إدارة أوباما كانت ولاتزال الداعم الرئيس للزعيم المصري
موقف واشنطن «الناعم» من مرسي يثـــير التساؤلات
كيف أصبحت واشنطن الصديق الأفضل للإخوان المسلمين في مصر حتى يعمد الرئيس محمد مرسي إلى تكريس سلطاته الديكتاتورية وتعزيزها، ويقوم أنصاره بضرب الليبراليين والعلمانيين في شوارع القاهرة؟ هذا السؤال يطرحه كثير من العرب في هذه الأيام وجدير بالإجابة.
يعيش مرسي الذي ينتمي إلى جماعة «الاخوان المسلمين» هذه الأيام أجواء رحلة من القوة بعد عقود من الإقصاء والتهميش والاضطهاد. ويمكنك أن تلمس هذه الوضعية الجديدة وتشاهدها بوضوح حينما زار مرسي الامم المتحدة في سبتمبر الماضي، وكذلك من خلال الدور الدبلوماسي النشط الذي قامت به مصر الشهر الماضي لبلورة اتفاق جديد للهدنة في غزة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل، وبإسهام آخر من وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، وهكذا تحول قادة الإخوان المسلمين من منبوذين إلى نجوم يستقطبون الاضواء.
ولنكن أمناء نزيهين مع أنفسنا، فإن إدارة باراك أوباما كانت ولاتزال ومنذ نجاح ثورة 25 يناير التي أطاحت بحسني مبارك ونظامه، الداعم الأساسي لمرسي، الذي عمل ونسق معه مسؤولين أميركيين عن قرب في مجال التنمية الاقتصادية والدبلوماسية الإقليمية. وخلال زيارتهم لواشنطن الأسبوع الماضي أطلع مساعدون ومستشارون لمرسي المسؤولين الاميركيين على جهوده لبلورة اتفاق للهدنة في غزة، وأشاروا الى الاتصالات الهاتفية بهذا الشأن بين مرسي وأوباما. ويمكن وصف الدور الجديد وغير المعهود الذي قام به مرسي بهذا الشأن بـ«الرهان الكوني»، الذي راهن به أوباما على الإخوان المسلمين، ويوضح ان إداة أوباما كانت على قدر كبير من التبصر والحكمة بالإبقاء على قنوات الاتصال مفتوحة مع جميع الاتجاهات والأطراف بعد سنة من نجاح ثورة 25 يناير في إسقاط مبارك ونظامه. ولكن الوصول الى السلطة قد يؤدي إلى الفساد، وهذا ما حدث فعلاً مع الاخوان المسلمين، كما حدث مع جماعات وقوى أخرى وجدت نفسها في مركز القيادة بعد عقود من النفي والإقصاء من غير محاكمة. واعتقاداً منه بأنه يحظى بمساندة الولايات المتحدة، عمد مرسي في 22 نوفمبر الماضي الى التصريح بإعلانه الدستوري الذي يوسع صلاحياته ويحصنها ضد القضاء، حيث يدعي أنصاره أنه كان بذلك يحمي الثورة المصرية من قضاة عينهم حسني مبارك ونظامه، غير أن النتائج جاءت عكسية، فقد استقال عدد من الوزراء في حكومة مرسي وبعض مساعديه، وتدفق مئات الآلاف من المصريين الى الشوارع في تظاهرات احتجاجية كبيرة، ما استفز الإخوان المسلمين الذين نظموا تظاهرات حاشدة مضادة وتأييداً لمرسي في جامعة القاهرة وما حولها. وكان متظاهرو الإخوان ومعارضيهم قد دخلوا قبل ذلك في مواجهات استخدمت فيها العصي والحجارة والأنابيب والقضبان المعدنية. ومن اللافت والغريب حقاً ان إدارة أوباما مارست ضبط النفس إزاء هذه الأحداث، فقد علقت فيكتوريا نولاند الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية على ما كان يجري بالقول «ندعو الجميع الى التزام الهدوء، ونحث جميع الأطراف على التعاون لحل القضايا الخلافية وتجاوزها بشكل سلمي، ومن خلال الحوار الديمقراطي». وكتب لي أحد المسؤولين العرب «نحتاج إلى أن تشرح لي لماذا كان رد الفعل الاميركي على تصرفات مرسي مكتوماً، وبعد أن يصبح أحد زعماء الإخوان المسلمين رئيساً لمصر ينقض على الشعب ليغتصب منه صلاحيات كبيرة، يتواضع أمامها ما كان يفعله مبارك، ولم يسبق لها مثيل منذ أيام الفراعنة؟».
