الكاتب السعودي حسين شبكشي ـ الكويت التي أحب والتي أخاف عليها !

أتابع بحزن وقلق الأخبار المتكررة الصادرة من الكويت عن السجال القديم الجديد بين مجلس الأمة والحكومة فيها. وأسترجع شريطا طويلا من الذكريات عن بلد مهم في العالم العربي.
تكونت في مخيلتي صورة استثنائية عن الكويت منذ الصغر؛ فأيام طفولتي وقت العيش في بيروت للدراسة كنت أسمع الهمس المحترم بين سعوديين ولبنانيين وهم يشيرون صوب بيوت فارهة في برمانا وعالية وبحمدون، ويقولون هذه بيوت الكويتيين يأتون إليها في العطل السنوية. كما كان والدي يحكي عن زملائه المتفوقين من الكويت خلال دراسته في كلية فيكتوريا بالإسكندرية التي كانت وقتها قبلة العلم المميز في العالم العربي.
وبعدها بدأت أستشعر بنفسي التميز الكويتي هذا، فكنت وأنا طفل صغير أنهمك في قراءة الصحف العربية التي كان يحضرها والدي إلى المنزل، فهي كانت النافذة الوحيدة للتعرف على ما يحدث في العوالم الأخرى، وكنت مغرما بقراءة جريدة «القبس» بشكل خاص، ومعها صحف «الرأي العام» و«الأنباء» و«السياسة»، ولكن «القبس» شكلت أرضية ثقافية بالنسبة لي، ومنها تعرفت على أخبار ناديّ المفضل القادسية ونجمي المحبوب جاسم يعقوب ومعه أرتال من الأبطال مثل فيصل الدخيل وحمد بوحمد وفاروق إبراهيم وغيرهم. وكنت أتابع أخبار «الأزرق» منتخب الكويت، وهو يحصد بطولات الخليج وكأنها حقه المشروع، وأيضا بطولة آسيا ويصل لكأس العالم. وما زلت أعتبر مباراة الكويت والعراق التي انتهت بفوز الكويت 4/2 وكان نجمها عبد العزيز العنبري أمتع مباراة شاهدتها في حياتي. وكذلك لا أنسى زيارة فريق سانتوس البرازيلي للكويت مع بيليه والتي كانت حادثة رائعة، وأيضا نجاح الكويت في جذب أهم نجوم الكرة للعب في دوريها مثل: أحمد الطرابلسي وحسن شحاتة وغيرهما.
والكويت كانت منبر الفن الخليجي الأول وبامتياز، فهي عرفت الدراما التلفزيونية وأخرجت فطاحل من النجوم مثل: سعاد عبد الله وحياة الفهد وغيرهما، وأنتجت أعمالا مثل: «درب الزلق» الذي أصبح من علامات الإنتاج العربي، وقدّم حسين عبد الرضا مسرحية «باي باي لندن» التي اعتبرت من أهم الأعمال النقدية لظاهرة الأداء الاجتماعي لفترة الطفرة في سبعينات القرن الماضي.
ومن الكويت خرجت مجلة «العربي» أهم مطبوعة ثقافية عربية بامتياز. والكويت قدمت نموذجا اجتماعيا لافتا وهو تأسيس الجمعيات التعاونية والتي تبيع أفضل البضائع بأسعار مدعومة بشكل غير مسبوق في دولة نفطية. وأفرزت الكويت مفكرين في شتى الاتجاهات، فهناك الاتجاه الفكري الحر مثل أحمد الربعي وأحمد البغدادي ومحمد الرميحي، والإسلاموي مثل محمد العوضي ونبيل العوضي والشفاف الراقي يوسف الرفاعي.
وفي مجال السياسة كانت سجالات السعدون والخطيب معروفة. وللكويت الفضل في نشر مفهوم البرلمان الحر والشعبي في فكرة «الديوانية». وعلاقة التعليم بالكويت علاقة مهمة، وكان للمرأة نصيب عظيم في شتى المجالات بما فيها الطب، ولذلك تجد نساء كويتيات محترمات من أسر كريمة كالعوضي والخرافي والمرزوق والغنيم تبوأت فيها النسوة مناصب مهمة وتخرجن من أعرق جامعات العالم مثل هارفارد وكولومبيا وكامبريدج وأكسفورد. والمرأة في الكويت وصلت للوزارة ومجلس الأمة ورئاسة الجامعة وقيادة كبرى الشركات بنجاح واقتدار.
والكويت أفرزت في الغناء نجوما مثل عبد الكريم عبد القادر ونبيل شعيل وعبد الله الرويشد وغريد الشاطئ وليلى عبد العزيز وعوض الدوخي ونوال ومحمد البلوشي وغيرهم، حتى الأغاني السعودية التي نجحت قديما مثل «أبعاد» و«أيوه» كانت الكلمات فيهما كويتية وهي المكانة التي جعلت عبد الحليم حافظ يغني فيها بالزي الكويتي أغنية كويتية، وتغني فيها أم كلثوم وفيروز.
وفي مجال الأعمال كان النجاح كويتيا، فخرجت مجاميع كويتية مهمة مثل الخرافي والغانم والسلطان والشايع، وباتت مضربا للأمثال في قصص نجاحها، وفيها بنك الكويت الوطني أحد أهم البنوك في الشرق الأوسط بلا جدال. والكويت سبقت الكل باستحداث صندوق سيادي استثماري انطلق لتوزيع الاستثمارات في كافة المجالات والدول. الكويتيون اختزلوا علاقتهم ببلادهم بتدليلهم لها بكلمة واحدة فيها المعنى كله وذلك بكلمة «الديرة» وهي كلمة جامعة وشاملة، فالكويتي يتغنى بعشق بلاده ويرفرف علمها من قلبه. فالكويت التي فيها كل ذلك يبدو أن هناك من ساستها من تناسوا كل ذلك وباتوا لا ينظرون إلا إلى الجانب السلبي والنصف الفارغ من الكوب، هذا إذا نظروا إلى الكوب نفسه أساسا. الصراع داخل البرلمان الكويتي يبدو واضحا أنه «سداد» لفواتير أخرى لا علاقة لها بالكويت نفسها، وكل الخوف أن يكون ثمن هذه الفواتير باهظا في الداخل. اللهم احفظ الكويت وأهلها من الفتن.