الغانم تجاوز ” الركوع ” الى ” الانبطاح “

رغم انشغال الساحة المحلية بتداعيات الأزمة السورية ، في ظل تسارع التطورات والمواقف الدولية بشأنها ، فإن ذلك لم يفلح في التغطية على ما أثارته تصريحات رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم ، في مؤتمره الصحافي أمس الأول ، والتي فتح من خلالها النار على بعض زملائه النواب ، واتهمهم بـ «الجهل وعدم قراءة اللائحة الداخلية للمجلس ، وأنهم إذا قرأوها فإنهم لا يفهمونها» ، كما اعتبرهم أدوات لآخرين يحركونهم ، وأنهم «يصرحون بأجر ويستجوبون بأجر» .
وكان طبيعيا أن تثير هذه التصريحات ما أثارته من ردود فعل واحتجاجات شديدة اللهجة من قبل النواب الذين طالتهم الاتهامات ، بالرغم من أن أسماءهم لم ترد صراحة على لسان الغانم ، لكن كان واضحا جدا من خلال رده على السؤال الذي وجه إليه ، وإشارته إلى أن المعني «نائبة» ، أن المقصود هو النائبة صفاء الهاشم ، والتي عقبت بدورها ، معتبرة أنه إذا جاز للرئيس الغانم أن يتهم زملاءه بأن لكل تصريح يدلون به ، أو استجواب يقدمونه ثمنا ، فإنه يجوز لهم أيضا أن يبادلوه اتهاما باتهام ، ويذهبوا إلى أن ما قاله في هذا الصدد «نابع من  قناعته بأن نجاحه والمنصب الذي تقلده كان بثمن وأثمان» .
القضية إذن – كما تؤكد مصادر برلمانية – على درجة كبيرة من الدقة والحساسية ، فرئيس مجلس الأمة الحالي قد ابتدع أساليب جديدة ، لم يسبق لها مثيل في تاريخ الحياة البرلمانية .. وربما جاز الاتفاق أو الاختلاف مع فكرته التي أطلقها أخيرا ، بإجراء استبيان أو استطلاع للرأي بين المواطنين ، لتحديد أولويات المجلس ، مع أن كثيرين يرون أن الفكرة غير عملية أو مجدية ، ولا محصلة من ورائها سوى تبديد وقت وجهد البرلمان فيما لا طائل من وراءه ، ولا يسهم في خدمة العمل البرلماني الصحيح ، فضلا عن أنه يعوق المجلس عن أداء دوره الحقيقي التشريعي والرقابي ، وتحقيق الغايات والأهداف التي انتخبهم المواطنون من أجلها .
تضيف المصادر : مع ذلك يبقى هذا الموضوع مجالا للأخذ والرد ، ويمكن أن يتفق معه البعض ويختلف معه آخرون ، لكن ما لا يختلف أحد حوله هو الطريقة التي يدير بها الرئيس الغانم مجلس الأمة ، وأسلوبه «الاستفزازي» في مخاطبة زملائه ، وهو ما لم يفعله أي رئيس للمجلس منذ انطلاقته الأولى في العام 1963 ، فكل الرؤساء السابقين كانوا حريصين كل الحرص على معاملة جميع زملائهم الموافقين لتوجهاتهم السياسية أو المخالفين لها ، بتقدير واحترام بالغين ، ولا يكاد تاريخ الحياة النيابية يسجل إساءة واحدة صدرت من أي رئيس للمجلس ضد أحد من زملائه النواب ،فضلا عن محاولة تسفيه آرائهم ومواقفهم ، ودمغهم بالجهل وعدم الفهم ، واتهامهم صراحة بتنفيذ «أجندات» آخرين ، و «قبض الثمن» في مقابل ذلك .
المصادر ذاتها لفتت إلى أنه لم يكن غريبا والحالة هذه أن يطالب بعض النواب ، وفي مقدمتهم النائبتان د. معصومة المبارك وصفاء الهاشم بأن يقدم الرئيس الغانم «اعتذارا علنيا صريحا» إلى زملائه ، عبر وسائل الإعلام ، عن إساءاته الشديدة لهم ، لأنه إذا كان هو يمثل الأمة فإن زملاءه بدورهم يمثلون الأمة ، والإساءة إليهم هي إساءة لناخبيهم وللشعب الكويتي كله ، ومن ثم فإما أن يقدم الغانم الدليل القاطع على أن بعض النواب «يصرحون بأجر ويستجوبون بأجر» ، ويكشف عمن يقفون وراءهم و«يدفعون لهم» كما قال ، أو أن يعلن أنه يسحب اتهاماته ويعتذر عنها .
وأوضحت أن دائرة الاستياء من الأداء السياسي والبرلماني لرئيس مجلس الأمة آخذة في الاتساع ، خصوصا مع معارضة الكثيرين لبعض توجهاته وإجراءاته ، ومن ذلك محاولته «تقنين» الأسئلة البرلمانية الموجهة إلى الوزراء ، وهو إجراء غريب وغير مسبوق أيضا ، وقد أخفق الغانم في تبريره بالقول إن ذلك يتم لمصلحة النائب لا الوزير ، فالنواب يرفضون هذا التوجه ويعتبرونه قيدا جديدا عليهم ، في الوقت الذي يفترض عليهم ألا تكون هناك أي قيود على النائب إلا ضميره ، ومواد الدستور واللائحة الداخلية للمجلس .
تستطرد المصادر بالقول : إن هناك تساؤلات عديدة لا بد أن يجيب عنها رئيس المجلس ، أهمها : لماذا يعمد إلى الصدام مع زملائه ، فيما يفترض أن يتقرب منهم ويتودد إليهم ، ويشعرهم بأنه على مسافة واحدة من الجميع ، وأن المعيار الوحيد لديه هو الالتزام بالدستور والقانون ولائحة المجلس ، بعيدا عن «المزاجية» في النظر إلى الأشخاص ، أو «الشخصانية» في تقييمهم .
أخيرا تقول المصادر النيابية أيضا : لقد سبق أن أطلق الغانم عبارته الشهيرة «لن نركع» ، لكن الشواهد مازالت تتوالى لتوحي بأنه لم يكتف بـ «الركوع» ، وإنما وصل إلى مرحلة «الانبطاح» ، على حد التعبير الشهير الذي راج استخدامه على الساحة الكويتية خلال الفترة الماضية ، والمأمول ألا يطول أمد هذه الظاهرة ، وأن يعود رئيس المجلس إلى تحقيق التوازن المنشود في إدارته للسلطة التشريعية ، وأن يعمل بالنصيحية التي وجهها إليه أكثر من نائب ، بأن يتذكر أن «إدارة برلمان تختلف تماما عن إدارة ناد رياضي»!.

 

 

المصدر: جريدة الصباح