منى العياف ـ تعثر “الخرافي” .. لا يلغيه تدليس صحافي !

– كانت مفاجأة مدوية بحق!
– لا أظن أن أحدا من حجم المفاجأة صدقها، ربما أرادوا لها أن تكون كذبة أو تدليسا ويمر الناس عليه مرور الكرام لكن هذا لم يحدث!
– المفاجأة أو التدليس (لا فرق) يتعلق بخبر صادم خرجوا علينا به بعنوان «صندوق النقد يشيد بمجلس الامة ويقول: لقد تجاوز بأدائه كل المجالس السابقة».
– والحقيقة ان أي منصف أو مراقب أو متابع، سواء من مواطني دولة الكويت أو من ضيوفها أو ممن يطلعون على مشهدها السياسي لا يمكن أن يصدق خبراً كهذا.. والأدهى ان يكون صادرا من مؤسسة مهمة مثل صندوق النقد الدولي!!
– من غير الممكن ان يكون هذا الكلام مقبولا أو معقولا.. فلم نر مطلقاً أي انجاز.. بل شهدنا التراجع بالجملة.. والفساد بالجملة والتنمية محلك سر.. بل تتعثر المشاريع.. وتتزايد قيمة كلفتها بسبب التأخير وبملايين الدنانير.. دون أن نشعر بأن أحدا «قلبه» تعب أو حزن على هذا المال المهدور والوقت الضائع من دون طائل من ورائه!!
– حقيقة أثار العنوان حفيظة كثير من المواطنين البسطاء، الذين فقدوا الأمل، والمحللين والمراقبين الذين «اندهشوا» من امكانية ان تقوم منظمة اقتصادية دولية لا علاقة لها سوى بالامور الاقتصادية والتنمية، بالاشادة ببرلمان مهمته التشريع والرقابة فضلا عن ان تكون هذه الاشادة لهكذا مجلس نواب، لم ينعكس له دور او اداء على جانب الحكومة فقط، حيث تمتعت بالراحة الشديدة، وركنت الى الهدوء واستمرأت التقاعس على القيام بأي واجب فيها تجاه الوطن، سواء في التنمية او انجاز المشروعات او تطوير الخدمات والمرافق.
لكن المفاجأة الحقيقية ان كل ما نشروه و أوردوه كان للأسف «تدليسا» واضحا ذلك انهم تدخلوا في ما نشره الصندوق نفسه، وقاموا بتحريفه عن «عمد» وجيروه لصالح المجلس، وهو ما لم يحدث، فالحقيقة ان صندوق النقد قال كلاما مغايرا تماما فقد اكد «ان مجلس الامة الحالي يسير في طريق خطأ وان الحكومة تنجز المشاريع الموجودة ضمن خطة التنمية محذرا من ان اي تقصير في تنفيذ المشاريع الكبرى سيؤدي الى خفض النمو في القطاعات غير النفطية لأقل مما هو متوقع!».
هكذا اتضحت الصورة، وظهرت الحقيقة والتي عكست ازمة اخلاقية نعيشها كلنا، مع كل ما يروج له التجار باعتبار انهم يعيشون عصرهم الذهبي.. بكل ما تعنيه الكلمة من معان، ومن استحواذ على مقدرات البلاد، وعلى مؤسسات البلاد، من الحكومة الى مجلس الامة، وبينهما الاعلام، ومن ثم فإنه لا غضاضة ابدا، في ان يضبطوا متلبسين بمثل هذا التدليس الفاضح!!
الذين سيتصورون انهم سيرضون به ولاة الامور؟! هل هذه الرسالة «المذلة» ستكون كافية للايهام بأن المجلس يقوم بدوره الحقيقي، وانه يجب ان يبقى، واننا يجب ان نحرص «بالچاوية أو اللاوية» عليه – أي بكل الطرق المتاحة؟!
– في تقديري ان السحر انقلب على الساحر فالرسالة الحقيقية الآن هي ان القاصي والداني عرف انهم «مدلسون» وأن صندوق النقد لم يشد في مجلس الامة، وانما الذي حدث كذب وترجمته الصحيحة هي ان الحكومة هي التي اشادت بهذا المجلس وهذا الكلام منطقي فـ«ما يمدح السوق الا من ربح فيه» كما يقول المثل!
– اذن انكشف المستور وظهر أن صندوق النقد عبر عن إحساس كل كويتي «ناقم» على ما يجري!
