الشيخ سالم الصباح: 85% من نفقات الكويت للرفاه

حذر وزير المالية الكويتي السابق، الشيخ سالم عبدالعزيز الصباح، من ارتفاع نسبة النفقات الجارية غير الاستثمارية، في ميزانية بلاده إلى معدل مبالغ به وصل إلى 85%.

وقال الشيخ سالم عبدالعزيز ” إنه لم يزل يتمسك بتحذيراته التي أطلقها منذ فترة زمنية طويلة، حول ضرورة كبح جماح الإنفاق الاستهلاكي في ميزانية الكويت، التي تخصص مبالغ كبيرة سنوياً للرواتب والإعانات والدعم للمواطنين.

ودعا إلى مقابلة هذا الإنفاق الجاري المهول، مع إنفاق رأسمالي (استثماري) الذي هو بالفعل ما يحتاجه الاقتصاد ويستفيد منه، ويمكن للدولة التحكم به، محذرا من تصاعد كلفة المصروفات الجارية التي من شأنها أن تعيق النمو الاقتصادي، مما يدفع الشركات والمستثمرين إلى الهجرة نحو بلدان لا تبدد معظم ميزانيتها على تحقيق مستوى مرتفع جداً من الرفاهية.

وأضاف الشيخ سالم أن هذه النفقات “يستحقها شعب الكويت الوفي، لكن يجب أن تكون ضمن أسس مدروسة تعظم المنفعة منها” ليذهب في تحذيراته إلى القول إن “مستوى الرفاهية عندما يزيد عن الحد المعقول، سوف يؤدي بحسب رأي الكثيرين إلى دفع المواطن نحو حالة من الاسترخاء والكسل وعدم الإنتاجية.. ناهيك عن طغيان حالة من عدم المسؤولية”.

النفقات تسابق الإيرادات

وعبّر الصباح، الذي كان يتولى منصب محافظ بنك الكويت المركزي، لأكثر من 25 عاماً، عن اطمئنانه للحال المالية للدولة قائلا: “دولة الرفاه لن تنتهي.. لكن يتعين اتخاذ إجراءات كفيلة باستمرار ذلك الرفاه بصورة معقولة”.

وعقد للمقارنة بين مؤشرات مالية بالغة الحساسية، عندما لفت إلى أن متوسط معدل نمو الإيرادات العامة للسنوات الـ 12 الماضية، في الكويت، قد بلغ حوالي 16.2%، بينما بلغ معدل نمو متوسط الإنفاق العام لذات الفترة حوالي 20.4%.

واعتبر أن استمرار هذه الفجوة بين النمو في الإيرادات والنفقات، واستمرار نمو الإنفاق العام بصورة أكبر من نمو الايرادات العامة على هذا النحو “يعني أن العجز المالي قادم لا محالة”.

وبالعودة إلى تحذيراته التي برر بها استقالته من منصب المحافظ لبنك الكويت المركزي، قبل توليه حقيبة وزارة المالية، جدد الصباح تأكيده على تلك التحذيرات، بالقول إن “الإيرادات النفطية، تشكل بالمتوسط نسبة بلغت حوالي 92% من إجمالي الايرادات العامة على مدى 12 سنة الماضية”.

وذكر أن حقيقة اعتماد نفقات الدولة على النفط “ظلت تُشكل مصدر قلق دائم ومستمر لدي منذ فترة زمنية طويلة، وذلك لما لها من تبعات وانعكاسات سلبية شديدة الوطأة على أوضاع البلاد المستقبلية، ما لم يتم التصدي لها ومعالجتها بشكل مهني عاجل ومتدرج ومبرمج”.

فائض بـ 46.1 مليار دولار

وتوقع الشيخ سالم عبدالعزيز أن يبلغ فائض الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2013 – 2014 بحوالي 13 مليار دينار كويتي، تعادل نحو 46.1 مليار دولار.

وذكر أن ميزانية بلاده حققت فوائض مالية مستمرة سنوياً على مدى زمني تجاوز 10 سنوات، موضحاً أن الحكومة الكويتية تقوم بتحويل تلك الفوائض إلى الهيئة العامة للاستثمار، إلى جانب نسبة سنوية مستقطعة لحساب احتياطي الأجيال المقبلة.

