أوباما يقاوم محاولات توريطه فـي الشأنين الإيراني والسوري

«الربيع العربي» كشف محدودية قدرة واشنطن في المنطقة

أوباما يقاوم محاولات توريطه فـي الشأنين الإيراني والسوري

أوباما مقتنع بأن ضرب إيران لن يمنعها من الحصول على السلاح النـــــووي
أوباما مقتنع بأن ضرب إيران لن يمنعها من الحصول على السلاح النـــــووي

أصبحت السياسة الخارجية الأميركية قضية أساسية في حملات الانتخابات الرئاسية، وتزداد أهميتها وحساسيتها يوماً بعد آخر مع اقتراب موعد توجه الناخبين الاميركيين الى صناديق الاقتراع في الأسبوع الأول من نوفمبر المقبل للاختيار بين الرئيس الحالي باراك أوباما، ومنافسه المرشح الجمهوري ميت رومني.

وعلى الرغم من أن رومني يوجه انتقادات لاذعة لأوباما على تردده في الشرق الأوسط، إلا أنه لا يقدم بديلاً، وإذا كان رومني يريد إشعال حرب جديدة في الشرق الأوسط فلماذا لا يعلن عن ذلك صراحة؟

كما يبدو أن السياسة الأميركية الخارجية لأوباما مقنعة لأكثرية للناخبين فهو «أخرج أميركا من العراق وقتل (زعيم تنظيم القاعدة) أسامة بن لادن، وأضعف تنظيم القاعدة، وشارك في الإطاحة بالرئيس الليبي السابق، معمر القذافي، ونظامه، وسيعيد أغلبية القوات الأميركية من افغانستان.

وقال خبراء في حملة أوباما ومسؤولون في البيت الأبيض إن التوجهات العامة للسياسة الخارجية تحظى بقبول الناخبين ورضاهم، وإن إدارة أوباما لا تريد أي تغيير أو أي تطورات مزعجة تؤدي الى تغييرات غير مرغوب فيها.

كما أن أوباما، على عكس ما قد يريد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن يوحي به، حريص على حماية أمن إسرائيل، وإن كان الرجلان يختلفان كثيراً حول العديد من القضايا. غير أن ان الحروب الأميركية في المنطقة، وثورات «الربيع العربي»، جعلتا الولايات المتحدة، بحسب خبراء أميركيين، تدرك محدودية قدرتها في الشرق الاوسط. وربما كان الجمهوريون على حق في انتقاد تردد أوباما في التدخل في سورية أو شن هجوم على إيران، حيث أوكل رومني ما يتعلق بالشأن الايراني في سياسته الخارجية ضمن حملته الانتخابية لنتنياهو، ولذا فهو يريد الاستفادة من انتقاده لأوباما لأنه تفادى لقاء نتنياهو. وأضاف فريق من الخبراء أن أوباما تفادى أيضاً لقاء الرئيس المصري، محمد مرسي، حتى يسهل على نفسه تبرير عدم لقائه نتنياهو لاختلافهما في شأن الموضوع النووي الإيراني، إضافة الى انه تجنب لقاء العديد من قادة دول العالم على هامش اعمال الدورة السنوية الجديدة للجمعية العامة للامم المتحدة.

وتشير معظم الدلائل الى أن أوباما يبدو أكثر قدرة على اتباع سياسة خارجية لا تعني انسحاباً تاماً من الشرق الأوسط، ويعتقد على الأرجح أن الحل الأفضل للمسألة الإيرانية، يبدو بالمزيد من المفاوضات المباشرة مع طهران، يكون فيها «كل شيء على الطاولة»، واذا كانت كوريا الشمالية منحت ضمانات أمنية لحل مشكلة طموحاتها النووية فلماذا لا ينسحب الأمر على إيران؟

