طاغية العراق صدام حسين زيّنت له نفسه غزو الكويت قبل ربع قرن. ربما كان غزوه بسبب طبيعة المجتمع العراقي الذي ساهم في عسكرته صدام حسين نفسه. فالعراق مجتمع قبلي في أغلبيته، لا يجيد ولا يريد أغلبية أهله سوى العمل العسكري، في الوقت الذي يعافون فيه العمل اليدوي والتصنيع. بل حتى الزراعة يستنكف عنها المواطن العراقي. في أيام عبد الكريم قاسم، وعند بدء تأميم الأراضي والإصلاح الزراعي، منحوا الفلاحين وملاكي الأراضي الجدد بذور القمح، فأكلها بدلاً من زراعتها «الفلاح» العراقي. بعدها اضطروا إلى تسميم البذور لمنع أكلها، فتسمم المئات من الفلاحين. هذا دفع صدام حسين بعد أن عسكر المجتمع إلى استيراد فلاحين من صعيد مصر.
المهم توافر لصدام حسين أكبر رابع جيش في العالم. فكان لا بد من استخدام هذا الجيش. وكانت الكويت لقمة سائغة أو ربما مغرية، بسبب سياسة العهد في ذلك الوقت. غزو صدام حسين للكويت نتج عنه حالة فريدة من حالات الصمود والترابط الوطني في مقابل الغازي أو الأجنبي. إذ لأول مرة في تاريخ العالم كله يرفض شعب بكامل أفراده وتعداده أمر التعاون مع الغازي. صدام حسين لم يجد كويتياً واحداً يتعاون معه أو يخذل الشرعية والسلطة الكويتية.
حكومة صدام حسين المؤقتة التي شكّلها بعد الغزو جميع أعضائها كانوا من أسرى الحرب. أي الذين هبوا لمواجهة الغزو، وليس للتعاون معه. حتى علاء حسين، وهو الكويتي الوحيد الذي أدين بالتعامل مع الغزاة، ربما اضطرته ظروف الأسر والعوامل النفسية إلى مسايرة سجانيه. فهو أصلاً لم يكن متعاوناً أو عنصراً تابعاً لجيش الغزو.
لم يجد صدام حسين كويتياً واحداً يتعاون معه. فكل الكويتيين صفّوا مع سلطتهم وتمسكوا بالعهد والشرعية الكويتية ممثلة في أسرة الحكم. ودفع الكثيرون منهم الكثير في مقابل هذا الإصرار والصمود ضد الغزو.
الآن.. على ما نقول، بعد هذا العمر الطويل.. وبعد ما يقارب الربع من قرن من استمرار الوفاء والإخلاص للشرعية ذاتها.. الآن يسعى جماعتنا إلى توقيع اتفاقية أمنية مع الغير لمراقبة وضبط الشعب الصامد.