ورأى وزير مالية الكويت السابق، أن الفوائض الكويتية لم تتحقق بسبب أو بفضل جهد مالي تم بذله من قبل الدولة، لكنها نشأت لسببين أساسين؛ الأول مرتبط بعدم صرف كافة المبالغ المرصودة في الموازنة، والثاني متعلق بمحافظة أسعار النفط على مستويات مرتفعة نسبياً، إلى جانب زيادة كمية الإنتاج النفطي عما هو مقدر داخل الموازنة.

وفي سؤال عن الحال المالية للصندوق السيادي الذي يدير استثمارات دولة الكويت في الخارج، قال الشيخ سالم عبدالعزيز إنه “من حيث المنطق ينبغي أن يكون الصندوق قد استفاد نسبياً من التعافي الاقتصادي في الأسواق المتقدمة”.

عجز الكويت بحلول 2022

وعن تحذيرات صندوق النقد الدولي، من عجز محتمل في ميزانية الكويت بحلول 2017، قال إن بلاده يتعين عليها “أخذ مثل تلك التحذيرات محمل الجد” لكنه توقع أن ينشأ العجز، في حال عدم معالجة الخلل الهيكلي لميزانية الدولة، ابتداء من السنة المالية 2022 – 2023.

وبسؤاله عن طبيعة تلك المعالجات قال: “لابد من إحداث صدمات ايجابية على جانبي الموازنة العامة لمعالجة ذلك الخلل”.

ولخص الصورة العامة للتحديات الاقتصادية في الكويت بثلاثة محاور متشابكة، أولها تنامي الإنفاق الجاري بدون أية معالجات، واعتماد الموازنة شبه الكلي على إيراد النفط، إلى جانب زيادة السكان في مجتمع يتسم بالفتوة، ويبلغ عدد الكويتيين فيه دون سن 21 سنة حوالي 50%، سيكون لهم متطلبات ملحة ستنشأ سريعاً أبرزها فرص العمل والسكن.

وذكر أن معدل البطالة الحالي للكويتيين يبلغ نحو 6%، وإذا ما قمنا بعمل اسقاط مستقبلي لذلك المعدل، فسوف يصل إلى حوالي 23,5% في عام 2030، وهو معدل يثير القلق بلا أدنى شك.

وأشار إلى أن استمرار التوظيف الحكومي للعمالة الوطنية في الكويت، على المنوال الحالي غير المدروس، مصحوباً بالدعم المالي غير المحدود للجميع دون توجيهه لمستحقيه فقط، سيؤديان بلا شك إلى حدوث عجز مالي في الموازنة، وسوف يتزايد ذلك العجز بشكل متصاعد سنوياً.

دخل الكويتي الثالث خليجياً

وحث على إجراء تعديلات جذرية على معظم السياسات المتعلقة في جوانب مالية واجتماعية وتوعوية، مرتبطة أساساً بمجالات الإنفاق الجاري المتعاظم، وبتحسين مستويات ومجالات الإيرادات غير النفطية، وتحسين بيئة الأعمال في البلاد، وخلق فرص عمل خارج القطاع الحكومي.

وقال إن الكويت من دون الشروع بمثل تلك التعديلات والتحسينات، فإن مستوى الرفاه فيها سوف يتأثر بشكل سلبي، بل قد يبدأ مستواه المرتفع حالياً بالانخفاض ثم بالتلاشي تدريجياً.

وتحدث عن المقياس العالمي الأكثر شيوعا، بقياس مستوى الرفاه، وهو نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي، الذي تشير تقارير صندوق النقد الدولي إلى أن المواطن الكويتي كان ترتيبه الثالث في دول الخليج، بالنسبة لهذا المقياس وفق إحصاءات 2012.

لكن الشيخ سالم عبدالعزيز، يرى أن هذه المقاييس المطلقة لا تغني، عن مؤشرات أخرى مهمة قد تكون أكثر دقة في قياس مستوى الرفاه، تتمثل في وجود شبكة للرعاية الاجتماعية والصحية والتعليمية، ونظام فعال للضرائب، وعملة مستقرة، تعظم المنفعة من ثروات البلاد، وتمكن من جذب الاستثمارات.

 

 

 

 

المصدر: العربية