وبعد مقتل السفير الأميركي، كريستوفر ستيفنز، واثنين من معاونيه، في أحداث تظاهرات بنغازي، وما تلاها من مظاهر غضب في المنطقة احتجاجاً على الفيلم المسيء للرسول وللإسلام، اكتفى أوباما بتصريحات بلاغية، وكلمات تعكس بياناً قوياً حاول خلالها التوفيق وتحقيق التوازن بين حرية التعبير والغضب من أجل حماية الأديان من التجديف، وأبلغ الناخبين الأميركيين بأنه شجب الفيلم لإسكات غضب الشارع العربي. وهناك العديد من القضايا التي تسير على عكس اتجاه رغبة واشنطن، وكان يمكن لأوباما التحدث فيها مع العديد من قادة دول العالم الذين لم يلتقِ بهم في نيويورك مثل استمرار القتال في سورية الذي يؤدي الى سقوط المزيد من الضحايا يوميا وميل كفة الأمور لمصلحة حركة طالبان في افغانستان يوماً بعد آخر، وتمسك إيران بالاستمرار في تخصيب اليورانيوم، إضافة الى استمرار النشاط الاستيطاني لحكومة نتنياهو في الضفة الغربية، الذي يزيد من صعوبة التوصل الى حل سلمي على أساس صيغة «حل الدولتين». ويبدو أن غموض الموقف الأميركي من هذه القضايا، وانشغال أوباما بملاحقة أصوات الناخبين الأميركيين في مختلف المدن والولايات، يفسر غياب الولايات المتحدة بشكل أو بآخر عن مسرح الأحداث في الشرق الأوسط. وطبقاً لدبلوماسيين فإنه ليست هناك دولة أكثر رغبة من الولايات المتحدة في الحرص على عدم جرها او توريطها في الأزمة القائمة في سورية، وان مسؤولين اميركيين ابلغوا موقفهم من هذا الأمر بكل وضوح الى نظرائهم الأوروبيين، وانه ليست لدى واشنطن مصلحة استراتيجية تكفي لدفعها للتورط في الحرب الدائرة في سورية. واستناداً الى دبلوماسي من إحدى الدول الحليفة للولايات المتحدة، فإنه إذا كانت روسيا ترغب حقاً في إحباط واشنطن واحراجها فيمكنها التخلي عن حق النقض (الفيتو) ضد أي مشروع قرار جديد في مجلس الأمن الدولي بشأن عمل عسكري دولي ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وهناك تأييد من مخضرمين في شؤون الشرق الأوسط من الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء لإصرار أوباما على عدم التورط بشكل عميق وكبير في تشكيل وتغيير الأحداث العاصفة في الشرق الأوسط بسبب ما يترتب على ذلك من كلفة كبيرة على أميركا، وان ثورات «الربيع العربي» دفعت واشنطن الى اعادة حساباتها في المنطقة بعد أن ولت الى غير رجعة تلك الأوقات التي كانت الولايات المتحدة تعتمد فيها على حلفاء لها من انظمة استبدادية وسلطوية. كما ذهب مراقبون الى انه بعد نصف قرن من الفوضى وعدم الاستقرار والأمور غير المفهومة في الشرق الأوسط والناجمة عن سياسات تلك الأنظمة ومواقف واشنطن منها، فإنه يبدو أن من الحكمة أن يظهر الأميركيون بعض اللمسات واللفتات الانسانية، كما يبدي أوباما عدم اقتناع بأن ضرب ايران يضمن منعها من الحصول على القنبلة والسلاح النووي، ويكرر ان سياسة احتوائها ليست خياراً ممكناً.

وبعد فإن المطلوب استراتيجية اميركية بشأن الشرق الأوسط لا تملي ولا تشكل الأحداث، وانما تقلل الى درجة ممكنة التهديدات المباشرة للمصالح الأميركية وأول ركيزة لمثل هذه الاستراتيجية يجب ان تكون الانخراط في مفاوضات ثنائية مباشرة مع ايران على أساس «طرح كل الأمور على الطاولة»، والركيزة الثانية إلقاء الولايات المتحدة بثقلها وراء جهد دولي جاد وحقيقي لاستئناف مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين لأن من الواضح ان رومني لن يسير على معالم هذه الاستراتيجية اذا ما وصل الى البيت الأبيض، ما يعني حشد الجهود لإعادة انتخاب أوباما لولاية ثانية.