بعد 14 عاما.. الصحفي تيسير علوني يحكي قصة لقائه بزعيم طالبان الملا عمر

الملا عمر فارق الحياة قبل سنتين في ظروف غامضة بأحد مستشفيات كراتشي (الأوروبية)

تحّدث الصحفي بقناة الجزيرة تيسير علوني -في مقابلة مع موقع هافينغتون بوست في نسخته العربية- عن لقائه بزعيم حركة طالبان الملا عمر الذي أعلنت الرئاسة والمخابرات الأفغانية الأربعاء عن “وفاته في أحد مستشفيات كراتشي في أبريل/نيسان 2013 في ظروف غامضة”.

وفي المقابلة التي تحدث فيها علوني عن لقائه بالملا عمر في أبريل/نيسان عام ٢٠٠١، أوضح أن زعيم طالبان الراحل كان يرفض لقاء الصحفيين في تلك الفترة بسبب انزعاجه من محاولاتهم لتصويره بطرق ملتوية.

وبيّن علوني أن لقاءه الصحفي مع الملا عمر لم يتأخر على الرغم مما أحاط به من “ظروف صعبة”، مشيرا إلى أن هذا اللقاء تمّ في “مكتب أمير المؤمنين” الجديد الذي انتقل له (الملا عمر) حينها بعد محاولة لاغتياله، حيث تم استهداف منزله بشاحنة ملغمة بعدة أطنان من المتفجرات أدت إلى مقتل عمه وبعض أقاربه ونجا منها الملا عمر بأعجوبة.

لقاء وتفاصيل
ويواصل علوني وصف تفاصيل ذلك اللقاء، موضحا أنه تمّ في قاعة واسعة نوعا ما ومستطيلة ومفروشة بالسجاد الأفغاني وتوزعت على جوانبها حشايا متواضعة.

وتابع أن الملا عمر قدم للمكتب برفقة شابين مسلحين، ووصف ملامحه قائلا “طويل القامة، أميل إلى النحافة، بلحية سوداء كثة تخللتها شعرات بيضاء وشارب محفوف، حنطي البشرة، وكان يرتدي ثوبا أفغانيا تقليديا يظهر عليه القدم بلون رمادي داكن، وأظنني لمحت رقعة أو إصلاحا في بعض جوانبه، ويلف رأسه بعمامة سوداء مما يلبسه طلبة العلم في أفغانستان، هيبة الرجل منعتني من إمعان النظر في هيئته وملامحه إلا حين جلس في الزاوية اليمنى من صدر القاعة وكانت جلستي على يساره وبذلك لم أكن أرى عينه اليمنى التي فقدها أثناء الجهاد ضد النظام الشيوعي”.

وقال علوني بشأن انطباعاته الشخصية عن الملا عمر إن أول ما لاحظه هو “هيبة الرجل بين أتباعه” وذلك من خلال طريقتهم في الحديث والتعامل معه، لافتا إلى أنه شعر في حضرته بأنه “أمام حاكم حقيقي ورجل دولة رغم أن مظهره يتميز ببساطته الشديدة وربما كان أقل الحاضرين أناقة لكن حضوره طغى على الجلسة تماما”.

إجراءات وأمن
وفي حديثه عن الإجراءات الأمنية التي سبقت المقابلة أكد علوني أنها لم تكن إجراءات معقدة أو خارجة عن المألوف، مشيرا إلى أنه لم يخضع ولو لتفتيش بسيط لأنه رافق حينها مجموعة من رجال الدولة.

وأضاف علوني: الملا عمر لم يكن يتغيب عن المناسبات العامة مثل صلاة الجمعة وصلاة العيدين، ويخرج بجولات في المدينة وما حولها بسيارة يقودها بنفسه وربما رافقه بعض المسؤولين بسيارة أخرى أو سيارتين وإذا حكم وقت الصلاة يؤديها في أي مسجد يصادفه على الطريق، وفي بعض الأحيان كان يصلي العصر ويخرج مع مرافقيه من المسجد ويمد رداءه ويجلس في العراء يتبادل الحديث مع مرافقيه.

وبيّن علوني: الملا عمر لم يكن يحتاج إلى حراسة شديدة فهو كان يعيش في ظل حاضنته الشعبية التي أيدته وأوصلته إلى السلطة، مذكّرا بأن أضخم إنجاز حققته حركة طالبان تمثّل في إعادة الأمن إلى أفغانستان، وذلك من خلال معايشته للوضع هناك لنحو سنتين.

صفات وميزات
وعن صفات الملا عمر قال علوني إن شخصيته تجمع بين أمور عديدة، مؤكدا أنه زعيم قوي تمكّن من قيادة شعب صعب المراس وفرض النظام عليه.

