الصومال تتّجه نحو تأسيس الدولة

بدايات جديدة عقب عقدين من الحرب الأهلية

الصومال تتّجه نحو تأسيس الدولة

أعمال البناء والتنمية بدأت تعود تدريجياً إلى مقديشو.
أعمال البناء والتنمية بدأت تعود تدريجياً إلى مقديشو.

على الرغم من أنها تعتبر الآن نموذج الدولة الفاشلة في عصرنا، إلا أن الصومال تبدو راغبة في الخروج من البحار المتلاطمة للصراعات وعدم الاستقرار السياسي غير المنتهي الذي تعيشه منذ فترة طويلة من الزمن. وكانت الحكومة الفيدرالية الانتقالية للصومال التي تم إنشاؤها بصورة مؤقتة قبل نحو ثماني سنوات، لنقل الدولة الى وضع الدولة الدائمة، قد وصلت الى وضع الدولة الدائمة في بداية شهر سبتمبر الماضي. ولكن الأمر الذي لايزال مرئياً هو مدى اختلاف الحكم السياسي الجديد بالنظر الى ضخامة التحديات السياسية والاجتماعية والأمنية التي تواجه الدولة.

ولحسن الطالع، وبخلاف سابقاتها، فإن الحكومة الجديدة تتسلم السلطة في وقت تكون فيه الصومال قد حققت اثنين من الإنجازات الأساسية، وهما تبني دستور الدولة، وتشكيل المجلس التشريعي للدولة. وينظر الى كلا التطورين باعتبارهما خطوتين جريئتين نحو الأمام بعد وصول الوضع السياسي الى حائط مسدود في السابق. ولم يكن الطريق الطويل والصعب نحو تأسيس الدولة الكاملة في الصومال معبداً يوماً بالذهب، ولذلك فإنه يتطلب قيادة ذات كفاءة ورؤية خلاقة في جميع مناحي الحكم. وأهم هذه الأهداف القضية الأساسية المتمثلة في الأمن الوطني.

وتمكنت قوات الاتحاد الإفريقي، البالغ عددها نحو 10 آلاف جندي، التي تقاتل الى جانب الجيش الصومالي الضعيف العدة والعتاد، من دحر قوات «حركة الشباب المجاهدين» الإسلامية المتطرفة، المرتبطة بتنظيم القاعدة، الى خارج مدينة كيسمايو معقلهم الأخير.

مقديشو

ثمة بيئة استثنائية لبدايات جديدة ورغبة ملموسة في السلام، مكنتا أعضاء البرلمان الجدد من أن يبشروا بنهاية طيبة للمرحلة الانتقالية. وفي السابق كان ينظر الى المرحلة الانتقالية باعتبارها فترة فشلت فيها المحاولات الصادقة لإعادة بناء البنية التحتية والمؤسسات للحكومة، نتيجة قيود العملية الانتقالية، إضافة الى الفساد المستشري.

وعلى الرغم من الشجارات السياسية التافهة أخيراً، ترسل مقديشو، مركز الحرب الأهلية منذ عقدين من الزمن، إشارات عن الانتعاش والحيوية الاقتصادية، التي بالكاد تذكر، بما كانت عليه المدينة منتجعاً ساحلياً سابقاً، حيث يسمع صوت طرقات عمال البناء على أسطح المباني، التي حلت مكان أصوات الانفجارات والطلقات النارية التي تصم الآذان. وظهر هناك العديد من المطاعم والفنادق الجديدة، واستمرت الأعمال الأخرى بالظهور في مختلف أنحاء المدينة، بفضل رجال الأعمال المحليين وتدفق العائدات الضخمة من الصوماليين المنتشرين في شتى أنحاء العالم. ويبدو الهدوء كأنه يعود الى البلد وإن كان بوتيرة بطيئة.

ونتيجة الأمن النسبي في مقديشو، تمكنت المدينة من إجراء انتخابات تاريخية رئاسية وبرلمانية، مكنت المجتمع الدولي بقيادة السفير أوغستين ماهيغا، وهو دبلوماسي تنزاني ورئيس المكتب السياسي للأمم المتحدة في الصومال، من قيادة الصومال الى خارج الفترة الانتقالية حسب خريطة الطريق الوطنية.

