أنور الفكر ـ مقال بعنوان: خبزة الدستورية .. وإسقاط النظام !!

“الكويتي إذا ما قربت صوب معاشه كل شيء عنده يهون”… عبارة تتردد في ظل تراجع الزخم الشعبي للمعارضة لأسباب ليس هذا هو المجال للخوض فيها، ولعلّ السمة الأخرى التي يتصف بها الشارع الكويتي هو ارتباطه الواضح وتأثره الملحوظ بالمحيط العربي منذ المدّ الناصري إلى مشروع تكوين ملامح الربيع العربي وما يترتب على هذا الارتباط والتأثر من إيجاب أو سلب على الحالة الكويتية… ولازلت أذكر كيف كنا نعيش الأجواء الحالية ذاتها مع ما فيها من تشرذم وإحباط ويأس بعد التجمع الشهير الذي سمي بـ 8 مارس 2011 وكان بمثابة شهادة وفاة للحراك، إلى أن تداعت الجموع الشبابية مساء 20 مايو 2011 بعد شطب استجواب النائبين أحمد السعدون وعبدالرحمن العنجري في “جمعة الدستور”، حيث كان الشعار يحاكي تأثرنا بالمحيط العربي، الأمر الذي حقق ارتفاعاً في منسوب الزخم الشعبي للحراك؛ فتوالت التجمعات إلى أن وصلنا إلى بداية الصيف فعلَّق الحراك نشاطه ليتراجع الزخم ويحل محله اليأس والإحباط مجدداً… ثم انفجرت فضيحة الإيداعات المليونية التي أعقبها تجمع 16 سبتمبر 2011، الذي لم يكن في حدّ ذاته يمثل نواة تبعث التفاؤل، لكن الأحداث تسارعت بفضل الأخطاء المعتادة للسلطة وتناقضاتها لتتعزز على أرض الواقع مقولة أنّ الحراك يمرض ولا يموت، ما أدى إلى إسقاط أول رئيس وزراء، وهو التطور الذي يعد بمثابة إبرام دستور جديد في العلاقة بين الشيوخ والكويتيين… وبالطبع، مازال الأمل قائماً بأن يتكرر الإنجاز.
وبالمناسبة، فقبل أن أطلّق مهنة الصحافة فقد كانت لدي فكرة إجراء تحقيق صحافي حول الأعداد الهائلة من الطلبة الذين يتلقون تعليمهم في التطبيقي (44 ألفاً) وفي الجامعة (32 ألفاً) وفي الجامعات الخاصة (11 ألفاً) وخارج الكويت (15 ألفاً) هذا غير حملة شهادات الثانوية والمعاهد والدبلومات…الخ، وربط هذه الأعداد بالدفعات الخجولة غير المنتجة التي يعلن عنها ديوان الخدمة للتوظيف، فكنت أتساءل “هالطلبة وين يروحون باجر؟!”.
وسرعان ما كان الجواب حاضراً عندما شاهدت مقابلة استوقفتني كثيراً تحدث فيها النائب السابق خالد السلطان وطرح معادلة بسيطة في الشكل وعميقة في المضمون… معادلة يجب أن نتوقف أمامها جميعاً، بمَنْ فينا قضاة الدستورية الذين سيحسمون صحة هذه الإجابة ودستوريتها الطبيعية… فقد قال السلطان: “بعد 13 سنة سيكون هناك ما لا يقل عن 700 إلف كويتي سيتجهون إلى سوق العمل والحكومة الآن توظف 87 % من الكويتيين، وإذا استمرينا في هذه النسبة نحتاج ميزانية 63 مليار دينار بينما دخلنا اليوم 27 مليار… من أين نأتي بالباقي؟…فالحكومات والمجالس بهذا الشكل عاجزة عن إيجاد حل، وبالنهاية سيكون لدينا 400 إلف عاطل عن العمل، هؤلاء سيخرجون للشارع يطالبون باسقاط النظام”.
إذن نحن أمام أزمة عميقة جداً لا تنحصر في النظام الانتخابي وحده، ولا تمتد فقط إلى إفرازاته من مجلس امة تختلف مدخلاته بين الحين والآخر، وإنما هي أزمة عميقة في النهج المتبع لإدارة البلد… ولا شك في أنّ شرعنة هذا النهج المأزوم من شأنها أن تفقد الحكم شعبيته التي نادى بها دستور 1962 كضمانة للعلاقة بين الحاكم والمواطن، وستدفع هذه الشرعنة الأزمة نحو الاشتعال… والأكيد أنّ اشتعال نيران مثل هذه الأزمة لا يعرف طائفة ولا هوية، و”لا زوير ولا عوير”، و”لا شيخ حبوب ولا شيخ عنيد”، فهي ستحرق الكل؛ وستطال الجميع، مما يجعل الهموم مشتركة والمصير واحداً، فاللهب يحرق مَنْ أضرم النار ومَنْ شاهد مَنْ يضرمها.
