المعارض السعودي السابق كساب العتيبي: السعودية تغيرت وعدت بلا قيد أو شرط

العتيبي يتحدث لـ«الحياة»

بعد 21 عاماً قضاها في بريطانيا، معارضاً ومغترباً، عاش خلالها فصولاً من النجاحات والإخفاقات كما يرويها، عاد الأسبوع الماضي إلى الرياض المعارض السعودي السابق كساب العتيبي في شكل مفاجئ، معتبراً أن «الوقت حان للعودة، وأن الأمور تغيرت، وأن الناس انخرطوا اليوم مع القيادة في مركب واحد لبناء البلاد».

ويؤكد العتيبي في الحوار الصحافي الأول الذي يجرى معه بعد وصوله إلى الرياض، أن عودته إلى المملكة «تمت من دون شرط أو قيد من السلطات المختصة»، وأن عدم وجود التزامات معينة بعد العودة من الأشياء التي حفزته للعودة إلى البلاد، ويضيف: «ليس هناك أي شرط لعودتي، وكساب السابق لن يعود، والعودة إلى الوطن هي حق شرعي وشخصي».

وعما إذا كان له تواصل مع المعارضة المتبقية في لندن، قال العتيبي: «منذ 1996 كان الانفصال الأول مع الدكتور سعد الفقيه، والانفصال الثاني مع الدكتور محمد المسعري في 2003، وكل ذلك بسبب قناعة شخصية وفكرية وسياسية».

وأعــرب العتيـــبي عــن تفاؤله بالتغييرات في السعودية: «أنا متفائل وأراها إيجابية، خصوصاً كل ما يمس المواطن، ولا يوجد منصف وعاقل إلا ويقول أن الأمور في السعودية تغيرت».

وأكد أنه ينوي الاستقرار مع أسرته «بين الرياض وعاصمة خليجية أخرى»، لافتاً إلى أنه تفاجأ بـ «عاصفة الحزم» التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين هذا الشهر لحماية الشعب اليمني وإنقاذه من التمرد الحوثي. «التعاطي السياسي السعودي تغير جذرياً، بعد أن وصل العرب إلى حال اليأس، وأنا شخصياً متفاجئ بالعاصفة، ولم أكن أتوقع ذلك إطلاقاً، وهو قرار تاريخي وشجاع وفي وقته».

ورأى العتيبي، وهو مختص في الشؤون السياسية أن خطابات الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله الأخيرة ضد المملكة، هي بمثابة «صراخ على قدر الألم، وهو يرى أحلامه تتحطم بفعل عاصفة الحزم»، مشيراً إلى أن كسر شوكة الحوثيين في اليمن مسألة وقت، وأن إيران صاحبة مشروع عقائدي في المنطقة، وأن الخلاف معها سياسي لا طائفي كما يظنه البعض:

> هل ما حدث في شأن عودة كساب إلى بلاده تحول مفاجئ وسريع بعد عقدين من المعارضة والغربة، خصوصاً في هذ الوقت؟

– ليس هناك تحول سريع، وإنما اتصالات قديمة نوعاً ما، وهناك أحاديث وأخذ ورد مع الدولة، وأشخاص محسوبين على الدولة، حتى جاء الوقت المناسب، وقت الحرب ولم الشمل، والظروف والحيثيات كلها أصبحت مناسبة لذلك، وهناك أشياء قدرية فوق طاقة الإنسان وأهدافه، والله سبحانه يريدك أن تعود في هذا الوقت، وحتى الشخص عندما كان في الخارج كان مع بلده وديرته، ولكن التحول الجسدي الآن انتقل من لندن إلى الرياض، سبقته أمور وأحاديث، لكن قُدر له أن يكون التوقيت الآن بالذات.

تجربة 21 عاماً

> ماذا عن تجربتك السابقة التي امتدت 21 عاماً خارج البلاد؟

– على المستوى الشخصي، من أكثر الأشياء التي استفدتها أن الإنسان استعاد نفسه من خلال الغربة والالتقاء بالآخرين والتجربة وثقافة الناس المختلفة والتعب في بداية السفر، وما يواجهه الإنسان من صعوبات، وكان الإنسان ينظر إلى بلده من منظار يشاهد كل الأشياء بدقة، وبنى خلال هذه الفترة قناعاته الشخصية والذاتية والفكرية والسياسية، ووجد نفسه وعرف قدراته، وبدأ من الصفر، وأصّل قناعاته الشخصية في نظرته للحياة وللآخرين أيضاً، بما فيها القناعات السياسية المتولدة لأي شخص معارض تجاه بلده أو أي بلد آخر.