وأبدى هذا المسؤول دهشته إزاء الموقف الأميركي مما يجري في مصر، وما إذا كانت قد فقدت مسؤولياتها الأخلاقية والسياسية في غمرة متعة البحث عن أصدقاء جدد ليبدو رد إدارة أوباما كأنه لا يمثل اميركا، فالمصريون وغيرهم من العرب يكتبون تاريخهم في هذه الفترة وسيعيشون ليشهدوا النتائج، وأكثر من هذا فإن آخر ما يريده الليبراليون والعلمانيون هو أن تتبناهم أميركا وتؤيدهم.
ويبدو واضحاً أنه من الغباء أن تظهر الولايات المتحدة منحازة الى جانب طرف معين يفضل الدين ضد من يريدون رؤية مصر جديدة أكثر تسامحاً وانفتاحاً وليبرالية، وهذا ما انتهت اليه إدارة أوباما بشكل أو بآخر.
وعلى سبيل الدرس والعبرة مما قد تقع فيه من أخطاء ومخاطر نتيجة لما يربط بينك وبين وكيلك أو الطرف الذي تؤيده من مشاعر حب وتعاطف، يمكننا ان نلقي نظرة على ما حدث ويحدث في العراق، فالمسؤولون الأميركيون ابتداء من الرئيس السابق جورج دبليو بوش والجنرال ديفيد بترايوس استمروا في دعم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وتحريضه على منافسيه وخصومه، رغم كل التحذيرات من عراقيين وغيرهم بأن هذا الرجل سياسي متآمر ولديه عقلية تآمرية ستنتهي به الى التحالف مع إيران، واستمر سوء الفهم هذا مع إدارة الرئيس الديمقراطي أوباما حتى بعد ان صوت العراقيون لإسقاط المالكي في 2010 وإبعاده عن السلطة، فإن واشنطن واصلت دعمه ومساعدته للبقاء في الحكم، ومازال كثير من العرب يحكّون أدمغتهم في محاولة لفهم كل هذا، واذا ما أردنا تقييم الاحداث والاضطرابات التي يشهدها العالم العربي، يجب علينا ان نذكّر انفسنا بأننا نشهد ثورة يمكن ان تستغرق عقوداً لتطرح نتائج إيجابية ثابتة واستقراراً. ومع استمرار صعوبة التنبؤ بالنتائج فإن من الخطأ الرهان على لاعب أو طرف معين، وينبغي ان يكون الدور الأميركي منصباً على دعم أي تحركات خارجية من أجل التغيير والتنمية الاقتصادية، وإبقاء الخطوط مفتوحة مع الجميع لتسهيل تبلور وظهور أي حكومة ديمقراطية منتخبة. ويمكن للولايات المتحدة ان تقدم العون للعالم العربي في تخطي ما يشهده من اضطرابات وأحداث إذا قررت وأعلنت بوضوح ان سياستها لا تعتمد على مصالحها فحسب، وإنما على قيمها أيضاً، وليس على تحالفات عابرة ومؤقتة. وإذا كان مرسي يرغب في أن يتعامل مع الأميركيين كزعيم ديمقراطي، فيجب عليه التصرف كذلك.