– لقد اكتشف البسطاء من المواطنين الكثير من الأمور، تبين ان في قلب كل كويتي «غصّة» بسبب المشاريع المتأخرة والتي ساهمت في زيادة الاحباط لدى المواطنين.
– وأم المفارقات هنا هي ان تقرير الصندوق ذكر ان قائمة المشاريع المعطلة التي تنفذ «شركة الخرافي» عددا كبيرا منها، من بينها مستشفى جابر ومستشفى الجهراء وشركة «الخرافي انترناشيونال» ايضا وهي الشركة التي اعادت مشروع «الانتاج المبكر» الى نقطة الصفر حيث تعثرت تماما في تنفيذه!.
– هذا يقودنا إلى تساؤل لا أظن أن علينا أن نهرب منه بل ان من حق أي مواطن ان يطرحه هو: إذا كانت «شركة الخرافي» تتعثر وتفشل في تنفيذ المناقصات التي تحصل عليها من الدولة، فلماذا تستمر هذه الشركة في محاولاتها الدؤوبة للحصول على المناقصات؟! لماذا؟! وكيف؟!
– ما نعلمه أن أبجديات الاقتصاد في العالم هو ان الشركة التي تخفق في إتمام مشاريعها يتم وضعها في قوائم سوداء، أو تمنع – على أقل تقدير – من الحصول على أي مزايا وتسهيلات حكومية أو حتى ترسية أي مشاريع عليها، وإلا ان ما يحدث هنا في الكويت يعد مثالا صارخا لسطوة تجار السياسة وسيطرتهم على أركان السلطة التنفيذية!! رغم كل ما يتبع ذلك من اهدار للمال العام، وخسارة الوقت فضلا عن الاحباط الذي يتسرب الى النفوس، دون ان تكون هناك «انتفاضة» من أي نوع ضد هذه الممارسات المخجلة، والتي تشعرنا بأن سطوة ارادة تجار السياسة تتفوق على ارادة صناع القرار السياسي، وتتجلى هذه المصيبة اكثر عندما نرى ان هذه المشاريع تؤخذ من «راس مرفوع» حيث يتم صرف دفعات أولى للمنفذ الذي عادة ما يسلمها لشركات بـ«الباطن»، غير مؤهلة طبعا ناهيك عن ان هذه الشركات قد تحظى بمزايا خاصة جدا لا تحصل عليها الشركات الاخرى، مثل عدم الزامها بتقديم «كفالة بنكية» تضمن حق الدولة عند قيامها بعمل بعض المشاريع اذا ما تعثرت او ما شابه!!
كل ما نراه يقينا يعيدني الى التأكيد ان ما نراه هو مشروع «بيع البلد» مجانا «لمجموعة من التجار» من دون حسيب ولا رقيب!!
فما يحزن ويصيب المواطن في الصميم، هو ان يرى المشاريع المسندة «لشركة الخرافي» بالذات – على بساطتها – تتعثر ايضا، ما يعني انها متعثرة دوما سواء المشاريع الكبرى او الصغرى، وانظروا الى مشروع «ساحة الصفاة»، فمازالت مغلقة حتى اليوم رغم انه كان محددا لافتتاحها العام الماضي، ولكن الدولة عاجزة عن تحريك الماء الراكد «العفن»!!
وليس هذا وحسب، تأملوا المشروعات الاخرى مثل «مجلس الامة» والمبنى الاداري لوزارة التربية، كلها مشاريع حددت الحكومة في السابق مواعيد لافتتاحها، ولكنها مواعيد يمكن ان نطلق عليها «بيض الصّعو» نسمع عنه ولا نراه، وهناك ايضا «محطة مشرف الصحية»، التي غطت فضائحها اقصد «روائحها» منطقة مشرف، اما استاد (جابر) فهو مثال صارخ لسطوة تجار السياسة فمن المضحك المبكي انه تم دفع التكلفة بالكامل الى شركة الخرافي، ولكن الى الآن الدولة مازالت تبحث عن «مخرج» لسوء المعالجة الانشائية التي حدثت لعملية انشاء الاستاد!! ولا يزال البحث جاريا عن هذا الحل، حيث قام الديوان أخيرا بطرح مناقصة بقيمة (8 ملايين دينار) في محاولة لاصلاح ما يمكن اصلاحه، رغم ان الحكومة قدمت العديد من الوعود والمواعيد لافتتاح هذا الاستاد دون جدوى!