النجاحات والإخفاقات

> لك تغريدة ذكرت أن التجربة مليئة بالإخفاقات والنجاحات، ماذا تعني بها؟

– كل تجربة للإنسان فيها نجاحات وإخفاقات، فما بالك بتجربة امتدت لـ21 عاماً؟ الإخفاقات إن جاز التعبير ليست بمعنى أن يدخل الإنسان في مشروع معين ويفشل فيه، أو مشروع دراسي وأكاديمي وأخفق، ليس ذلك، لأنني نجحت في ذلك وتفوقت ولله الحمد، لكن قضية الإخفاق أن الإنسان يندم على مُضي وقت من عمره لم يكن مع والديه، وكان بعيداً من أبويه، هذا الإخفاق الحقيقي الذي عشته، وهذا ما قصدته تحديداً، أضف إلى ذلك أن الصداقات الداخلية للإنسان عُدمت، وطعم الحياة وبيئة الأصدقاء والذكريات اختلفت تماماً.

العودة إلى المملكة

> لكن، هل كانت فكرة العودة تراودك طوال هذا الوقت؟

– طبيعي، والإنسان يريد أن يعود إلى «ديرته»، وفي الحقيقة أنه بعد عامين من خروجي راودتني الفكرة، لكنني كنت أضع أهدافاً معينة لدي حتى أحققها، منها إكمال الدراسة والاستقرار القانوني في بريطانيا.

> هل هناك التزامات معينة التزمت بها أمام الجهات المختصة في المملكة؟

– أبداً، وتلك من الأشياء التي حفزتني على العودة للمملكة، يعني أن ينخرط الشخص مباشرة في مجتمعه وبلده في شكل قوي، خصوصاً في موضوع «عاصفة الحزم»، فليس هناك أي شرط أو قيد، وحتى لو لم يذكر شيء، فمن الطبيعي أن الإنسان لن يعود كما كان، كساب السابق لن يعود، لأسباب معروفة، والعودة ليست بالضرورة أن الأشياء تغيرت، وعندما يرجع الإنسان إلى بلده، هذا حق شرعي وشخصي سواء تغير شيء أم لم يتغير، ولكن هناك التزامات ذاتية يستطيع الإنسان أن يقرأها، ويتعاطى معها ويوظفها إيجابياً لمصلحة بلده وقيادته مستقبلاً.

بين الرياض وعاصمة خليجية

> الأسرة في لندن حالياً، هل سيكون الاستقرار في الرياض أم هناك وجهة أخرى؟

– نقلهم سيكون إلى الرياض لاحقاً، ومنطقة الجوف صعب نقلهم إليها حالياً، بسبب ظروف توافر المدارس الأجنبية في الرياض، ومن المحتمل أن يكون انتقالنا إلى بلد خليجي آخر للاستقرار فيه بسبب الدراسة، وهذا مطروح.

> هل لمست تغيراً في الرياض خلال وجودك هذه الأيام بعد غياب طويل؟

– أنا ما عشت كثيراً في الرياض، وإنما قضيت تقريباً 4 سنوات فقط للدراسة قبل خروجي من المملكة، والتغير حصل بكل تأكيد، وهو تغير الناس أكثر من التغير في العمران، وقطعاً حدث التغير حتى في النفوس والأجيال الجديدة.

> هل ستواصل النشاط والعمل السياسي أم ستتحفظ؟

– هذا يحتاج إلى وقت للحكم عليه، لأن قناعة الإنسان لم تتغير، إنما المرحلة تغيرت، فنحن اليوم في وقت حرب، ومن الممكن توظيف النشاط السياسي لمصلحة البلاد، وإن جاز التعبير توظيف القدرات والخبرات المتواضعة للوطن والمجتمع، وليس بالضرورة أن أكون معارضاً كالسابق.

> هناك من انتقدك لمجرد إعلانك العودة إلى السعودية، خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي؟

– حق مشروع لكل إنسان أن يعبر عن رأيه، لكنني كنت أتمنى أن يكونوا موضوعيين، لماذا عدت؟ وما السبب؟ وهل تغيرت المبادئ والقيم؟ وهذا حق مطروح، لكن الخطأ هو التجريح والدخول في النوايا! وهذا لا يملكه إلا رب العالمين، فلا أحد يعرف ظروف الإنسان، ومن الطبيعي أن يكون لأي إنسان حساد وأعداء وخصوم، وهذا طبيعي في الحياة.

