الإمارات تعتزم إنتاج الطاقة النظيفـــة والوقود الحيوي من الطحالب

علماء في «مصدر» يطورون سلالات منتجة للديزل الحيوي المستخدم وقوداً للسيارات والطائرات

الإمارات تعتزم إنتاج الطاقة النظيفـــة والوقود الحيوي من الطحالب

 

أحمد الحارثي: لدى الإمارات الإمكانات اللازمة لجعل الطاقة المستخرجة من الطحالب أمراً واقعاً.
أحمد الحارثي: لدى الإمارات الإمكانات اللازمة لجعل الطاقة المستخرجة من الطحالب أمراً واقعاً.

تعتزم الإمارات، اعتبار الطحالب البحرية واحداً من مصادر إنتاج الطاقة النظيفة والوقود الحيوي خلال عام ‬2020، لتنضم بذلك إلى مجموعة دول كبرى بدأت خطوات علمية وعملية لإنتاج الطاقة من الطحالب معملياً، ليصبح الوقود الحيوي المنتج من الطحالب أحد مصادر انتاج الوقود الحيوي المستخدم في محركات السيارات والطائرات، كما أنه سيصبح ذا كلفة تنافسية في المستقبل، تجعل منه أكثر جاذبية، مدعوماً بامتلاك الإمارات مقومات إنتاج هذا النوع من الوقود.

وينفذ علماء في أبوظبي حالياً، تجارب لاختبار استزراع وإنتاج الطحالب، إذ يعمل فريق بحثي من «معهد مصدر للطاقة» على مشروع لإنشاء محطة تجريبية لاختبار التقنيات التي يتم تطويرها في عملية الإنتاج، وسلالات الطحالب التي يجب إكثارها، والتي يتم اكتشافها للاستخدام في الإنتاج.

وقال باحثان من فريق «مصدر» لـ«الإمارات اليوم»، إن الطحالب المتوافرة في الإمارات فريدة من نوعها، في وقت يمكن للدولة أن تصبح فيه رائدة في صناعة الوقود الحيوي من الطحالب على مستوى العالم، مؤكدين أنه لا يوجد أي تأثير بيئي من عملية انتاج الطحالب للوقود الحيوي.

ويعد البحث عن مصادر جديدة للطاقة، ضرورة استراتيجية عالمية، خصوصاً مع ارتفاع أسعار النفط والتحولات البيئية التي يشهدها العالم، والتي تدفع بجهود ومحاولات أن يكون البديل للنفط، هو طاقة نظيفة منتجة من مصادر حيوية. وتتميز بأنها منخفضة الكلفة وذات تأثيرات أقل في صحة الإنسان وبيئته، فضلاً عن تجددها.

وبحسب مصادر علمية، فإن فوائد الطحالب لا تقتصر على إنتاج الوقود الحيوي لتزويد السيارات به، وإنما توفر منتجات تستفيد منها صناعات مواد التجميل والصناعات الغذائية الموجهة للإنسان أو للحيوانات، خصوصاً إلى مزارع الأسماك. كما يبدي قطاع الطيران اهتمامه بالوقود الطحلبي، نظراً لأنه لم يستفد حتى الآن من الوقود الحيوي المستخلص من الذرة وقصب السكر، الذي يتجمد عند الارتفاعات العالية.

وبحسب شركة «كلين إيدج» المتخصصة في مجال الطاقة، فإن من المتوقع أن يتسارع معدل الاستثمار في التقنيات النظيفة في المستقبل المنظور، لينمو الوقود الحيوي العالمي من ‬83 مليار دولار إلى ‬139 مليار دولار بحلول عام ‬2021.

طحالب فريدة

وتفصيلاً، قال الأستاذ المساعد في قسم الهندسة الكيميائية في معهد مصدر، هيكتور هرنانديز لـ«الإمارات اليوم»، إن «الطحالب المتوافرة في الإمارات فريدة من نوعها، لأنها تستطيع تحمل التغير الكبير الذي يطرأ على درجات الحرارة، كما يمكنها أن تحيا وتنمو في بيئة تتسم بدرجة عالية من الملوحة، أكثر من أي نوع آخر من الطحالب».

