الكاتب السعودي جاسر الجاسر ـ البطيخ الإيراني !

بعيداً من اللغط الدائـــر حــول شبهة حقنه بمواد ضارة أو أن خنـــفساء القرعيات تمكنت منه، فإن الموقف الشعبي الغاضب يكشف عن سقوط آخر أسوار الثقة بين الطرفين، وأن الموقف الرسمي الإيراني المعادي للعرب، لغةً وممارسةً، بتر كل النوايا الحسنة، وصنع سداً من الشك والريبة. فالأمور لا تتجزأ ولا تنفصل، ومن يهددك صبح مساء لا يمكن أن يتورع عن فعلٍ يضرك، وإن كان أدنى أشكال الانتقام وأكثرها عجزاً وضعفاً.

لم تكن قصة البطيخ سوى شرارة فجّرت غيظاً كامناً، واستدعت كل التساؤلات، واسترجعت الرسائل السلبية التي جعلت العرب، وليس الخليج فقط، في مواجهة صادمة مع النظام الإيراني الذي يزيد أوجاع شعبه ومعاناته، خدمة لمشروع توسعي مستغرق في الاعتداء والضرر من دون أن يدرك أنه يأكل جسده، ويمزق أطرافه، ويراكم خسائره التي تتسع دائرتها، ويضاعف خصوماته التي لم يسلم منها سوى نظام سيد البراميل المتفجرة.

الخطر ليس في البطيخ المثقوب بل في السليم، لأن التلويث بالحقن لا يتطلب جروحاً بارزة، بل يندس بنعومة السم، فلا يكتشفه المرء إلا حال الإصابة به.

ليس مهماً أن تكون مقاطعة المنتجات الإيرانية رسمية، فالدلالة الشعبية هي الأهم والأكثر قوة، هي إعلان الرفض والصدود عن كل منتج إيراني وإن توافر في السوق بكثافة… هي الإجماع على حجم الخطر، والاستهداف الصارخ لكل ما هو عربي، ما يجعل صوت المستهلك مؤثراً وفاعلاً وحاسماً في القضية.

في بدايات «عاصفة الحزم» هدد مسؤولون إيرانيون بفرض عقوبات على السعودية، لكن المشكلة أن كل المنتجات الإيرانية مجرد هوامش على الحاجة، فلا تعدو زعفراناً وفستقاً وبضعة أشياء لا يفتقد أحد غيابها، لكنها تضر تاجراً إيرانياً قد لا يقر سياسات نظامه، وإن كان بالضرورة يتحمل تبعاتها ونتائجها. لا يمكن التجارة أن تتحرر من السياسة، وبما أن طهران كشفت عن وجه معادٍ فلا ثقة في كل ما يتبعها أو يأتي منها. العقوبات الإيرانية فكرت ثم قدرت ثم تجسدت في حرمان المعتمرين من زيارة المسجد الحرام والمسجد النبوي، وهي عقوبات مشكورة، لأنها أبعدت مخاطر الشغب والتهور كما حدث في الحج عام 1408هـ، ولا تضر السعودية لأنها تنفق على المشاعر المقدسة من دون النظر إلى أي مردود، وتؤدي دورها الأمين في التسهيل على الزوار والحجاج والمعتمرين، وتوفر لهم كل سبل الراحة التزاماً بمهمتها العظمى طلباً لرضا الكريم.

الحملة الشعبية العفوية التي يديرها مواطنو الخليج لمقاطعة المنتجات الإيرانية هي الصوت الجامع لغضبة الخليجيين، وتأكيداً لقدرتهم على التغيير من دون أن يأتيهم توجيه أو أمر. هي الرسالة الصاعقة التي تعلن الرفض لكل الممارسات الإيرانية التي اختارت العداء، وعملت على تخريب أوطانهم بكل وسيلة ظاهرة ومخفية، ولم تألُ جهداً في بث الفتنة وإشعال أوارها، وإن خابت أحلامهم في كل مرة، وكل مكان.

الخليجيون يحبون الشعب الإيراني، لكنهم لا يحتملون غطرسة وشرور نظامه الذي يضحي حتى بمواطنيه من أجل حلم كله سراب، خصوصاً بعد أن تحرك المارد السعودي وزاده دفعاً وتوغلاً في صحراء العطش والضياع.