الأسماء المستعارة في «تويتر» على المستوى الشخصي أنا لا أتعامل معها وهي «أشباح تويترية»، وهناك خصوم تقليديون للشخص، وتعرف أن تتعاطى معهم، ولك الحق في أن تتجاهلهم، والبعض يدخل في نقاش حول المفاهيم والقيم للشخص، وما تعريف المبادئ بالنسبة لهم؟ هذه قضايا فلسفية ومن المتعب تفسيرها.

وفي نهاية المطاف العودة حق شرعي، أنا مواطن وهذه ديرتي وبلادي وأهلي وعدت لهم.

«تويتر» أهم منصة في المملكة

> كيف تقرأ مشهد الحراك السعودي اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي؟

– اليوم موقع «تويتر» بالذات، هو أهم أداة إعلامية في المملكة، وهو منصة مؤثرة وفعالة باستثناء سوء الاستغلال ونشر الإشاعات، وهناك مسؤولون لديهم حس المسؤولية، وهناك قضايا كبيرة في المملكة تعدلت من قضايا حقوق أو غيرها، ولو نبتعد فقط عن المنافع الشللية والنخبوية والفئوية والحزبية لكان أفضل، و «تويتر» اليوم يتابعه صغير الناس وكبيرهم، وهو نعمة من دون شك وليس نقمة.

> هل لك تواصل مع المعارضة المتبقية في لندن حالياً؟

– منذ عام 1996 كان انفصالي الأول مع الدكتور سعد الفقيه، وفي 2003 كان الانفصال الثاني مع الدكتور محمد المسعري، والابتعاد كان بسبب قناعة شخصية، وفكرية، وسياسية أيضاً.

تأثير المعارضة يحدده الداخل السعودي

> هل تتوقع لهم تأثيراً في المملكة؟

– ما يحدد التأثير هو الداخل السعودي، بمعنى إن كانت الأمور في الداخل السعودي إيجابية وسليمة والأمور تنسجم مع تطلعات الناس وآمالهم بالحقوق فهو تأثير محدود.

لكني لا أعتقد أن طرح المعارضة اليوم له تأثير، لأن الناس تجاوزوه، وتجاوزوا الشرعية والتكفير وغيرها، وانخرطوا اليوم في مركب واحد هم والقيادة، ويريدون أن يبنون البلاد، والموجود في الداخل له حساباته، والموجود في الخارج أيضاً له حساباته.

> هل اختلفت الأولويات اليوم في المملكة، بحيث أصبح الأمن هو الأهم؟

– بالتأكيد، وأنا متفائل بالتغييرات التي حصلت في السعودية، وأراها إيجابية جداً، خصوصاً كل ما يمس المواطن، والقضايا المتعلقة بحياة الإنسان، والتراكمات تحتاج إلى وقت حتى تُصلح، لكن في المجمل لا يوجد منصف وعاقل إلا ويقول إن الأمور في السعودية تغيرت، والتغيير ظاهر حتى في السياسة الداخلية وأيضاً الخارجية، حتى التعيينات للقيادات الشابة هو شيء إيجابي جداً جداً.

«عاصفة الحزم» قرار تاريخي

> ما رؤيتك للنشاط المتسارع للسياسة السعودية، خصوصاً بعد اتخاذ قرار «عاصفة الحزم» لحماية اليمن من التمرد الحوثي؟

– التعاطي السياسي في السعودية شهد تغييراً جذرياً بعد أن وصل الجميع إلى حال من اليأس والهزيمة، وأنا شخصياً متفاجئ بـ «العاصفة»، ولم أتوقعها إطلاقاً، إذ يئس الناس من تمدد الحوثيين المدعومين من إيران، كأن العرب مكبلون، لكن السعودية قادت زمام الأمور في هذا التحالف، وكنت أستبعد ذلك لأسباب عدة، والعاصفة اليوم خطوة جبارة وقرار تاريخي وشجاع في وقته.

كانت السياسية السعودية تعمل دوماً على الاحتواء والحياد، والآن تغيرت الأمور في دخولها بحرب مباشرة وجادة مثل هذه، وإن شاء الله سيستمر هذا الزخم ويتم التعاطي مع ذلك، بهذا التطور ذاته، وينسحب ذلك على الداخل.

> إذاً، السعودية لن تتراجع لاحقاً عن هذه القوة السياسية الجديدة.

– أنا شبه متيقن من أن موضوع اليمن سينتهي بإذن الله، وستكسر شوكة الحوثيين، ويقطع دابر المد الفارسي في اليمن، وفي ما يتعلق بالقضية السورية، هناك تحركات جادة مع تركيا لحل الملف، وهناك ضوء أخضر ربما أميركي، وهناك تقدم للمعارضة على الأرض حالياً.

