احمد السعدون .. ترجمان دستوري يجمع المجد بين طرفي الرئاسة والزعامة

من بين عشرات البرلمانات التي جاءت ورحلت على وقع أزمات سياسية منذ أول برلمان منتخب في العام 1962، ثمة أسماء حاضرة يصعب أن يعالج أي حدث كويتي من دون تناولها , لا تزال كلمته الشهيرة في قاعة البرلمان الكويتي في العام 1999، بعد أن خسر للمرة الأولى منذ العام 1985 رئاسة البرلمان الكويتي أمام جاسم عبد المحسن الخرافي، ترن في آذان كل من كان حاضرًا ، براقب رباطة جأشه وهو يواجه تيارًا رسميًا عريضًا في الدولة الكويتية يريد إزاحته عن الركن البرلماني المهم.    فقد تعهد السعدون في كلمته تلك، التي صفق لها خصومه قبل محبيه، بالإستمرار في الوفاء للديمقراطية سواء كان موقعه في سدة الرئاسة أو في أي مكان آخر. ولم يهمل أي فرصة لإستعادة موقعه السابق الذي يتيح له الإتصال المباشر بالقيادة السياسية، وليكون لاعبًا رئيسيًا في المعادلة السياسية الداخلية، لكن الفيتو عليه من جهات رسمية وازنة في الداخل الكويتي كانت تُعطّل برمجيات تخطيطه.    ويقول أنصاره صراحة إن السعدون حاضر بإطلالته الصارمة في كل الأحوال، إن لم يكن رئيسًا على منصة الرئاسة، فهو زعيم على المقاعد.   رمح لا ينكسر   السعدون ترجمان دستورى لا غنى عنه حتى لخصومه الأشداء. فهو الحاضر في معظم البرلمانات الكويتية، وشوهد مرارًا وهو يقف تحت قبة قاعة البرلمان ليصحح خطأ دستوريًا وقع فيه المجلس، أو محالة دستورية ارتكبتها الحكومة.    كان السعدون بمداخلاته الناعمة دائمًا والخشنة في بعض الأحيان يعفي الصحافيين في الصحف الكويتية من العودة الى محاضر ومضابط الجلسات في البرلمانات السابقة، إذ كان يقوم بهذه المهمة من خلال ذاكرة متقدة تتذكر أحداث وتفاصيل القرارات والمواجهات المهمة باليوم والتاريخ والأسماء والحضور، من دون أن ينسى شيئا، ما كرسه مدافعًا عن الدستور وحاميًا له.   قبل سنوات، وأثناء نقاشاته في البرلمان، لم يلحظ أن مقعده قد أدار وجهه إليه، فحينما أراد الجلوس منهيًا مداخلته سقط على الأرض مصابًا ببعض الكسور في الظهر. وعلى فراش المرض، كان يطلب الملفات ومشاريع القرارات لدرسها وفحصها، فتحول سريره في أحد المشافي الكويتية إلى برلمان مصغر، ما دفع بصحيفة الرأي، المصنفة تقليديًا في بلاط صاحبة الجلالة مخالفة خط السعدون، إلى وضع مانشيت عريض وصفت به السعدون بـ “رمح لا ينكسر”، وقعه الصحافي فيها وقتذاك داهم القحطاني.    وفاجأ السعدون نواب البرلمان في إحدى الجلسات المهمة بقدومه وهو لم يتماثل للشفاء بشكل كامل لحضور جلسة مهمة ومفصليه كان صوته فيها مؤثرًا. لكن أنصاره قالوا إن المهم في حضوره كان يتمثل في الرأي الدستوري السديد، ومنع إنحراف بوصلة التشريع.   ملياردير سياسي   في المجالس الكويتية، لا يوصف السعدون دوما بأنه من القديسين أو الملائكة، بل يتلقى إتهامات سياسية من العيار الثقيل تطال إستثماراته، حتى أن بعض من يعرفونه بعمق يقولون إنه أهم ملياردير سياسي في الكويت، انتفع من مواقفه السياسية في العقود الماضية.   ويقول فقهاء في الحالة الكويتية إن السعدون رجل ثري جدًا، والمناصب التي شغلها كانت من النوع الذي لا يمكنه أن يراكم له ثروات مالية ضخمة، خصوصا أن من مواقفه السياسية رفضه إسقاط القروض المترتبة للبنوك الكويتية على آلاف الكويتيين الذين تعثروا في السداد، وهو موقف يرى خصومه أنه عائد لتملك بعض الشركات التابعة له حصصًا في مصارف ومؤسسات مالية كويتية.   وخلافا لموقف كتلته البرلمانية الرافض لإنطلاق قطار خصخصة الشركات الحكومية الكويتية، لوحظ أن السعدون إنبرى للدفاع عن الجدوى لإقتصادية لهذا المشروع، وهو موقف وضعه البعض في خانة السعي للسيطرة على شركات ومؤسسات كويتية ناجحة تحت بند الخصخصة، عبر سيولة مالية ضخمة يمتلكها. وترى أوساط كويتية أن السعدون يبدو شاذًا سياسيًا خلال إجتماعات تياره السياسي المسمى “كتلة العمل الشعبي”، حيث يبدو القاسم المشترك بين أعضائه الحال المادي المتوسط، والإهتمام بقضايا الفقراء ومطالبهم الشعبية.   سلاح المقاطعة   إتخذ أحمد السعدون في شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي قرارًا بمقاطعة الإنتخابات البرلمانية التي جرت في الأول منه، لرفضه خوض الإنتخابات وفقًا لمبدأ الصوت الواحد الذي إنفردت الحكومة بإقراره، الأمر الذي اعتبرته المعارضة إلى جانب السعدون عملًا إستفزازيًا من جانب السلطة يهدف إلى ضرب المعارضة السياسية. وتقول المعارضة إن المسألة ليست مسألة صوت أو أربعة أصوات، إنما التفعيل بنص دستوري لا يجيز للسلطة الإنفراد في تعديل القانون الإنتخابي في غياب البرلمان.   فاز أحمد السعدون في برلمانات الأعوام 1975، و1981، و1985، و1992، و1996، و1999، و2003، و2007، و2008، و2009، و2012 المُبطلة قضائيا، قبل أن يقرر مقاطعة ثاني إنتخابات مبطلة قضائيًا في العام ذاته. كما سيقاطع الإنتخابات التي ستجري في السابع والعشرين من الشهر الجاري.

 

 

المصدر: إيلاف