وأضاف أن «تلك الطحالب التي تنمو في الإمارات وفي التجمعات المائية المنتشرة بها وفي الصحارى، تُشكل مجالاً جديداً من الأبحاث»، مشيراً إلى أن «علماء في (مصدر) يسعون حالياً إلى تحديد القدرة الإنتاجية للطحالب داخل الدولة، كما يعملون مع العديد من الشركاء المحليين في القطاع، لإيجاد حلول للعقبات التي قد تواجهنا في أبحاث الطاقة».

وأوضح أن «الطحالب تم استخدامها تقليدياً في صناعة المواد الأولية، لإنتاج وقود الديزل الحيوي والـ(غازولين)، لافتاً أن استخدامها على طول فصول العالم هو واحد من أهم سماتها»، مبيناً أن معهد مصدر يجري الأبحاث لإنتاج أنواع جديدة من الوقود، يمكن استخدامها في توفير الاحتياجات المتخصصة، مثل وقود الطائرات.

وأفاد بأن «الوقود الحيوي كمشروع تجاري، فإنه لايزال في مرحلة التنفيذ والنمو»، لافتاً إلى أن «حجم رأس المال المستثمر في مشروعات التقنيات النظيفة في الولايات المتحدة في الفترة بين الأعوام ‬2001 و‬2012، بلغ نحو ‬6.576 مليارات دولار، أي ما يقارب ‬23.1٪ من إجمالي رأس المال المستثمر في مشروعات استثمارية في الولايات المتحدة خلال الفترة الزمنية نفسها».

مشروع مربح

وتوقع هرنانديز أن تبلغ كلفة إنتاج الطاقة من الديزل الحيوي المنتج من الطحالب بين ثماني دولارات و‬20 دولاراً للغالون، مشيرا إلى أن «التقنيات الحديثة ونظم الإنتاج المشترك، والمواد الغذائية المنتجة، والمستحضرات الصيدلانية، والمشروعات الكيميائية مرتفعة القيمة، تجعل الكلفة الإجمالية لإنتاج الوقود الحيوي من الطحالب مشروعاً مربحاً».

وأكد أنه «يمكن أن نشاهد بعض مخططات الإنتاج المربحة جداً على الإنترنت خلال الأعوام الأربعة المقبلة»، مضيفاً أن «الإمارات تقع في موقع فريد لإحداث تأثير قوي في مجال إنتاج الوقود الحيوي من سوق الطحالب، فضلاً عن أنها طحالب محلية تطورت لتنمو خلال نطاقات واسعة من درجات الحرارة والملوحة».

وقال إن «إنتاج الوقود الحيوي باستخدام هذه السلالات من الطحالب، لن يتعارض مع إمدادات المياه العذبة، أو مع إنتاج الأغذية في الدولة».

وأشار إلى أنه «يمكن استخدام تنمية الطحالب لصناعة الوقود الحيوي، في استكمال وتعزيز نمو صناعة الأحياء المائية في الإمارات»، موضحاً أن «جميع هذه المميزات، تجعل من الإمارات مكاناً مثالياً لتطوير طحالب على مستوى عالمي، وقادرة على المنافسة دولياً في صناعة الوقود الحيوي».

 

قاعدة معرفية

لفت هرنانديز إلى أن «المياه والحياة البحرية على طول ساحل الإمارات تعتبر سلعة ثمينة وموضع اهتمام كبير، ورعاية مستمرة، إذ توجد مصبات مياه طبيعية وشواطئ كبيرة على طول ساحلها».

