واشنطن قد تُقدم على تدخل متأخر ومحسوب في سورية

واشنطن قد تُقدم على تدخل متأخر ومحسوب في سورية

تغيير موازين القوى بالسلاح أحد الخيارات المطروحة أمام البيت الأبيض
تغيير موازين القوى بالسلاح أحد الخيارات المطروحة أمام البيت الأبيض

تزداد الأزمة السورية تعقيداً يوما بعد يوم، وتتضاءل فرص التسوية السياسية لتفادي المزيد من الدمار. ويبدو نظام الرئيس بشار الأسد مصمماً على المضي في مواجهة المعارضة واستخدام كل السبل للقضاء على مناوئيه. وفي غضون ذلك، يزداد الخناق على إيران، حليف دمشق الاستراتيجي، بسبب العقوبات الاقتصادية التي طالت صادرات النفط وقطاع المصارف. وعلى مدى الـ10 سنوات الماضية تزعمت سورية وإيران ما يدعى «معسكر المقاومة» الذي يدعم القضية الفلسطينية ويقف في وجه الولايات المتحدة وإسرائيل. وحاز المعسكر نفوذاً غير مسبوق في الفترة بين 2006 و،2010 بعد فشل المشروع الأميركي في العراق والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

بدا بشار الأسد واثقاً من نفسه في الأشهر الأولى من «الربيع العربي»، معتقداً أن معاداته «العلنية» لأميركا وإسرائيل ودعمه القضية الفلسطينية سيحميانه من عدوى الثورات العربية. وبعد عام ونصف العام من بداية الأزمة ها هو الأسد في خندق المقاومة، لكنه الآن يقاتل من أجل حياته، وفي هذه الأثناء بدأ صبر تركيا ينفد في ظل التردد الأميركي.

ومن المحتمل أن تقرر واشنطن، بعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل، الاستجابة للمطالب التركية وتقدم الدعم العسكري للمعارضة السورية، وربما سيعيد البيت الأبيض حساباته بشأن الأزمة، لأن حرباً أهلية طويلة الأمد وغير محسومة قد تفتح الباب أمام دخول عناصر تنظيم القاعدة إلى سورية من جهة، إضافة إلى تدخل إيران. وكانت التجربة في ليبيا قاسية إلى حد كبير، إذ تبين لدى صناع القرار في واشنطن أن الاحتباس السياسي في أي بلد قد تكون له نتائج كارثية وغير متوقعة أحياناً. فقد قتل السفير الأميركي في بنغازي، كريستوفر ستيفنس، الشهر الماضي، ولم تتلق الاستخبارات الأميركية أي تحذيرات قبل الحادث. ولعل الحل المناسب للأميركيين في ما يخص الحالة السورية هو تنظيم انقلاب عسكري يطيح بنظام الأسد. وفي هذا السياق كتب السفير الأميركي السابق في العراق وأفغانستان، زلماي خليل زاد، في مجلة «فورين بوليسي»، قائلاً انه يتعين على حكومة بلاده اتخاذ خطوات لتمكين المعارضة السورية المعتدلة، وتغيير موازين القوى بالسلاح، ومساعدات عسكرية، وتشجيع انقلاب يؤدي في النهاية إلى تفاهم القوى المتناحرة لاقتسام السلطة، ويضيف السفير ان تُراعى مطالب روسيا مقابل تعاونها مع الولايات المتحدة.

وفي حال أصبحت أميركا الممول الرئيس للأسلحة فإن واشنطن سيكون لديها نفوذ في أوساط الثوار وستشجع الاتجاه المعتدل في المعارضة الذي يقبل بتقاسم السلطة. ويعتقد خليل زاد أن هذا التحرك سيدفع إلى عقد مؤتمر سلام تماماً مثلما حدث في الطائف في ،1989 حيث أعلن انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاماً.

المزيد من التدخل العسكري المباشر في سورية قد لا يصب بالضرورة في مصلحة الولايات المتحدة، كما أن توريد الأسلحة إلى المعارضة من خلال أطراف أخرى في المنطقة قد تتمخض عنه مخاطر أكبر، لأن الأسلحة قد تذهب إلى مجموعات متشددة، كما حدث في الحرب الأفغانية الأولى، إذ كانت باكستان قناة تمر من خلالها الأسلحة الأميركية نحو المجاهدين الأفغان في الثمانينات. وعوض القتال إلى النهاية، يتعين تنظيم مؤتمر سلام في أقرب وقت ممكن، ويجلس أطراف النزاع حول طاولة واحدة لإنهاء الحرب التي تدور رحاها في سورية. إلا أن الطريق إلى انعقاد هذا المؤتمر يبدو طويلاً في ظل الكراهية والخوف اللذين باتا يسودان المنطقة. وفي المقابل، تشعر طهران بالقلق إزاء ما يجري بالقرب من حدودها، ففي الوقت الذي تعد نفسها محظوظة لأن الأميركيين أزاحوا أمامها عدوين لدودين، هما حركة طالبان ونظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، تشعر حالياً بالإرهاق بسبب العقوبات الاقتصادية الخانقة. وعلى الرغم من الضعف المؤقت للمعسكر الذي تتزعمه إيران، من المؤكد أنه لم يتفكك بعد، والنظام الإيراني متماسك جداً، حسب محللين، ومن المستبعد أن يلقى مصير بعض الأنظمة التي أزاحتها ثورات الربيع العربي.