باسم يوسف يعتذر عن " مقال الأزمة "

باسم يوسف

فخور أننى أعيش فى فترة تشكل فيها الرقابة الشعبية خط دفاع أول ضد أخطاء الإعلاميين

تعاملت مع الموضوع بقدر كبير من البلاهة والتسرع والمكابرة والاستهبال

أتحمل المسئولية كاملة وأستحق كل كلمة هجوم.. وأرفض جملة «رصيدى عندكم يسمح»

ما حدث خطأ ولا تبرير لذلك

طريقة الاعتذار كانت خطأ ولا تبرير لذلك

جوهر الاعتذار كان خطأ ولا تبرير لذلك

طريقة التعامل مع الخطأ كانت كارثية ولا تبرير لذلك

أحببت أن أبدأ بهذه الكلمات حتى أنفى عن نفسى شبهة أننى أكتب هذا المقال لتبرئة نفسى من تهمة ارتكاب خطأ جسيم أو تبرير للطريقة الخاطئة التى تعاملت بها مع الموضوع.

أبدأ بطريقة الاعتذار التى كانت غير كافية. كما لم تكن على قدر الاحترام الكافى للقراء ولأى شخص آخر تابع هذه الأزمة سواء قرأ المقال أم لم يقرؤه.

العذر الذى استخدمته وهو «ضغط العمل» هو عذر غير كاف ولا يرقى إلى مستوى الحدث. فضغط العمل مستمر على مدار السنة ولا يجب أن يكون هذا تبريرا لما حدث.

العذر الآخر وهو: «نسيت» أو «سقط سهوا» هو فى الواقع استهتار واستسهال واستخدمته لتبسيط ما حدث فى وضع لا يحتمل التبسيط او الاستسهال.

(ملحوظة: السطور القليلة القادمة لا قيمة لها فى سياق ما حدث ولا تعتبر تبريرا ولكن توضيحا مفصلا لما حدث. وقد ظننت أن اعتذارا بسيطا يلخص الموضوع باستخدام جمل مثل «ضغط العمل» أو «نسيت» قد يحل المشكلة ولكنه فى الحقيقة أدى الى تفاقم المشكلة)

بدأ هذا الأمر منذ أكثر من أسبوعين حين أخبرت أستاذ شريف المعلم أننى سوف أنقل مقالا قرأته عن الأزمة الأوكرانية من منظور مختلف وأننى سوف أكتب اسم الكاتب والموقع واسم كاتب آخر قد ناقش المقال من زاوية أخرى.

الخطأ الأول هنا أنه لم يكن اقتباسا ولكنه كان أقرب إلى الترجمة. واستعنت بمقالات اخرى. وكان من المفترض كتابة ذلك بالتفصيل.

تمت كتابة المقال وإرسال نسخة إلى رسام الكاريكاتير محمد قنديل كما اعتدنا فى الأعداد الأخيرة وكانت هذه النسخة الأولية تحمل الإشارة إلى الكاتب الأصلى.

لم أذكر هذه الواقعة ولا واقعة استئذان شريف المعلم فى الاعتذار لأننى لم أكن أريد إقحام أشخاص آخرين فى المشكلة وظننت أنه إذا قلت «أنا آسف، أنا غلطان» فإن هذا سيكون كافيا.

على مدى أيام قمت بتعديل المقال أكثر من مرة ومع المسح والتعديل على النسخة الموجودة عندى تم إزالة آخر جزء وهو الذى كانت فيه هذه الإشارة. حيث كان موجودا فى ال Footer أو هامش المقال ولم أنقل الهامش فى النسخة النهائية. ولم أقم بمراجعة المقال قبل إرساله. وأعرف تماما أن ذلك شىء غبى ومتخلف وربما لا يصدق وخاصة أن ذلك يأتى من شخص يفخر بمهنية فريق عمله.

