المصريون عرفوا مواجهة أي انحــراف عن أهداف «ثورة يناير»

المصريون عرفوا مواجهة أي انحــراف عن أهداف «ثورة يناير»

 

التظاهرات التي أسقطت مبارك وضعت مصر على أعتاب تغيير جذري كبير.
التظاهرات التي أسقطت مبارك وضعت مصر على أعتاب تغيير جذري كبير.

خلال الأشهر الـ‬20 الأخيرة أتيحت لي الفرصة لزيارة مصر ثلاث مرات، الأولى بعد أسابيع قليلة من إطاحة الرئيس السابق حسني مبارك، ونظامه في فبراير ‬2011، والثانية في فبراير من ‬2012، والثالثة قبل نحو أسبوعين. وفي الزيارة الأولى وبعد أن نضجت تظاهرات ميدان التحرير التي كانت قد بدأت في ‬18 يناير ‬2011، في حلقة جديدة من حلقات الربيع العربي وظاهرة تاريخية لتصبح مصر على اعتاب تغيير جذري كبير، بدى المشهد عموماً كأن هذا البلد يحتفل بديمقراطية شعبية يحركها الشباب والنساء وشبكات التواصل الاجتماعي من خلال خدمات الانترنت التي يمكن عبرها حشد الآلاف بسهولة.

وخلال وقت قصير للغاية، وسرعان ما انتشرت شعارات معينة سريان النار في الهشيم مثل «حدث المستحيل»، و«لم أتوقع أن أعيش لأشهد انتفاضة الشعب المصري»، و«لم أكن في يوم من الأيام أفخر بكوني مصرياً كما أفخر اليوم»، و«استعدنا بلدنا». وعقب نجاح ثورة الياسمين في تونس كانت مصر تعيش مرحلة انتقالية من اللاعنف بعيداً عن سفك الدماء ستفضي الى تغيير جذري شامل، ولم يكن احتشاد مئات الآف في ميدان التحرير وغيره من الميادين العامة في المدن المصرية الاخرى مجرد مصادفة، وإنما تعبير عن استياء وغضب من تراكمات ممارسات فساد وسوء استخدام للسلطة وانتهاكات لحقون الانسان والحريات العامة من مبارك ونظامه على مدى سنوات طويلة. وكانت هناك سلسلة من ردود الفعل ووجهات النظر المتنوعة ازاء ما كان يحدث في مصر راوحت بين الاغتباط والامل والتشاؤم بشأن امكانية الحد من معاناة المصريين من الفقر من خلال عملية سياسية تقوم بتفكيك مؤسسات النظام السابق، وتلغي قراراته وسياساته، لتعيد بناء بنية اساسية جديدة تكون نقطة انطلاق لتقدم سياسي واجتماعي واقتصادي. وعبر أصدقاء مصريون لي عن قلقهم ازاء الوضع الاقتصادي ومخاوفهم من ابتعاد المستثمرين عن مصر، وما يمكن ان تحيكه الولايات المتحدة وإسرائيل من مؤامرات وخطط خلف الكواليس، مثل تحريض القوات المسلحة على التحرك لاحتواء القوى التي قامت بالثورة، وتسلم السلطة قبل اعادة تشكيل السلطة وهيكلتها في مصر بطريقة تحرم الجيش مما كان يتمتع به من امتيازات اقتصادية ومشروعات، وأريحية في الحركة في عهد مبارك. وفي بدايات ‬2011 وبعد ان تولى المجلس العسكري الحكم كان هناك نقاش حول ثلاثة عناصر في المشهد السياسي، الاول: ما إذا كانت القوات المسلحة ستعمل على تسهيل ارساء الديمقراطية الدستورية في البلاد، والثاني: كيفية السماح لحركة الاخوان المسلمين بالمشاركة في الحياة السياسية مع استمرار الاعتقاد بأن هذا الأمر سيكون كارثياً، اذا انتهى بسيطرتهم على عملية «الدمقرطة»، والثالث: توقعات مكثفة حول من سيكون الشخص الذي سيرفع شعلة الرئاسة حتى نهاية المرحلة الاخيرة ليدخل قصر الرئاسة. وكان هناك قدر كبير من الشكوك والجدل حول توجهات قيادة «الاخوان المسلمين»، وما يتردد عن وجود صراعات او خلافات بين قيادات الأجيال الجديدة المتحمسة للتحديث والمعاصرة والقيادات والرموز القديمة والمحافظة.

وكانت التقديرات تشير الى أن قوة «الاخوان المسلمين» تراوح بين ‬25 و ‬30٪ من دون احتساب القوى والاحزاب السلفية كقوة سياسية حليفة لها. وكان بعض الليبراليين والعلمانيين المناهضين لمبارك ونظامه قد قدروا القوة الحقيقية لـ«الاخوان المسلمين» بأنها قد تصل الى ‬40٪ او تزيد على ذلك، ما سيجعل مصر في ازمة حقيقية كبيرة. وقبل عام ونصف العام كانت مكاتب الاحصاء التابعة للقوى العلمانية والليبرالية تقدر ان «الاخوان المسلمين» سيسيطرون على العملية السياسية بالإجراءات والخطوات الديمقراطية، وهو ما سترفضه تلك القوى. وكانت هناك تقديرات مختلفة لدور الجيش الذي لا يريد التفريط بسهولة بما لديه من سلطات واسعة من خلال المجلس العسكري، حتى ولو كان في ذلك حلحلة الامور لصالح كسر حالة الجمود في الاقتصاد من خلال تحفيز القطاع الخاص وتشجيع فرص الاستثمار.

وكانت قوى المجتمع المدني المصري تشعر بالثقة والتفاؤل إزاء نيات قيادة القوات المسلحة، بشأن تسهيل وتسريع عملية الاصلاحات الدستورية المطلوبة بشكل عاجل، واقتصار دورها على الامن وحفظ النظام، وتطبيق القانون على اساس الديمقراطية السياسية. وكان هناك احساس لدى اولئك الذين يفهمون السياسة على الطريقة الليبرالية الغربية بأن الحراك الجاري ممتع في الأيام التي بلغت ذروتها في ‬25 يناير، وعدم وجود قيادة محددة واضحة المعالم أو برنامج معين، وغياب الرؤية حيث يستحيل من غير هذه الامور التعامل مع التحديات التي تنتظر البلاد. وكان الاقباط يشعرون بقلق عميق ازاء التحرك نحو احتمالات تولي «الاخوان المسلمين» والقوى الاسلامية السلطة، وتجلت ذروة هذا القلق في حملات المرحلة الاخيرة من انتخابات الرئاسة بين محمد مرسي وأحمد شفيق. وأصبح التوجه الى ميدان التحرير عملاً رمزياً قوياً للتذكير بأن الشعب المصري عرف طريقه لمواجهة أي انحراف من الحكومة او الرئيس عن خط ثورة ‬25 يناير وأهدافها. وكان هناك على ما يبدو قبولاً بالفوضى كثمن لتحول التظاهرات والاحتجاجات التي أسقطت مبارك ونظامه الى ثورة اصلية حقيقية، وليس الى ثورة مضادة بقناع اصلاحات ليبرالية شكلية خفيفة.