“خبزة” قضاة الدستورية طال الزمن أو قصر سيأكل منها عيالكم بشكل أو بآخر، ومن هنا فأنا لا أستجديكم وانتم الضمان بعد الله وليس الملاذ، وعليكم وأنتم تسهبون في التفكير بالقواعد القانونية أن تتحدثوا إلى أنفسكم بضعة دقائق: “ليش الشيوخ ما يعلقون الحياة البرلمانية بالكامل ويرفعون عنكم الحرج؟!… وين راحت 190 مليار دينار منذ أول حكومة شكلها ناصر المحمد لغاية الحكومة الحالية؟!… منو اللي منع النظام أن يبني لنا استاد رياضي أو جامعه أو على الأقل مستشفى؟!… ليش ما نروح صوب الاقتصاد ونشوف شلون كان خبر منحة الألف دينار والتموين سنة مجاني كصاعقة على الكويتيين وبالذات المعارضة، بقيمتها كان سوينا الكثير ولكنها أتت لهدف سياسي كان الرد غير متوقع بعودة الحراك مرة أخرى وتحقيق هدفه؟!… استخدموا الحل المالي مانفع معاهم؛ واتجهوا إلى الحل الامني وأيضا ما نفع، والآن يتجهون لاستخدام الورقة الاجتماعية، ومن ثم الورقة الدستورية وأيضاً لن ينفع هذا كله… أذن وين المشكلة؟… المشكلة كلنا نشوفها، ونشعر فيها، ونأكلها، ونشربها ونملك الحجة عليها وهي في نهج إدارة البلد”… إذن لا سلطان عليكم وأنتم الأعلون في الحجة والبرهان، ولا حصانة لكم ألا بالحقيقة الذي يكون الشعب عنوانها.
ومن الدلالات على تشرّب الكويتيين الحياة الديمقراطية هو ما يعيشه الشيوخ الآن من عجز واضح للاتجاه نحو تكرار الانقلاب التقليدي على الدستور بتعليق أعمال المجلس، وذلك على الرغم من الحالات التي حدثت في السابق إلا أنّ محدودية عدد السكان؛ وبساطة الحياة وأدواتها آنذاك؛ وعمق العلاقة بين الأسرة والشعب؛ جعلت الأزمات الدستورية تمر برداً وسلاماً على مزاج الرأي العام، باستثناء بعض الاعتراضات، لكن الأزمة الدستورية إن أقبلت اليوم فأنها ستأتي بعد احتقان استمر لسنوات بين الأسرة والشعب، وهنا يمكن أن نفسر السبب وراء “الغديات” و”العشيات”… ولكن لنتساءل بكل تجرد ومنطقية لماذا مع كل حجم المحبة التي كان يضمرها الكويتيون لجابر الأحمد وسعد العبدالله وسالم الصباح، فأنهم مع ذلك لم يستطيعوا مواجهة الشعب، وأعادوا العمل بالنظام الدستوري… “فمَنْ عندكم اليوم عشان يجابل المعارضة”؟!
قبل أن أختم المقالة لاقت لي عبارة وجدتها في مقالة للكاتب المفكر محمد عبدالقادر الجاسم نشرت بتاريخ 22 يونيو 2006 ونصها: “مشكلة شيوخنا أنهم (ضامنين) ولاءنا لهم، وهم يدركون أننا مهما اختلفنا معهم فلن نقبل غيرهم، لذلك هم لا يشعرون بالخطر، ولكن…”
ومن هنا فعلى الشيوخ ألا يفترضوا أنّه بمجرد الانتهاء من ظاهرة مسلم البراك “ستزين لهم الأمور”… إذ عليكم فهم الواقع، واستيعاب أنكم تعيشون الأيام الأخيرة من العهد القديم؟… فبعد 13 سنة سيكون شباب الحراك الحالي الذي ذاق مر تعسفكم (السجون) وأكل خبزة الدستورية (اللادولة) وسمع جرس السلطان (إلا معاشي) أمام الصف الثامن أو التاسع من ابنائكم الشيوخ!!

 

@AnwarAlFicker