د. أحمد الخطيب ـ دعوة للمسؤولين كي يحترموا عقولنا

ذكرت في مقال سابق أن هناك نوعاً من السباق بين الربيع العربي والتحرك الداعشي، لملء الفراغ في الوطن العربي، بسبب غياب قوى إصلاحية فاعلة، ولقد أتاح هذا الفراغ الفرصة لقوى متخلفة للتحكم في مصير البشر وأرزاقهم وكراماتهم.
هذا الصراع الجديد هو بين جيل يحن إلى ماضٍ “مجيد” في حكم داعشي استبدادي يؤمن بالطاعة العمياء لقيادته، ويبرر كل الوسائل الوحشية لتحقيق أهدافه، وجيل آخر يأمل مستقبلا باهرا يحرر البشرية من كل أنواع العبودية بالسبل الإنسانية السلمية، ويقيم نظاما ديمقراطيا يخدم الإنسان.
فما هو موقف الدول العربية من هذا الصراع؟
فمثلاً، هل محاربتها لـ”داعش” نابع من إيمانها بالديمقراطية، واحترامها لكرامة الإنسان وحرياته؟
في الحقيقة، لا يمكن أن يكون هكذا، وذلك بسبب ما تمارسه هي نفسها من سياسات في أوطانها لا تختلف كثيرا عما تمارسه “داعش” في المناطق التي تحتلها، فهي عدوة لكل نظام ديمقراطي… فمثلاً، معروف الموقف المتخاذل لجامعة الدول العربية في الموضوع الفلسطيني، فهي تخاف من قيام دولة فلسطينية ديمقراطية، لأن ذلك باعتقادها يشكل خطراً عليها أكثر مما تشكله إسرائيل.
هذا الكلام كان مستهجناً من بعض المسؤولين وأتباعهم، رغم وجود الأدلة في كثير من المصادر البحثية. إلا أن التصريحات الإسرائيلية، أخيراً، عن علاقة هذه الدول مع بعض الأنظمة العربية فضح هذه العلاقة، ومَن أراد المزيد من الأدلة فما عليه إلا قراءة مذكرات الجنرال قلوب باشا عن حرب 1948، ودوره في هذه الحرب عندما عين قائداً للجيوش العربية التي قيل إنها حاولت مساعدة الفلسطينيين، لكونه كان قائداً لأفضل جيش عربي، آنذاك، أي جيش النظام الأردني. وكذلك عليه قراءة كتاب Trevor Royle عن قلوب عن هذا الدور المخجل.
لهذا كله يحق لنا أن نتحفظ عن ادعاء بعضهم بأنهم يحاربون “داعش”، لأنهم هم الذين خلقوا “داعش” وغيره في جميع دول العالم، من خلال مدارسهم الدينية التي تعلّم الكراهية والتطرف وتكفير الآخرين وهدر دمائهم، في أفغانستان وباكستان وغيرها، فأساؤوا لديننا السمح.
دعونا نرصد الموقف العربي الرسمي الحقيقي مما يجري في تونس:
البديل التونسي لم يحقق كل طموحاته بعد، فهو في بداية الطريق، وسر نجاحه المبكر يعود إلى تاريخه المميَّز، والإصلاحات الجريئة التي أقدم عليها الحبيب بورقيبة، خصوصا احترامه للعلم، وحماية الدين من ألاعيب السياسة ودهاليزها، وكذلك تحرير المرأة، التي لعبت دوراً مهماً في هذا الحراك.
التحديات كثيرة وكبيرة، سواء كانت داخلية أو خارجية أو عربية أو أجنبية، لأن هؤلاء جميعاً ينتمون إلى منظمة الفساد العالمي، فهم أعداء طبيعيون لأي بادرة إنسانية مهمة.
الربيع العربي تحدٍ للظلم والفساد… تحدٍ للفقر والبطالة… تحدٍ لدعاة الظلام… تحدٍ للهيمنة الداخلية والخارجية بكل أشكالها.
لكل هذا لا أتوقع أن تهبّ هذه الأنظمة لمد يد المساعدة لتونس الجديدة، لكني آمل أن تحافظ الكويت على دورها المميَّز في دعم مشاريع التنمية لمصلحة الشعوب، ولا تتردد عن قيامها بهذا الدور، مساندة للشعب في تونس في مسيرته الإصلاحية السلمية.

أمر مفيد

سيكون مفيداً رصد الدعم العربي المزمع تقديمه لمصر، لمعرفة توجهاته، خصوصاً بالنسبة للدول التي حاولت ثني حسني مبارك عن التنحي حتى آخر ساعة، بإرسال طائرات محملة بملايين الدولارات صباح ذلك اليوم التاريخي.