اتفاق الهدنة يجب أن يترجم برفع نهائي للحصار عن غزة

يجب عدم السماح لإسرائيل بتقويض آمال الفلسطينيين

اتفاق الهدنة يجب أن يترجم برفع نهائي للحصار عن غزة

 

فولك: يجب ألا ننسى أرواح الفلسطينيين الأبرياء التي أزهقتها إسرائيل بوحشية شديدة.
فولك: يجب ألا ننسى أرواح الفلسطينيين الأبرياء التي أزهقتها إسرائيل بوحشية شديدة.

أشارك الرئيس السابق لجنوب إفريقيا نيلسون مانديلا وكثيرين غيره في العالم وجهة النظر القائلة إن إنكار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني يبقى «أعظم قضية أخلاقية في عصرنا». وقد لعب تغيير النظام في مصر ودخولها طريق التغيير والديمقراطية دوراً إيجابياً أكثر أهمية من أي تطور إقليمي أو دولي آخر في تحسين ظروف الشعب الفلسطيني الحياتية والسياسية وعزز توقعات بأن مصر ستوظف في المستقبل القريب ثقلها وتأثيرها في دفع الأمور باتجاه حل سلمي دائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي طال كثيراً على أساس الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني تحت مظلة القانون الدولي. وأعتقد انه ليس هناك في العالم ما هو أفضل من إيصال رسالة الى العالم بأن ثورات الربيع العربي تمثل اعلاناً إقليمياً بالاستقلال الفعلي، والتحرر من النفوذ الخارجي والتأثيرات الاجنبية من خلال إسقاط أنظمة دكتاتورية في المنطقة.

ويجب ألا ننسى أرواح الفلسطينيين الأبرياء التي أزهقتها إسرائيل، والذين قضى بعضهم في الهجوم الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، ويجب أن يظل هؤلاء عالقين في الذاكرة، لكيلا ينسى أحد أن هذا الهجوم تم بوحشية شديدة، وباستخدام أحدث الأسلحة الفتاكة ضد أناس ضعفاء ومحاصرين أصلاً، ويعيشون حياة بائسة وقاسية، ولهذا فقد تنفسنا معهم الصعداء فور التوصل الى اتفاق الهدنة، الذي تم بفضل جهود مصرية رئيسة وأخرى إقليمية. وهناك مؤشرات شبه يومية على أن إسرائيل تحاول التلاعب في بعض شروط الاتفاق، والالتفاف حولها والتملص من التزاماتها بموجبها، لاسيما التزامها بوقف عمليات الاغتيال والقتل المستهدف، ووضع آليات لإعادة فتح المعابر إلى غزة. وليس هناك أي اختلاف على أن الحصار الذي فرضته على غزة منذ منتصف ‬2007 ما هو إلا عقاب جماعي لشعب ضعيف وأعزل، وخرقاً للمادة ‬33 لاتفاقات جنيف الرابعة.

وإذا ما تم تنفيذ اتفاق الهدنة الاخير بصدق وأمانة، فإن ذلك سيؤدي الى رفع نهائي كامل للحصار وستتدفق حركة البضائع والسلع والافراد على قطاع غزة من الاتجاهين الاسرائيلي والمصري، لكن هذا يبدو أمراً بعيد الاحتمال من غير ممارسة ضغط حقيقي على اسرائيل من حلفائها وجيرانها. وعلى الرغم من اللغة الواضحة والصريحة لما تم الاتفاق عليه، يهمس المسؤولون الاسرائيليون خلف الكواليس وفي مجالسهم الخاصة ان ما تم التوصل اليه ليس اكثر من اتفاق لوقف اطلاق النار، وان اي امور اخرى غير ذلك يجب ان تكون محل نقاش وتفاوض.

لكن يجب عدم السماح لإسرائيل بتقويض آمال الفلسطينيين وتوقعاتهم لأنه من غير تنفيذ ما تم الاتفاق عليه كاملاً فإن وقف العنف واطلاق النار سيتبخر في فترة قصيرة ليصبح مجرد سحابة من دخان قبل ان تتجدد المواجهات لتعود غزة ميداناً للقتل، في حين يقف العالم متفرجاً على ما يحدث وعاجزاً عن فعل شيء يوقف عمليات قتل المدنيين.

وهناك مؤشرات ذات تأثير اذا ما تم توظيفها للمساعدة على إيجاد قدر من الجدية، لكنها مسؤولية الحكومات العربية المطالبة باتخاذ اجراءات حازمة وصلبة لإقرار وانتزاع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بموجب القانون الدولي. وعلى سبيل المثال فإن مصر والاردن تربط كل منهما معاهدة سلام مع اسرائيل، ويمكن وقف العمل بهما، او اتخاذ اجراءات سياسية مثل تقليص العلاقات الدبلوماسية، وخفض درجة تمثيلها من جانب واحد. كما يمكن لدول عربية ان تعمل على تعويض النقص المالي في موازنة العديد من المنظمات الدولية في حال تعرضها للتهديد والابتزاز من الدول الحليفة لإسرائيل، بعدم دفع مساهماتها وحصصها المالية.