ولكن مقالات الشروق هى جهد شخصى منى ولا يساعدنى فيها أحد. والأخطاء الواردة سواء فى البحث أو الكتابة أو التحرير أو المراجعة أو وسيلة الاتصال وإرسال المقال هى أخطاء شخصية بحتة. ولم أذكر هذه التفاصيل لأننى ظننت أن «أنا آسف» و«سقط سهوا»، كافية، ولكنى كنت مخطئا.

الجزء الوحيد الذى كان يمكن أن يبرر فعلا استخدام عذر ضغط العمل هو أننى لم أدرك ما حدث الا متأخرا (مساء الثلاثاء) فبعد تسليم المقال يوم الاثنين صباحا وبعد نشره صباح الثلاثاء، انشغلت بالعمل فى الحلقة وتم تنبيهى ليلا من الأصدقاء بما يحدث.

جاءت طريقة تعاملى مع الموضوع لتحمل قدرا كبيرا من البلاهة والتسرع والذعر والمكابرة والاستهبال. فجاء التبرير وجاء التظاهر بأن الإشارة كانت موجودة «لكن انت اللى مش واخد بالك»، ثم جاء التبسيط والتسطيح فى الاعتذار سواء على تويتر او بيان الاعتذار فى الشروق.

كتبت أكثر من خمسين مقالا للشروق ولم أكن محتاجا لوضع اسمى على مقال يشرح الأزمة الأوكرانية وكانت نيتى هى أن يطلع القراء على وجهات نظر مختلفة لما يحدث.

فالمقال لا يضيف لى شيئا ولا أستفيد منه بأى مجد شخصى. فلا أنا ابيع مقالاتى بأموال طائلة ولا هى أوراق علمية أو براءة اختراع سأستفيد منها. كما أن هذا المقال كان مقروءا على الإنترنت والفيس بوك ورأيته على صفحات الأصدقاء من قبل. فلست من الغباء أن أظن أن شيئا كهذا يمكن إخفاؤه. فعلت كل ذلك بحسن نية ولكن كما نعرف كلنا فالطريق إلى الجحيم يكون مفروشا بالغباء وسوء التصرف قبل النوايا الطيبة.

من أخطائى الأخرى أننى لم أقم بالبحث الكافى عن الكاتب أو توجهاته السياسية التى ربما تكون منحازة لفكر ما. مما أثار ــ طبعا ــ المزيد من الجدل والهجوم. فكل ما رأيته فى المقال هو توضيح لضعف الاتحاد الأوروبى وأمريكا وانشغالهم بغسيل أموال الروس بدلا من الدفاع عن حقوق الإنسان. وجاء اعتذارى للكاتب لارتكاب خط مهنى ولا علاقة لذلك بأى اتجاهات سياسية.

ذكرت كل ما سبق ليس للتبرير ولكن لتوضيح حسن النية.

الآن ينتهى التوضيح ويبدأ الاعتذار الحقيقى.

كما قلت فليس هناك أى مبرر لهذا الخطأ لذلك فأنا اعتذر احتراما للقراء بدون قيد أو شرط. فما ذنب أى احد ليتحمل أخطائى الغبية فى التحرير والإرسال؟ وهذا الاعتذار يشمل من قرأوا المقالات أو من سمعوا عن المشكلة بدون ان يقرأوا أى شىء الا مقالات الهجوم.

ليس هناك أى عذر على الإطلاق لما فعلته وأتحمل المسئولية كاملة وأستحق كل كلمة هجوم أو تقريع أو سخرية.

ارفض التبرير الذى يقول إن الخطأ لا يتحمل كل هذه الضجة خاصة بعد أن اعتذرت عدة مرات بل وسخرت من نفسى فى برنامج يشاهده الكثيرون ممن لا يقرأون الصحف. فالمشكلة هنا ليست فى حجم الخطأ ولكن فى من فعلها. فإذا كنت قد استمتعت بتأييد ومساندة كبيرة من قبل واذا كان الله قد أنعم على بشهرة ضخمة وتم تدليلى بحب الكثيرين فلا يوجد خطأ صغير أو خطأ كبير، فحجم الخطأ يكون على حجم المتابعة وحجم الشهرة.