وذكر أن «أي صناعة يجري تطويرها لاستخدامها في الإمارات، تحتاج إلى أن تأخذ هذه المميزات في الاعتبار عند القيام بتقييم آثارها البيئية»، مستدركاً أن صناعة الطحالب لا تحتاج للزراعة في المحيطات والبحار، إذ يمكن استخدام الأراضي غير الصالحة للسكن في الإمارات، مثل الصحراء في الأراضي الغربية، لنمو الطحالب. كما أن منشآت نمو الطحالب المصممة والمشيدة بشكل صحيح، ليس لها تأثير في النظام البيئي البحري في الخليج العربي.

وأكد أن «الإمارات تستطيع أن تصبح رائدة في صناعة الوقود الحيوي من الطحالب على مستوى العالم»، مشيراً إلى إمكانية تصدير الوقود الحيوي، فضلاً عن أن إقامة هذه الصناعة في الإمارات سيؤدي إلى بناء قاعدة معرفية فريدة لنمو الطحالب، من شأنها أن تسمح للدولة بتصدير المعرفة الفنية الضرورية للمساعدة على تنفيذ هذه الصناعة في أماكن أخرى من العالم.

دور عالمي

قال هرنانديز إن «هناك دفعة كبيرة لإنشاء صناعة الوقود الحيوي من الطحالب في كثير من الدول»، لافتاً إلى أن «الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي، وأستراليا من أوائل الدول التي بدأت في استخدام الطحالب لإنتاج الوقود الحيوي، في وقت بدأت فيه الصين والهند ودول الشرق الأقصى أخيراً، باستثمارات كبيرة في سوق الوقود الحيوي، للمساعدة على تلبية احتياجاتها المتزايدة من الطاقة». وتوقع أن تضاعف هذه الدول من قدرتها على إنتاج الوقود الحيوي واستخدامه في العقد المقبل.

زراعة الخلايا

من جانبه، قال الباحث المساعد في برنامج الهندسة الكيميائية في معهد مصدر للطاقة، أحمد الحارثي، إن «إنتاج الطحالب يتم عن طريق زراعة خلايا سلالة الطحالب المراد انتاجها في أحواض مائية مصممة لهذا الغرض، وليس عن طريق جمعها من البيئة البحرية»، مشيراً إلى أنه لا توجد أي علاقة بين حجم الطحالب الدقيقة، وبين القدرة على إنتاجها.

وأضاف أن «هناك أنواعاً متعددة من صور الطاقة التي يمكن استخراجها من الطحالب، وأهمها الديزل الحيوي، ووقود الطائرات، إضافة إلى إمكانية استخراج الـ(إيثانول)، والغاز الحيوي، وغاز الهيدروجين»، متوقعاً أن يصل حجم الاستثمارات العالمية في هذا القطاع إلى ‬1.6 مليار دولار خلال العامين المقبلين.

وأوضح أن «شركة (إكسون موبيل) النفطية، استثمرت مثلاً نحو ‬600 مليون دولار، لإنتاج الوقود الحيوي باستخدام الطحالب»، لافتاً إلى أن «الاستثمارات في الإمارات ومنطقة الخليج في هذا المجال، لاتزال في مراحلها الأولية».

كلفة الإنتاج

نبّه الحارثي إلى أن تقنيات إنتاج الوقود من الطحالب لاتزال في بداياتها، لذلك، فإن كلفة الإنتاج مكلفة وأعلى من سعر البيع العالمي للوقود الأحفوري، إذ يقارب معدل تكلفة انتاج الوقود الحيوي ‬10 دولارات للغالون الواحد، بينما يصل سعر غالون الديزل في أسواقنا إلى ‬3.1 دولارات».

وأكد أنه «مع التطور المستمر في التقنيات، واكتشاف سلالات طحالب أكثر قدرة على إنتاج الزيوت اللازمة لإنتاج الوقود، والهندسة الوراثية للسلالات المتوافرة، فإن سعر الإنتاج في تناقص مستمر، مقابل الارتفاع المستمر في أسعار المشتقات النفطية».

