها الداعم الوحيد والقوي لهذا النظام أمام القوى الغربية، لتتمكن من نهب ثروات الشعب الإيراني بسهولة ولم تلتزم بأي من الاتفاقات مع إيران (منها بناء محطة بوشهر النووية وصفقة المضادات الجوية إس 300).
أما الجمهورية الإسلامية وبسبب عدم استيعابها للمصالح الوطنية وإهمالها المتعمد لهذه المصالح فقد فشلت في قطع يد روسيا من نهب ثروات البلد من خلال المصالحة مع الغرب، وهذا يعود لفقدانها الرصيد الشعبي، أما مصير هذه العلاقات فسيكون شبيها بعلاقات موسكو مع العراق وسوريا، حيث ستتخلى عن نظام الجمهورية الإسلامية وسيكون الشعب الإيراني هو الخاسر الرئيس في الصفقة المستقبلية بين روسيا والغرب حول إيران.
وكانت روسيا خلال السنوات الماضية بدعمها المتواصل للنظام الإيراني من المسببين الرئيسيين لعدم التطور الديمقراطي في البلد، وتستخدم إيران دائما كورقة رابحة في المفاوضات مع القوى الكبرى.
ونظام الجمهورية الإسلامية لم يجن المصائب للشعب من خلال سياساته الخارجية فقط، بل لم يدخر أي جهد في ممارسة الظلم ضد المواطنين من خلال سياساته الداخلية. حيث إن البرنامج النووي الذي يسعى النظام من خلاله للوصول إلى أهدافه الإرهابية قد حمل الشعب الكثير، ولم يعد بالإمكان إحصاء تكاليف هذا المشروع وجميع أبعاده المختلفة.
وتتجلى هذه المصائب أكثر عندما ندقق في الخسائر الاقتصادية التي يسلط عليها الخبراء الاقتصاديون والإعلام الضوء، وخلال الفترة القليلة الماضية رأينا طوابير طويلة من المواطنين يصطفون لاستلام حصصهم من السلع الأساسية التي توزعها الحكومة عليهم، ووردت أنباء عن مقتل بعضهم خلال محاولة الحصول على هذه السلع، وتوضح هذه الصورة الذلة التي يعيشها المواطنون بسبب سلوك النظام.
والمآسي هذه لم تكن إلا نتيجة لأداء الولي الفقيه، ومن شروط وصوله إلى هذا المنصب طبقا للدستور أن يكون “ملما بشؤون الساعة” وأن يتحلى بـ “التدبير” لكنه يستعين بأفراد لا تهمهم مصالح الشعب فيصف بعضهم العقوبات بأنها “أوراق ممزقة” ويروج الآخر بان الحظر الدولي يمثل “فرصة” للبلد. وفي ظل مثل هذا الوضع فإن مرشد الجمهورية يضطر إلى فتح المجال أمام الرئيس الجديد لينجو هو والعسكر من هوة السقوط بسبب حدة المقاطعات المفروضة على البلد.
ويطلب حسن روحاني في مثل هذا الوضع من الجامعيين والأكاديميين عدم ترك الساحة والإدلاء بآرائهم بشأن المشروع النووي، لكنه لم يشر إلى أن عددا كبيرا من الطلبة الذين انتقدوا النظام يقبعون حاليا في السجون، وتم نفي واعدام بعضهم وفي مثل هذا الوضع يتبنى المسؤولون الايرانيون مواقف متطرفة بدلا من التركيز على الاتفاق لحسم القضايا العالقة، حيث قال ظريف مؤخرا إن النظام سيعود لاستئناف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% إذا ما فشل اتفاق جنيف، وكأنه يهدد الشعب بدلا من الغرب، حيث إنه الخاسر الرئيسي بسبب هذا السلوك.
لكن السبيل الذي يسير عليه نظام الجمهورية الإسلامية لا عودة فيه، والبلد مقبل على تغيير ديمقراطي متأثر بالحراك القائم في المنطقة ويستحق الشعب الإيراني الوصول إلى الديمقراطية، حيث إنه يناضل للوصول اليها منذ عشرات السنين، رغم أنه من خلال ثورته في عام 1979 قد تحرر من “الظلم”، لكنه تورط بـ “الجهل”.