إسرائيل تتخلى عن «المنطقة العازلة» في غزة

اتفاق التهدئة يمكّن مزارعي القطاع من العودة إلى أراضيهم بعد أن حرموا من دخولها ‬12 عاماً

إسرائيل تتخلى عن «المنطقة العازلة» في غزة

 

متضامنون ماليزيون برفقة المزارعين الفلسطينيين في أراضيهم المحررة.
متضامنون ماليزيون برفقة المزارعين الفلسطينيين في أراضيهم المحررة.

لم يتوقع الحاج عبدالله عدوان (‬80 عاماً) أن يعود إلى أرضه التي سلبها الاحتلال الإسرائيلي، وضمها إلى ما يعرف بالمنطقة العازلة، التي تقع على طول الشريط الحدودي بين القطاع والجانب الإسرائيلي، لكن اليوم، بعد اتفاق التهدئة بين فصائل المقاومة الفلسطينية والاحتلال نهاية شهر نوفمبر الماضي، عاد الحاج عدوان إلى أرضه، واحتضنت يداه ترابها، بعد فراق دام أكثر من ‬10 سنوات.

عودة الحاج عدوان إلى أرضه هو وآلاف المزارعين الفلسطينيين في جميع مناطق قطاع غزة لم تكن تحدث لولا اتفاق التهدئة الأخير، الذي أجبرت من خلاله فصائل المقاومة الاحتلال على التخلي عن المنطقة العازلة، فقد تضمن أحد بنود اتفاق التهدئة عودة منطقة الحزام الأمني إلى السيادة الفلسطينية، التي أقرت إضافة ‬20٪ من إجمالي الأراضي المخصصة للزراعة في غزة للاقتصاد الفلسطيني.

وكانت إسرائيل قد حولت الشريط الحدودي الشرقي لقطاع غزة على مدار السنوات الماضية إلى وضع مأساوي لسكان ومزارعي تلك المناطق، بإقامتها منطقة عازلة مقتطعة من أراضيهم، وإصدار قرار يمنعهم الاقتراب منها، أو الزراعة فيها، لمسافة تزيد على ‬300 متر، بل كانت قوات الاحتلال تطلق النار على كل من يحاول الوصول أو الاقتراب من أرضه داخل هذه المنطقة، إضافة إلى عمليات التجريف الواسعة للأراضي المحاذية للسلك الحدودي بعمق ‬500 متر داخل القطاع.

ويقول الحاج عبدالله عدوان لـ«الإمارات اليوم» وهو يزرع شجرة زيتون برفقة حفيده (علي) في أرضه الواقعة على الشريط الحدودي شمال قطاع غزة «كنت أبكي كل يوم لأنني بعيد عن أرضي، فمنذ عام ‬2000 لم أدخل هذه الأرض التي زرعتها وأقمتها من عرق جبيني، لكن اليوم هو أسعد يوم في حياتي عندما عدت إليها، واختلطت قدماي ويداي بترابها، وهذا لم يكن بعد فضل الله إلا بجهود رجال المقاومة، الذين من دونهم لن تتحرر الأرض ولن تعود لأصحابها، فاليوم أنا موجود في أرضي من جديد، وسأبقى بها طوال الوقت، ولن أفارقها، ولن أدع الاحتلال يسلبها مني مرة أخرى».

أما المزارع ممدوح الجدبة، من سكان شمال قطاع غزة، فقد حضر هو وأشقاؤه وأبناء عمه إلى أراضيهم، ليتفقدوا حاجتها ويحرثوها، ويعيدوا استصلاحها من جديد. ويقول الجدبة لـ«الإمارات اليوم»: «أنا لم أصدق عيني بأنني تمكنت من الدخول إلى الأرض التي رعاها أبي ومنعنا الاحتلال من دخولها منذ ‬12 عاما، فقد تحولت هذه الأراضي في غضون أيام إلى منطقة حياة تبعث في نفوسنا الأمل، بعد أن كانت منطقة موت لكل من يحاول أن يقترب أو يصل إلى أرضه، وكان الاحتلال يمنع الاقتراب من أراضينا على بعد ‬300 إلى ‬600 متر من السياج الأمني، وكان يطلق النار على كل من يحاول ذلك».