طريق صعب

لطالما انتشرت الأقوال، إن القادة الذين يديرون الحكومة الانتقالية التي كانت لها اليد الطولى في اختيار لجنة التقنيين التي تسيطر على العملية الانتقالية، سينجحون في إعادة انتخاب أنفسهم مرة ثانية. وتوقع الكثيرون ان تغييراً فعلياً في القمة سيكون غير ممكن، لكن البرلمان المشكّل حديثاً، استعاد الثقة المفقودة لدى حكومة وطنية عن طريق انتخاب شخصيات مؤهلة بصورة كبيرة، على الرغم من ادعاءات الفساد.

واستفادت الحكومة الجديدة من ثلاث قواعد مؤسساتية حاسمة تستطيع ان تبني عليها وهي: دعم عمومي عريض، ودستور جديد، وبرلمان وطني فعال، لكن يجب على قادة الصومال الجدد أن يتعلموا من أخطاء الماضي. ويتعين عليهم تعلم كيفية التعاون والحلول الوسط، ووضع المصالح الوطنية قبل المصالح الفردية، إذ إن الخلافات السخيفة بين الأشخاص الذين كانوا يقودون الحكومة السابقة، أفسد وظيفة الدولة، الأمر الذي أدى الى تدخلات سافرة من كيانات اجنبية في الصومال. وإضافة الى ذلك فإن الصومال يجب أن تحافظ على حكومة تكنوقراط محدودة لا يزيد عددها على 18 وزيراً إن لم يكن اقل. وليس هناك مفهوم ممكن لدولة دائمة ذات معنى بالنسبة للصومال اذا فشلت الحكومة الجديدة في اعادة تشكيل جيش وطني قوي يحل مكان قوات الاتحاد الإفريقي، التي تحافظ على أمن الدولة. وطالما ان القوات الاجنبية هي التي تقوم بحماية الشخصيات العامة والمؤسسات الحكومية، فإن الصومال ستواصل الانتقال من شكل انتقالي الى آخر.

قلق

تعني نهاية المرحلة الانتقالية أشياء مختلفة بالنسبة لشعب مختلف أيضاً، وبالنسبة للأمم المتحدة والمجتمع الدولي، فإنهما مجرد خطوة أخرى في عملية فرض السلم في الصومال. ولايزال المجتمع الدولي يتوقع أن تقوم الحكومة الجديدة خلال السنوات الأربع المقبلة، بتطوير ما لم يلحقه التطوير خلال العملية الانتقالية، بما فيها تطوير برنامج وطني لتحديد أولويات مرحلة ما بعد المرحلة الانتقالية، وإعادة بناء قوات الأمن الصومالية، وتوسيع حكم القانون والخدمات العامة. ومن المهم أيضا اتخاذ خطوات ملموسة في مجالات مثل المصالحة الوطنية والشفافية والقضاء والمحاسبة المالية.

من ناحية أخرى، فبالنسبة للعديد من الصوماليين المبتهجين، فإنها نهاية عقدين من انعدام الدولة والتدخل الاجنبي، وبداية الدولة الدائمة القادرة على تمثيل إرادة شعبها والوقوف بحزم ضد التدخلات غير المرحب بها من قبل الجهات الأجنبية. ويرى المراقبون أن مجرد تغييرات تجميلية باسم الحكومة، والشخصيات الجديدة الحاكمة، لن يغير أشياء مهمة، لكن بغض النظر عن كل ذلك، فإن الحكومة الجديدة تحفظ ثقة العامة وتقود الدولة باتجاه المصالحة الحقيقية، وتوسع سلطة الدولة الى ما هو أبعد من مقديشو عن طريق إنشاء إدارات محلية واقليمية والترويج لمصالح جميع المناطق بصورة متساوية، والانخراط في حوار ثنائي مع «دولة أرض الصومال»، وتعيين مبعوث للترويج للعلاقات بين الشمال والجنوب.