أرفض استخدام الحجة المعتادة أن هناك أشياء أكثر خطورة فى هذا البلد تستحق أن يوجه إليها كل هذا الغضب. فهذه حجة البليد وإذا اخطأت فى حقك كقارئ ومتابع، فما يحدث فى البلد من أخطاء ومصائب اخرى لا يبرر ألا تنال الاعتذار الذى تستحقه.

أرفض الجمل المحفوظة من عينة «رصيدى عندكم يسمح». فالشباب الذى يمثل جزءا كبيرا من الجمهور لن يتذكر لك المواقف التى عبرت فيها عن رأيه و سينسى كل ذلك فى لحظة واحدة ولن يساندك ولن يقف بجانبك أو يلتمس الأعذار لك. هذه هى طبيعة الحياة العامة وهذه هى الضريبة الحقيقية للشهرة. فالذبح والتحطيم ورد الفعل العنيف جزء من هذه الضريبة. وسواء أحببت ذلك أم لم تحبه، فهذا هو الواقع.

أعلم أن البعض سيظن أن الاعتذار والسخرية من نفسى فى الحلقة ليسا أمرا كافيا وأننى يجب أن اعامل نفسى كما أعامل الآخرين فأخصص حلقة كاملة على ذلك. ولكن عذرى الوحيد أننى اعتذرت أكثر من مرة وتراجعت واتخذت قرارا عمليا ستعرفونه لاحقا..

أعلم أن الكثيرين لم يتقبلوا هذا الاعتذار وأعلم أننى قد فقدت ثقة الكثيرين بلا رجعة وأعلم أن هذا الاتهام سيستمر سيفا معلقا على رقبتى وأعلم أنه سيتم استرجاع هذا الخطأ فى كل مرة أطلق تصريحا أو أدلى برأى. وهذه ايضا من طبيعة الحياة العامة وهذا هو الثمن الذى تدفعه حين تخطئ وأنت فى مكانة شعبية معينة.

أعلم أن هذا الاعتذار لن يلقى حظه فى الانتشار مثل الهجوم وأعلم أن الكثيرين لم يقرأوا المقالين ويقارنوا بينهم بدقة واستمعوا فقط للهوجة، فمثلا لن ينشر هذا الاعتذار على الصفحة الأولى فى الأهرام كما فعلوا حين نشروا الهجوم على المقال. ولن تجد له أثرا فى عشرات البرامج التى ناقشت وبالتفصيل كل شتيمة واتهام وجه لى. وأعلم أنه مهما اعتذرت سيطالب الناس بالمزيد وربما لن يستريح البعض إلا باختفائى من على ظهر الكوكب أو قطع يدى اليمنى على أقل تقدير. فبعض الناس لن يقبلوا منك اى شىء. ولكن هذه هى طبيعة الأشياء وهذه هى طبيعة البشر، وقبولك أو رفضك لهذه الطبيعة لن يغير شىء.

أتقبل كل ذلك وأرى أن ما حدث مهم لتربية النفس ودفعى لأحسن من أدائى الاعلامى تجاه الجمهور.

وإذا كانت هناك أى ميزة لما حدث فهى إظهار الأشياء على حقيقتها. نحن بشر ونحن نخطئ.

فقد رأينا على مدى السنوات الأخيرة كيف أن استخدام ألفاظ مثل «رمز» و«قائد» و«مناضل» يمكن أن تضع الكثير من التوقعات على البشر وترفعهم إلى مصاف المعصومين، ويمكن أن تتحطم الآمال والتوقعات على حقيقة الطبيعة الإنسانية التى تخطئ وتصيب وتتعلم.

كلنا نخطئ ولكن قليلين من يملكون شجاعة الاعتذار وثقافته.