ويتابع المزارع الفلسطيني قوله «منذ اليوم الأول لدخولنا الأرض أنا وإخوتي وأبناء عمي لم نصدق أعيننا، وامتزجت دموعنا بالفرحة التي ارتسمت على وجوهنا، فقد بكينا من شدة الفرحة، لأننا لم نصدق أنه سيأتي اليوم الذي نعود فيه إلى أراضينا، ونعيد زراعتها حتى تؤمن احتياجات عائلاتنا، وتسهم في دعم القطاع الزراعي المحلي».

انتهاء المنطقة العازلة سيمكن المزارعين من زراعة أراضهم واستصلاحها من جديد، وهو ما يسهم في انعاش الاقتصاد والقطاع الزراعي، وتنشيط مشروعات التنمية، لكن هذا يحتاج إلى الكثير من الجهد والوقت والإمكانات لاستثمارها وإعادة زراعتها، ما يعيد الحياة إليها ولأصحابها، وهذا ما أكده المزارع ممدوح الجدبة، إذ يقول «نريد أن نزرع الأشجار ومحاصيل القمح في أراضينا، لكن تنقصنا آبار المياه التي جرفها الاحتلال سابقاً، ونحتاج إلى موالدت كهربائية لضخ المياه، وشبكات ري، فالمزارع لا توجد لديه القدرة الكافية لتوفير كل ذلك».

من جهة أخرى، يقول نبيل أبوشمالة، الوكيل المساعد لشؤون التخطيط والسياسات في وزارة الزراعة بغزة لـ«الإمارات اليوم» إن «هذه المناطق المهمشة تحتاج إلى استجابة سريعة ونوعية لتلبية احتياجاتها، حسب أولويات المزارعين، وذلك بعد مصادرة حق الوصول إليها لأكثر من ‬12 عاماً، فهذه الأراضي تحتاج إلى مشروعات لإعادة تعبيد الطرق المؤدية للأراضي، حتى يسهل على المزارعين الوصول إليها، خصوصاً أنها تعرضت في السابق لعمليات تجريف، كما تحتاج إلى حفر الكثير من آبار المياه، وتوفير شبكات ري ومولدات كهربائية لضخ المياه».

ويقول الوكيل المساعد في وزارة الزراعة بغزة، إن «انتهاء المنطقة العازلة أكسبنا ‬20 ألف دونم من الأراضي الخالية للزراعة، وأكسبنا حرية الزراعة والتنوع في ‬20 ألف دونم أخرى، كما أن هذه الأراضي ستسهم في انعاش القطاع الزراعي والنشاط الاقتصادي، وتنشيط عجلة التنمية في قطاع غزة، من خلال استثمار هذه الأراضي في الزراعة المحلية».

ويضيف أن «استثمار الأراضي التي لم تكن مزروعة بشكل صحيح سيضيف إلى قيمة الانتاج الرزاعي ما يزيد على ‬60 مليون دولار سنوياً، أما قيمة الأراضي الأخرى التي تبلغ مساحتها ‬20 ألف دونم فإنها ستعزز من قيمة الإنتاج الزراعي بقيمة ‬100 مليون دولار سنوياً».

في سياق متصل، بدأت وزارة الزراعة بتنفيذ أول مشروع يستهدف المناطق الزراعية المحررة على الشريط الحدودي الفاصل بين أراضي الـ‬48 وقطاع غزة، وذلك بمشاركة وفد ماليزي مؤلف من ‬120 متضامناً، إذ تمخضت زيارة الوفد الماليزي لغزة عن تمويل مشروع بقيمة ‬300 ألف دولار من مؤسسة أمان ماليزيا، ويتكون من تسوية وتأهيل الطريق الرئيس بطول ثلاثة كيلومترات من شارع صلاح الدين حتى الحدود، وتأهيل ثلاث آبار زراعية مدمرة في تلك المنطقة الحدودية، إضافة إلى مسح وتأهيل ‬500 دونم زراعي.