أوباما ماهر في التحليل النفسي لكل الزعماء «ما عدا نفسه»

أوباما ماهر في التحليل النفسي لكل الزعماء «ما عدا نفسه»

أوباما يحتاج إلى التصويب في مواجهاته مع رومني.
أوباما يحتاج إلى التصويب في مواجهاته مع رومني.

حينما يتحدث في المسيرات والتجمعات لا يحب الرئيس الأميركي باراك أوباما، أن يشاركه أحد في الوجود على خشبة المسرح أو يشوش عليه احد، وحينما يستقل سيارته الليموزين لا يود أن يكون عرضة لموقف يضطر معه ان يحمل معه أي أحد. فهو يريد ان يشعر بأنه ليس مديناً لأي أحد في شيء من تفرده ونجوميته وصعوده، ولا حتى لأولئك الذين ساندوه ووقفوا بجانبه في لحظات عصيبة وفارقة.

ويعتقد أوباما أن بإمكانه القيام بأي عمل في البيت الابيض، أو في اطار حملته الانتخابية بصورة افضل من المكلفين بهذه الاعمال أصلاً، لذا فإن اوباما يدرك تماماً انه وحده مسؤول عن تراجعه امام 70 مليوناً من الأميركيين شاهدوا مناظرته الأولى، مع منافسه الجمهوري في انتخابات الرئاسة ميت رومني.

وحينما ادرك أنه ذلك الفاشل اعتذر اوباما لمستشاريه المحبطين والغاضبين، وذات مرة وبعد تألقه في الحديث في قضايا الاقتصاد ومشكلات العالم مازح اوباما احد مستشاريه قائلاً: «ربما كان ينبغي علي التوقف عن اللعب وانهاء اللعبة»، ولكنه توقف عن اللعب هذه المرة وجازف بخسارة بعض النقاط من معدلات شعبيته في استطلاعات الرأي.

ومما لا شك فيه أن اوباما بارع في التحليل النفسي لشخصيات قادة دول العالم، وكتب مذكرة حول وحدته الطويلة الأمد، وإعادة اكتشافه لنفسه، ولكنه لم يكن موفقاً دائماً، وفي كل المرات في تحليلاته النفسية لشخصيته، بحيث يتجنب النماذج الهدامة أو التدميرية.

يقول الصحافي ديفيد مارانيس، الذي كتب مذكرات الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون، والحالي اوباما إن لدى الرجلين افكاراً متكررة ومتواترة «فكلينتون يزرع بذور الافكار والأشياء التي لم يقم بها، ثم يجد طريقاً ما للتعافي والشفاء»، ويضيف مارانيس أن «شخصية اوباما تشكلت من خلال رغبته في تفادي الكمائن والأفخاخ التي تتسبب له فيها اسرته الكبيرة، وغير الطبيعية وخلفيته المتعددة المناطق الجغرافية، إضافة الى مصيدة العرق في اميركا، وكل هذا يفسر اسباب وملابسات حذره ويقظته واتجاهه للتوقف أو التراجع وتوجهه لمسح الحياة، كما لو أنها رقعة شطرنج يبحث فيها عن ما قد يكون موقع هزيمته ربما من غير أن يشعر».

وفي كتابه عن مذكرات اوباما بعنوان «باراك اوباما.. القصة»، قال مارانيس إن «ما جاء في الكتاب دفع اوباما الى التسامي على المواجهة وتفاديها، ففي الوقت الذي بدا فيه الجمهوري رومني متألقاً في أدائه في المناظرة وحاذقاً في التخفيف من صورته اليمينية المحافظة، فقد سعى اوباما ودخل في مصيدة من صنع يده بنفسه، ان ما جرى في المناظرة كان عاصفة نفسية للرئيس اوباما، الذي يجيد في اعطاء أداء افضل حينما يكون ظهره للجدار ولديه بعض الرغبة او الحاجة من غير وعي في وضع نفسه في مواقع التحدي ومواقف صعبة، ما يزيد من صعوبة ادراكه النجاح، فهو بمجرد نفاد الوقود يتوقف عن الحركة والقتال تاركاً مؤيديه وأنصاره في حالة من التشوش والاضطراب».

نعم هكذا هو اوباما وهذا هو ايقاعه واتزانه، كما يقول أحد مستشاريه، ولأن اوباما لا يستمتع بالمواجهات فهو يفشل في اغلب الاحيان في وخز او طعن خصمه في اول فرصة تتاح له، وبدلاً من ذلك فهو يتراجع ويسمح للخصوم بالتقاط انفاسهم، وحدث له ذلك مع وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون التي كانت منافسة شديدة له في انتخابات الرئاسة ،2008 في ولايتي نيوهامشير ومع الجمهوريين في ولاية تكساس، في المناقشات الخاصة بالتأمين الصحي والسقف الذي ينبغي ألا يتجاوزه الدين العام. وها هو يحدث له ما يشبه ذلك مع رومني، حيث يتيح له المجال لتقديم رواية زائفة عن الاعتدال وحسابات الضرائب، وقد تعرض اوباما للحث من مساعديه على إبراز الجوانب البهية في شخصيته وأفكاره وبرامجه، وقد وصل اوباما الى منصة المناظرة متسربلا بمعطف من الازدراءات مثل ازدراء المناقشات الخاصة بالمناظرات، وما تتم مناقشته فيها من قضايا يعتبرها مواقف مزيفة وترسم صورة غير حقيقية، كما وصفها جيري رفشون مستشار الرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر، حيث يقول «يفضل الناس كاذباً بارعاً وحاذقاً على آخر صادق سيئ الأداء».

إضافة إلى ذلك، فإن الرئيس اوباما لا ينقصه الشعور القوي باحتقار رومني، فهو يعتبره رجل الاعمال الذي يسعى الى ابرام الصفقات التي تجلب الارباح والاموال، ويرى ان كل اميركي يشاركه النظرة الى هذا الرجل المحافظ. وقد تجنب اوباما التقاء العيون مع رومني، بينما كانت فرص تألقه تمر من امامه بينما كانت تحيط به بكل دفء وعناية نظرات زوجته ميشال اوباما ومستشارته في البيت الابيض فاليري جاريت، التي تعتقد أنه يتوجب على الجميع جذب فرصة أي معجزة او جهد لتوجيه الاميركيين وإرشادهم الى الصواب وليس تشجيع الأمور في أي اتجاه آخر.

وفي حفل لجمع التبرعات لدعم حملته الانتخابية في سان فرانسيسكو، سخر اوباما من تألق أداء رومني ونجوميته في المناظرة، وقال إن «ما تم تقديمه في المناظرة لم يكن قيادة وإنما ترويج لمهارات موظف مبيعات». وهذه الصورة العامة هي التي حالت دون تمكن اوباما من الترويج او حتى شرح موقفه من التأمين الصحي والسياسات الاقتصادية، غير ان اصراره على رفض حشد طاقاته وإرادته وعدم الترويج لرؤيته سيؤكد هفواته في القيادة، ويقوض جدوى النقاش القائم حول بقائه أربع سنوات اخرى في البيت الأبيض.