الإرادة كانت غائبة لدى العرب

> لماذا برأيك تأخر العرب في مكافحة التمدد الإيراني في المنطقة منذ سقوط نظام صدام حسين، اليوم هناك شبه انتفاضة عربية تتمثل في العاصفة.

– الأسباب كثيرة جداً، وصعب أن تحصى، لكن قضية الرؤية والإرادة السياسية كانت غير موجودة لدى العرب، وإنما كان هناك اعتماد شبه كلي على أميركا في الحروب وغيرها.

الأنظمة العربية ليس لديها مشروع في الحقيقة مثل إيران التي لديها مشروع فاسد وثوري وأجندة خاصة، ربما لأن الأنظمة العربية كانت تخشى اتهامها بأن لديها مشروعاً للتوسع والتمدد وهكذا، إضافة إلى عدم الإحساس بالخطر الإيراني، وهذه من الأشياء التي أدت إلى ذلك.

> هل تتوقع أن تحد «العاصفة» في اليمن من النفوذ الإيراني في المنطقة؟

– إيران نمر من ورق، وذكرها ابن تيمية في السابق: «لا يقاتل الفرس إلا بغيرهم، وهم جبناء، ولن يحاربوا»، وإيران هي المتضرر الحقيقي اليوم من «عاصفة الحزم».

والسؤال المطروح اليوم هل سيكون هناك انتقام إيراني من أهل السنّة في الأحواز بعد العاصفة؟

أنا أعتقد أنه لو وقف العرب مع العراقيين بعد سقوط بغداد، لما حدثت أية مشكلات في المنطقة منذ تلك الفترة، ويجب أن نعلم أن أميركا لديها سياسة غير أخلاقية، ولم يتقدم الحوثيون في اليمن إلا بضوء أخضر أميركي في الحقيقة.

يجب أن يكون لدينا مشروع لنصرة شعب الأحواز المحتل، وأن نقدم له الدعم السياسي والإعلامي في المقام الأول، لأنه لا يحتاج إلى دعم عسكري، وكذلك علينا إنشاء قنوات إعلامية له ومؤتمرات وندوات سياسية، هذا كله سيقضي على الإيرانيين ويشتت جهودهم، وهذا مشروع وطني لأن الأحواز محتلة إيرانياً.

صراخ نصرالله على قدر ألمه

> كيف استمعت إلى خطابات أمين عام حزب الله حسن نصرالله المتكررة تجاه السعودية؟

– الصراخ على قدر الألم، وهو لم يخرج بهذا الزخم، إلا لأن الأمور وصلت إلى الخطورة، وأن أحلامهم تحطمت، ومن خلفه لم يعودوا يملكون إلا أن يخرجوا أزلامهم في المنطقة بتهديد السعودية وهذا انتهى زمنه.

واليوم، إيران تستجدي الحل السلمي، والحوثيون كانوا يطالبون بوقف العمليات العسكرية في بدايتها، واليوم يطالبون بالحوار، وأنا أعتقد أن المسألة في حدود أسبوعين أو ثلاثة وستنتهي الأمور في اليمن.

الحل في سورية

> هل ترى أن الأزمة في سورية ستحل قريباً؟

لو حيدت جماعة «داعش» عن الجماعات الأخرى، فسيصل الثوار إلى دمشق قريباً، المهم أن يتنازل المقاتلون عن خلافاتهم ويتحدوا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الجيش الحر، وهذا هو ما سيعجل بسقوط بشار الأسد قريباً، أما إذا استمرت الخلافات والتناحرات فستتأخر الأمور في الحسم أكثر من 10 أعوام مقبلة.

لا مصلحة في التأجيج الطائفي

> التأجيج الطائفي في المنطقة، كيف تنظر إلى خطورته واستغلاله من إيران؟

– لاحظت أن هناك تأجيجاً طائفياً غير مسبوق، ويجب أن يعرف الجميع أن مشكلتنا ليست طائفية، إنما مع إيران الصفوية التي لديها مشروع فارسي عقائدي في المنطقة، وهذا التأجيج نعتقد أنه يضرب الوحدة الوطنية ولا يخدم الوطن، وهذا الأمر سلبي، ويجب التعاطي معه، والحد من هذا الزخم الخطر، وتظل القضية مع إيران سياسية، والدخول في قضايا مذهبية أمر خاطئ، وأنا ضد التأجيج الطائفي وخلق البلبلة في المنطقة.

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر: صحيفة الحياة