أعلم أن ذلك سينعكس على البرنامج. ففى المرة القادمة التى سأنتقد فيها سلوكا مهنيا وصحفيا وإعلاميا لأى احد سوف يكون الرد: «ما بلاش انت» وربما ذلك سيكون مفيدا، فأنا لم أدع فى يوم من الأيام أننى على مرتفع أخلاقى اعلى من الآخرين. كلنا بشر وكلنا نخطئ وسخريتى مما يحدث فى البلد ليست تعنى بالضرورة أننى أفضل وأرقى وأاكثر صوابا من الآخرين.

فهدفى من البرنامج والمقالات هو ابداء رأيى فى سلوكيات وسياسات خاطئة (من وجهة نظرى) فاذا اعتذر من يفعلون ذلك فلا أساس لاستمرار الانتقاد، ولا حاجة لاستخدام الأخطاء ضد من اعترفوا بها واعتذروا عنها.

فى النهاية، لقد ارتكبت الخطأ فى هذه المساحة. وأنا أسعى لتصحيح الخطأ فى نفس المساحة.

أؤكد على عدم وجود مبرر مقبول لما حدث. ولذلك، ليتم تطبيق الكلام على ارض الواقع فقد اتخذت قرارا بالامتناع عن الكتابة لبعض الوقت للتركيز على البرنامج وإعطاء نفسى مساحة للتأمل ومراجعة الأخطاء المهنية والصحفية لتقديم خدمة أفضل للقراء.

اتخذت هذا القرار بالرغم من أننى كنت استمتع حقا بالتعبير عن نفسى فى نافذة إعلامية مختلفة. فكنت أعتبر ذلك هواية شخصية لى بعيدا عن مشكلات البرنامج.

أعرف ان هذا الفعل سيعطى فرصة للبعض الذين سيعتبرن ذلك دليلا على الاعتراف بجريمة ما، وان الاعتذار دليل عن الضعف والانهزام، ولكن هؤلاء لا يعرفون معنى ثقافة الاعتذار ولا يدركون قيمتها.

وربما يكون رد الفعل هذا مثالا يحتذى به آخرون يخطئون يوميا فى حق الوطن ومن يعيشون به وبدون أدنى خجل أو مراجعة لما يفعلونه. وهو أكثر بكثير من مما حدث هنا. فما حدث هنا هو خطأ مهنى ناتج عن سهو وحسن نية وكان الهدف منه عرض أفكار مختلفة عن قضية عالمية. فلم أقم بنشر إشاعات أو الطعن فى أعراض الناس أو اتهام أحد فى وطنيته ودينه ولم أقم بانتهاك خصوصية أحد، أو بيع الوهم للناس فى صورة أخبار كاذبة أو وعد بعلاج زائف، أو كذب وتدليس للحصول على مكاسب سياسية. لذلك أرجو ان يكون هناك ايضا رد فعل شعبى مناسب لهذه الانتهاكات اليومية التى تمر مرور الكرام.

فى النهاية أنا فخور أننى أعيش فى فترة تشكل فيها الرقابة الشعبية خط دفاع أول ضد أخطاء الإعلاميين وتجاوزاتهم. وأتمنى أن تستمر هذه الرقابة الشعبية فى الضغط على كل إعلامى أو سياسى أو شخصية عامة حين يقع الخطأ. فبالتأكيد سوف يخلق ذلك مجتمعا افضل بكثير.

بسببكم أنتم هناك ثقافة وليدة اسمها ثقافة الاعتذار. ثقافة تكبر وتقوى وتدفع كل من استفاد بالشعبية التى اعطاها له الجمهور أن يكون على قدر المسئولية وألا يكابر حين يخطئ وألا يكون الاعتذار مجرد سد خانة ولكن تقويما حقيقيا للسلوك والمهنية. أتمنى أن تنجح هذه الرقابة الشعبية فى تصويب الأخطاء الأخرى التى تملأ الإعلام والسياسة.

عندى أمل كبير.

شكرًا لكم

أراكم هنا قريبا إن شاء الله

 

 

المصدر: الشروق