وأضاف علوني: الملا عمر سياسي بارع تمكّن من توظيف إنجازات المقاومة الأفغانية بطريقة فذة جعلت الأميركيين يستجدون ويتوسلون التفاوض معه بأية طريقة ويفتتحون له مكتبا للاتصال السياسي في قطر بهدف البقاء على تواصل معه من أجل التوصل إلى سحب قواتهم من أفغانستان بطريقة تنقذ ماء وجوههم أمام الشعب الأميركي، حسب تعبيره.

ويرى علوني: شخصية الملا عمر جمعت أفضل ما في خصائص الأفغاني الأصيل إلى جانب كونه رجل مبادئ، لافتا إلى أنه رفض تسليم زعيم ومؤسس تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن ومن معه من العرب إلى حكوماتهم مع أنه كان يعرف تماما أن ذلك الرفض سيكلفه غاليا.

وعن صفات الملا عمر الأبرز قال علوني إن شخصيته كانت تمثل الرجولة بأسمى معانيها، موضحا أنه كان يتميّز بقدرته على ضبط غضبه، فقد أغضبه الأفغان العرب الذين كانوا في ضيافته وعلى رأسهم بن لادن، وكان قد أمرهم مرارا بعدم اتخاذ أفغانستان منطلقا لتنفيذ أية أعمال عسكرية خارج البلاد ومع ذلك فقد خالفوا أوامره وضربوا السفارات الأميركية في كينيا وتنزانيا، فنبههم إلى ضرورة الالتزام بأوامره، وضربوا المدمرة الأميركية ” كول” في عدن عام ٢٠٠٠ فأعاد تنبيههم، وأمرهم بعدم الإدلاء بتصريحات لوسائل الاعلام فخالفوا أوامره، ومع ذلك صبر عليهم وصفح عنهم جزاء سابقتهم في الجهاد مع الأفغان ضد السوفيات والحكم الشيوعي، ولنتصور أن هذه الأمور حدثت مع حاكم آخر فهل كان يضبط غضبه؟

صمود طالبان
وبيّن علوني -في المقابلة ذاتها- أن صمود حركة طالبان ومقاومتها للاحتلال الأميركي طيلة هذه الفترة كان يحتاج إلى قيادة متماسكة وتنظيم محكم وهذه لن تعدم رجالا وقادة كبارا سيتمكنون من قيادتها إذا حافظوا على المنهج نفسه خصوصا فيما يتعلق بوحدة الصف الداخلي.

وذكر علوني أن هذه الإنجازات تدلُ على وجود آليات معينة للعمل، واستغرب إذا كانت تخلو من آلية لاختيار القائد المناسب.

لقد حاولت أميركا أن تقول للعالم ولشعبها إنها خرجت من أفغانستان وتركت في البلد نظاما مستقرا، في حين أن الحقائق على الأرض تقول إن الأميركيين حولوا البلد إلى دولة فاشلة بامتياز على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وإنهم أقاموا نظاما ضرب أرقاما قياسية في الفساد وفشلوا في تحقيق أي هدف من الأهداف التي أعلنوها عندما غزوا أفغانستان، وأبسط مثل على ذلك هو زراعة المخدرات التي كانوا يدعون أنهم سيقضون عليها، وقد سبق لحركة طالبان أن أوقفت هذه الزراعة بقرار واحد صدر عن الملا محمد عمر أواخر عام ٢٠٠٠ واعترفت المنظمات الدولية المختصة في ربيع عام ٢٠٠١ أن أفغانستان أصبحت بلدا خاليا من الأفيون (كما ذكرت جريدة ذي نيوز الباكستانية في فبراير/شباط من العام نفسه، وأذكر أن العنوان كان (poppy-free Afghanistan) ، أما بعد أن دخل الأميركيون فقد تضاعف إنتاج أفغانستان من الأفيون لمرات ومرات. هذا مثل واحد نسوقه على سبيل الاختصار حول الفشل الأميركي في أفغانستان.

وبشأن وجود مخاوف من التأثير السلبي لغياب الملا عمر فهي نابعة من المؤامرات الخارجية -حسب علوني- الذي أضاف أن المحاولات الباكستانية لجر الحركة إلى التفاوض والاتفاق مع الحكومة الحالية بشروط لا تلبي تطلعات الأفغان، لن تنجح إلا بشق صف الحركة ولن تدعم هذه المؤامرات من يخدمها، إلا أنه رجّح أن الحركة ستتمكن من توحيد صفوفها في ظل قيادة جديدة.

المصدر: قناة الجزيرة