– فوق هذه المآسي جميعها، حدثت مأساة اخرى اكبر وشيء لا يصدقه عقل.. نعم.. وأمر غير ممكن الا في الكويت فقط فعندما اعلنت فتح مظاريف انجاز مشروع المبنى الثاني لمطار الكويت وتبين ان الذي فازت به ايضا «شركة الخرافي»، اصيب الناس في مقتل بالفعل.. وانتفضت وسائل التواصل الاجتماعي وتساءل الناس بمرارة كيف لشركة تعثرت كل هذا التعثر وفشلت في انجاز الكثير من المشاريع، وشابها الكثير من التأخير والتعطيل، في الوقت الذي تحصل فيه على مستحقاتها كاملة من المال العام، كيف تحصل مرة اخرى على مثل هذا المشروع؟! كيف وهي التي لم تعرف الانجاز بل تعرف التعثر في اغلب مشاريعها، التي ما عددت الا قليلا منها؟!
كيف يسمح لها بالدخول في هذه المناقصة؟! ومما يثير الاستغراب، ان وزير الكهرباء فاجأنا عندما تم الاعلان عن سعر المناقصة الذي فازت به الشركة باعتباره اقل عطاء، وهو مبلغ (مليار و300 مليون دينار) فانه فاجأنا باعتراضه على ردود افعال الناس وتصدى لكل ما يقال واصفا «شركة الخرافي» بأنها شركة محترمة؟!
– ومع احترامنا للوزير فنحن لم نعرف على أي اساس بنى موقفه هذا؟ وما رأيه فيما سبق وعددناه عن المشروعات التي تعثرت ولا نعرف على أي اساس يكون رأي وزير بالحكومة؟ والاصعب في الامر انه يعلن رأيه؟ والحقيقة ان العكس هو الصحيح وان وزارة الاشغال هي غير المحترمة، في هذه الحالة – ذلك انه مما يجدر بنا ذكره هنا عن هذا المشروع – المطار الجديد – فانني أتذكر ان وزارة الاشغال اكدت انه سيتم افتتاحه في سبتمبر من العام (2016)، وان كلفته التقديرية ستكون بحدود (900 مليون دينار) وانه تم تكليف وزارة الاشغال من قبل مجلس الوزراء آنذاك للقيام بالتنفيذ؟!
– وهنا السؤال يطرح نفسه كيف سيكون لهذا الوزير سلطة للرقابة على هذه الشركة المتعثرة وهو يشيد بها هكذا؟!
كل هذا يزيد من حسرة المواطن على وطنه ويضاعف من فقدانه ثقته بالدولة وان النفوذ التجاري يفوق بكثير نفوذ اصحاب القرار السياسي!
– مما يؤسف له حقا ان وزير الكهرباء وغيره، يتجاهلون ان شركة الخرافي التي رست عليها المناقصة الخاصة بالمطار متآلفة مع شركة تركية وهذه الشركة قد نفذت المبنى رقم (2) في مطار القاهرة الدولي في نهاية 2011 بتكلفة اجمالية (92 مليون دينار) وهذا المطار طاقته الاستيعابية تفوق الـ(10 ملايين راكب) سنويا!!
السؤال هنا هو ماذا يمكن اذا اجرينا مقارنة بين مبلغي المناقصتين في مصر والكويت؟! وهل المبلغ الذي ستحصل عليه نفس الشركة هنا في الكويت عن نفس المشروع هو نفسه ما حصلت عليه في مصر؟ ان الفارق واضح امامنا وكذلك المناقصة تم تقديرها من الوزارة بـ900 مليون أي الزيادة (480 مليون دينار)! لماذا هل هو مشروع مطار أو مدينة كاملة؟!
هل هناك من احد ان يوقف هذا العبث ونزيف المال العام؟!
ألا يعني هذا كله لكم أي شيء؟! خاصة في ظل خسائرنا النفطية التي تسبب فيها فشل شركة «الخرافي انترناشيونال» تقارب «المليارات»!!
– في نهاية الامر اصبحنا نعرف ان مشاريعنا سواء كانت مشاريع صغيرة أو كبيرة الحجم وسواء كانت بميزانية قليلة أو ضخمة فهي جميعها تتعثر.. جميعها لا يتم انجازها وبفضل ماذا؟ بفضل اداء مجلس حالي اشادت به الحكومة أمام صندوق النقد الدولي وتدليس التجار حينما ينسبون هذا التدليس للصندوق!… حقا الكويت تباع بالمجان!!