سامي النصف ـ التحالف مع الباشوات لا يمنع الثورات !

لقراءة التاريخ فائدة وحيدة هي انها تجعلك تتعلم من اخطاء الآخرين بدلا من التعلم من اخطائك، ويروي تاريخ منطقتنا الحديث ان الخطأ القاتل الذي قامت به الانظمة الملكية الدستورية في مصر والعراق وليبيا، التي كانت تنعم بانظمة ديموقراطية وحريات اعلامية هو اكتفائها بالتحالف مع باشوات الاحزاب ونخبها الاقتصادية دون النظر لشرائح المجتمع الاخرى ومعاناة حياتها اليومية.

>>>

ففي مصر الملك فاروق، اكتفى الملك بالدائرة الضيقة المكونة من باشوات الاحزاب الرئيسية الممثلة بالوفد والاحرار الدستوريين والسعديين وما يمثلونه من اقطاعيات زراعية واحتكارات صناعية وزراعية، وكانت لعبة الكراسي محصورة بهؤلاء دون ان ينتبه الملك للمياه التي تجري تحت الجسور، والتذمر الواسع لدى شرائح الشعب الاخرى، لذا ما ان حدثت الحركة المباركة، كما سميت بالبدء في 23/7/52 حتى انطلقت الملايين مؤيدة لها، وتمت محاكمة الباشوات في نوفمبر 53 ولم تخرج مظاهرة واحدة مؤيدة لهم.

>>>

في العراق الملكي، وبدلا من تعلم الدرس القاسي من مصر، تم تكراره حيث اعتمد الوصي عبدالاله على تحالفه مع الباشا نوري السعيد وحزبه وبقية باشوات الاحزاب الاخرى، وكان يعتقد مخطئا بأن هؤلاء هم كل العراق من أقصى شماله الى جنوبه، وان حصد تأييدهم يغني عن حصد تأييد ملايين الشعب الاخرى حتى تكشفت حقائق الحياة المرعبة في صيف 58 وسالت الدماء انهارا وذهب الوصي ضحية ايمانه بكلمة نوري باشا السعيد الشهيرة بأن «دار السيد مأمونة» ولم تكن الدار مأمونة بل تصدعت جدرانها من كثرة الاخطاء حتى.. انهار المبنى.

>>>

في ليبيا لم يتم تعلم الدروس مما حدث في مصر والعراق واليمن، فبقي الملك الزاهد ادريس السنوسي يرى الشعب من منظار نخبه ومقربيه، وزين له هؤلاء أن الشعب سعيد بما يرى وانه ليس بالامكان خير مما كان، لذا لم ير احد الجمر تحت الرماد حتى انتهى الامر بكارثة الفاتح من سبتمبر 69، ودفع الجميع الثمن، وحانت ساعة الندم عندما لا ينفع الندم.

>>>

آخر محطة: 1- ومن دروس تاريخ العرب السياسي الحديث، لم يثر حنق الشعوب المعنية مثل فضيحة الاسلحة الفاسدة في مصر، وتجاوزات مجلس الاعمار في العراق، وروائح عمولات مشروع طريق طرابلس – بنغازي في ليبيا فهل من مدكر؟!

2- في حين كان الباشوات في تلك الدول يتصارعون على الصفقات من ابراجهم العاجية كانت حرارة الأرض من تحتهم تعلو وتزيد مع مرور الحقب والازمان حتى وصلت لدرجة الغليان.. فانفجر البركان !