وذكر أن «لدى الإمارات الإمكانات اللازمة لجعل الطاقة المستخرجة من الطحالب أمراً واقعاً، إذ إنها تملك تشكيلة من العوامل التي قد تضعها في مقدمة الدول المنتجة للوقود الحيوي مستقبلاً، بعد أن كانت فكرة الوقود الحيوي في الإمارات شبه مستحيلة في الماضي».

طحالب دقيقة

وقال إن «إنتاج الجيلين الأول والثاني من الوقود الحيوي، يتم في الدول الزراعية مثل البرازيل، والولايات المتحدة، باستخدام محصولات زراعية مثل الذرة، وقصب السكر، وزيت النخيل، والمخلفات النباتية، إذ يتوافر لدى هذه الدول الماء العذب، والأجواء المعتدلة، والأراضي الصالحة للزراعة».

وأوضح أنه «في ما يتعلق بالطحالب الدقيقة، فإن العديد من سلالات الطحالب الدقيقة تفضل الأجواء الدافئة والشمس الساطعة والمياه المالحة، كما أنها تنمو في أحواض مائية، ولا تحتاج بالتالي إلى أي أراضٍ زراعية»، مؤكداً أن جميع هذه العوامل تتوافر لدينا، ما يجعل الطحالب مورداً طبيعياً سيتحتم علينا استغلاله الآن أو مستقبلاً.

تأثير بيئي

أشار الحارثي إلى أن للطحالب استخدامات أخرى مثل: انتاج المستحضرات الدوائية والتجميلية والغذائية، وعلف (مصدر غذائي) لمزارع الأسماك، مضيفاً أن جميع هذه المجالات تدخل ضمن خطط فريقنا البحثي لاستغلال هذا المورد بالشكل الأمثل.

وأكد أنه لا يوجـد أي تأثير بيئي من انتاج الطحالب، لاستخدامها في الطاقة، إذ إن الإنتاج يتم في أحواض مائية أو عبر مفاعلات ضوئية منفصلة تماماً عن البيئة البحرية»، مستدركاً أن التحدي الوحيد المحتمل، يكمن في استخدام سلالات غير محلية، إذ أصبح من الممكن تسريب بعض هذه السلالات إلى البيئة البحرية، فتحدث خللاً في توازنها، ولذلك، فإن جميع أبحاث الفريق في معهد مصـدر تركز على اكتشاف واستخدام سلالات محلية من الثروة البرية والبحرية في بيئتنا.

مشروعات خليجية

قال الحارثي إن «فريق البحث في معهد مصدر، يسعى لأن تصبح الإمارات من الدول المصدرة لهذا النوع من الطاقة إلى بقية دول العالم في المستقبل»، موضحاً أن ذلك لايزال مبكراً، كون هذه البحوث في خطواتها الأولى.

وأضاف أنه لا يوجد الآن، أي إنتاج فعلي للوقود الحيوي المسـتخرج من الطحالب على مستوى تجاري، إلا أنه توجد محطات تجريبية لاختبار التقنيات والسلالات الجديدة في العديد من الدول مثل الولايات المتحدة، وأستراليا، وتايلاند، واليابان، وحتى دول لا تحصل على كفايتها من الشمس مثل هولندا.

وأكد أنه «في منطقة الخليج العربي، فإنه توجد مشروعات عدة متعلقة بالطحالب، مثل مشروعات تنمية الطحالب لمزارع الأسماك، والروبيان، في الكويت والسعودية، وبناء محطة اختبار تجريبية لمشروع الوقود الحيوي في قطر.

وذكر أنه «يوجد في الإمارات مشروع لاختبار نمو الطحالب في جزيرة (الفطيسي)، ومحطة مصغرة في جامعة الإمارات، كما أن فريق مصدر البحثي يهدف لإنشـاء محطة تجريبية لاختبار التقنيات التي نطورها والسلالات التي نكتشفها».