وما سبب صدمة شديدة لي ولكثيرين غيري ما قاله السفير الاسرائيلي في واشنطن مايكل أورين من أن إسرائيل في هجومها الاخير لم تكن تحارب قطاع غزة وإنما إيران، ويجب على العالم ان يستوعب هذا المفهوم، ومما لاشك فيه ان تصريحا مثل هذا ليس إلا اعترافا من مسؤول اسرائيلي كبير بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وسفك دماء الفلسطينيين بغزارة في اطار لعبة حرب لاختبار مدى فاعلية القبة الحديدية الاسرائيلية في التعامل مع الصواريخ الايرانية، وذلك استعدادا لرد ايراني على هجوم اسرائيلي محتمل على ايران بسبب طموحاتها النووية.

ولدي آمال قوية بأن تكون اي نتائج وتوصيات أي تحقيقات دولية محايدة وموضوعية في جرائم الحرب التي تم ارتكابها في عملية «عمود السحاب» مختلفة عن المرة السابقة قابلة للتنفيذ، وان تجد طريقها لكي تترجم سريعاً إلى واقع، وألا تلقى مصير تقرير وتوصيات القاضي (ريتشارد) غولدستون التي دفنت تحت ثقل التأثيرات والتجاذبات الجيوسياسية. وهذا يعني انه يتعين على الامم المتحدة ان تكون جدية وحازمة وتتمتع بصدقية تساعد على تجسيد آمال الشعب الفلسطيني الذي لا يطمع في اكثر من تطبيق القانون الدولي هذه المرة.

ولإسرائيل سجل حافل في براعة الاحتيال والانحراف بأي تقرير او تحقيق دولي يدينها الى مسار سياسي مختلف، فالتجارب السابقة اثبتت ان اسرائيل إما ان تلجأ الى مهاجمة اي مبعوث او بعثة للتحقيق ومنعها من دخول الاراضي الفلسطينية، وإما ان تبادر بمهاجمة الامم المتحدة والمنظمات والبعثات التابعة لها واتهاما بالتحامل والانحياز، وذلك للتهرب من اية محاولة لطرح اي تقرير او توصيات للمناقشة.

كما أن العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة بين حين وآخر، انما يهدف في واقع الامر الى تحويل انظار العالم عن المشروعات التوسعية لإسرائيل في مجال تكثيف الاستيطان وتوسعة المستوطنات القائمة ومصادرة المزيد من اراضي الفلسطينيين ومياههم وثرواتهم الطبيعية، اضافة الى مخططات تهويد القدس، أي باختصار تحول اهتمام العالم عن الدراما الحقيقية التي هي سبب استمرار التوترات والعنف في المنطقة، وهي استمرار الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية، بكل ممارساته غير القانونية والبشعة.

ويجب ألا يغيب عن علم أحد أن جميع سياسات إسرائيل وقراراتها في ما يتعلق بممارساتها في الأراضي الفلسطينية تنبع من أولوية لديها وهي صرف أنظار المجتمع الدولي عن احتلالها تلك الاراضي، وما تقوم به من أعمال غير مشروعة وخروقات فاضحة للقوانين الدولية من استيطان وتغيير لمعالم القدس الشرقية وهويتها، ومواصلة بناء الاجزاء المتبقية من الجدار العازل الذي يلتهم المزيد من اراضي الفلسطينيين ويفصل في احيان كثيرة بين قراهم والاراضي التابعة لها.

وحينما أصدرت محكمة العدل الدولية قراراها بعدم شرعية هذا الجدار وضرورة إزالته فوراً وتعويض الفلسطينيين عما لحق بهم من أضرار، لم تكتف اسرائيل برفض القرار، بل عمدت الى شن هجوم في غاية القسوة والوقاحة على هذه المحكمة التي تعد أعلى جهاز قضائي في الامم المتحدة، ولم تعانِ اي آثار لأي حصار او عقوبات بسبب تحديها قرار المحكمة.

ولا يلعب عامل الزمن تأثيراً متوازناً بالقدر نفسه على الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني، فالأول يواصل سياساته الاستيطانية والتوسعية بلا توقف او انقطاع، والثاني يفقد الامل شيئاً فشيئاً في تحقيق هدفه الاساسي، وهو اقامة دولته الفلسطينية المترابطة المستقلة والقابلة للحياة.